تابعنا
دقلو هو واحد من أشد الرموز العسكرية في الدولة إثارةً للجدل، وهو الآن نائب الرئيس المؤقت ويملك سلطةً حقيقيةً في دولةٍ غارقةٍ في الفوضى منذ عزل معلِّمه والحاكم طويل الأمد للسودان، عمر البشير، في أبريل/نيسان الماضي.

في الوقت الذي باتت فيه الأزمة السياسية في السودان أكثر تعقيداً بعد إسقاط أطول قادتها حُكماً عمر البشير يوم 11 أبريل/نيسان 2019، تقع السيطرة الآن في يد أحد تلاميذه، وهو محمد حمدان دقلو.

رسمياً، يرأس الفريق أول عبد الفتاح البرهان المجلس العسكري الانتقالي السوداني. ولكن من ناحية القوة الفعلية، فيقول الكثيرون إن دقلو، المعروف باسم حميدتي، هو السلطة العليا.

البشير، الرئيس السابع للسودان، والذي تولى منصبه عن طريق انقلابٍ عسكريٍّ عام 1989، عُزِل من منصبه بانقلابٍ آخر في ظل اندلاع احتجاجاتٍ جماعيةٍ. ومنذ رحيل البشير، مَن يدير شؤون البلاد هو المجلس العسكري الانتقالي، الذي يعقد مفاوضاتٍ مكثفةً مع قوى الحرية والتغيير، وهي منظمة مدنية تقود الحراك الشعبي للمتظاهرين.

وقد حاول المجلس العسكري الانتقالي برفقة زعماء مدنيين التوصل إلى اتفاقٍ بشأن كيفية حكم البلاد، لكن باءت المفاوضات حتى الآن بالفشل. وقُتِل على الأقل 118 مدنياً أثناء فض اعتصام المتظاهرين. إذ ظل النشطاء من أنصار الديمقراطية في الشوارع، مطالبين بتسليم الجيشِ السلطةَ وضمان تشكيل حكومة مدنية حقيقية.

ورغم وجود صورٍ لحميدتي وهو يرقص مع الأنصار في الخرطوم، مما يجعله يبدو شخصاً مرحاً وودوداً، فالحقيقة أكثر سواداً.

جرائم حميدتي في دارفور

ارتبط اسم حميدتي بجرائم اغتصابٍ وقتلٍ جماعيٍّ في دارفور إبان الحرب التي بدأت عام 2003، وانضمامه إلى ميليشيا الجنجويد، التي وصفتها صحيفة The Daily Telegraph البريطانية بكونها "قوة غير نظامية موالية للحكومة ومتهَمة بارتكاب إبادةً جماعيةً ضد الأقلية غير العربية في الاقليم".

ووفقاً لهيئة تحقيقٍ موكَّلةٍ من الأمم المتحدة، فإن الحكومة السودانية وميليشيا الجنجويد بقيادة حميدتي لم ترتكبا إبادةً جماعيةً، لكنهما بالتأكيد قد أذنبتا بالقتل الجماعي والتعذيب والاغتصاب وجرائم أخرى في إقليم دارفور، مما خلق الظروف اللازمة لمحاكمة حميدتي وكبار مسؤوليه أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وفي وقتٍ سابقٍ من الشهر الجاري، بالتحديد يوم 3 يونيو/حزيران 2019، تعرَّضت عشرات وربما مئات من المتظاهرين في الخرطوم لإطلاق الرصاص والضرب والسرقة على يد قواتٍ أمنيةٍ تحمل اسم قوات الدعم السريع، وهي على صلةٍ وثيقةٍ بحميدتي. وتشير التقارير إلى أن سكان المنطقة بدءوا يشيرون لهم باسم الجنجويد، مما يعيد إلى الأذهان رعب العقد الأول من الألفية الجديدة.

ولا يستحسن حميدتي هذا اللقب. إذ نقلت صحيفة The New York Times الأمريكية عن حميدتي قوله: "كلمة جنجويد معناها قاطع طريق سارق. إنها مجرد دعاية من المعارضة".

وتقدِّر صحيفة نيويورك تايمز أعداد قوات الدعم السريع بـ50 ألفاً، وهو عددٌ ضخمٌ من المقاتلين الذين تعهدهم البشير بالرعاية ليكونوا قوةٍ حاميةٍ له. لكن مع رحيل البشير الآن عن الصورة، تحولت قوات الدعم السريع إلى قوةٍ لا يُستهان بها.

العلاقات السعودية الإماراتية

يتمتع حميدتي أيضاً بعلاقةٍ وثيقةٍ مع الإمارات والسعودية، الدولتين الخليجيَّتين اللتين تموِّلان الأنظمة الاستبدادية وتدعمانها في أنحاء الشرق الأوسط.

وعندما كانت القوات السودانية تقاتل لصالح التحالف بقيادة السعودية في اليمن، قاتلت قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي وقوات البرهان البرِّية جنباً إلى جنبٍ، وبهذا وُطِّدت العلاقة بين الرجلين، بحسب تقريرٍ مجلة Foreign Policy الأمريكية.

وذكرت التقارير أيضاً أن الرجلين قد "عقدا اجتماعاتٍ مع مسؤولين إماراتيين وسعوديين" ويقدِّمان نفسَيهما على أنهما من صنف الحكام العسكريين المثاليين العرب، أي "ليسا إسلاميَّين متحالفَين مع قطر، ولا إيران، ولا جماعة الإخوان المسلمين المصرية".

وأوردت Foreign Policy في تقريرها أيضاً أن قوات الدعم السريع "يُقال إنها لقيت دعماً من السعودية والإمارات، بما في ذلك أموالاً وأسلحةً".

ويرتاب المتظاهرون السودانيون ارتياباً كبيراً من عروض المساعدة السعودية والإماراتية، إذ رفضوا غاضبين تعهُّداً منهما بتقديم معونةٍ بقيمة 3 مليارات دولار. وبلغ الأمر بكثيرٍ منهم أن طالبوا المجلس العسكري الانتقالي بقطع أواصر الصلة مع كل من المملكة السعودية والإمارات.

وقد زادت سطوة الدولتَين على السياسة السودانية منذ دعمهما الحكام السودانيين الجدد بعد انقلاب أبريل/نيسان الماضي.

TRT عربي