تابعنا
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 سقط المئات من المحتجين العراقيين بعمليات اغتيال وقتل خلال الاحتجاجات، وتتراوح أعدادهم بين 560 وفقاً لما أعلنته الحكومة العراقية العام الماضي.

هذا الرقم يتنافى مع إحصائيات المنظمات الحقوقية والانسانية التي تؤكد اغتيال 800 شهيد، وما زالت عمليات رصد الانتهاكات جارية.

وعلى الرغم من المعلومات التي يملكها المتظاهرون، والتي تدين جهات مسلحة متورطة في قتل المتظاهرين، فإن الحكومة العراقية تكتفي بالحديث عن أنها تتابع ملفات القتل، فيما تستمر في التشكيك في أعداد القتلى، وتشكل لجان التحقيق دون الكشف عن أسماء الجُناة بضغط من الأحزاب السياسية وفصائلها المسلحة المنتشرة في المحافظات العراقية.

إيهاب الوزني شهيداً والمليشيات مُتهمة

أثار مقتل الناشط العراقي إيهاب الوزني غضباً واسعاً في البلاد، إذ قُتل الوزني المعروف بمناهضته للحكومة العراقية بهجوم مسلح. حيث أقدم مسلحون مجهولون كانوا يستقلون دراجة نارية، وأضرموا النار من أسلحة كاتمة على سيارة كان يستقلها الوزني، بينما كان يقود سيارته قرب منزله في حي الحداد بمحافظة كربلاء.

وأحدث مقتل الوزني صدمة بين مؤيدي موجة المظاهرات العراقية التي شهدتها البلاد منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي يصفها أنصارها بـ"ثورة تشرين"، الذين احتشدوا في مسيرات بجنوب ووسط العراق لمطالبة السلطات بوقف إراقة الدماء.

مقتل الناشط العراقي المعارض إيهاب الوزني بهجوم مسلح (Others)

بعد تواصل مراسل TRT عربي مع العميد السابق في الجيش العراقي راكان الشمري، فقد صرّح بالقول: "الجيش العراقي بريء من قتل المتظاهرين. أما القتلة فهم من عناصر المليشيات، وأبرزهم كتائب حزب الله و عصائب أهل الحق وبدر وسرايا الخراساني، وهم يتبعون الأوامر الإيرانية، كما أنهم يشعرون بالخطر على مصالحهم، ويسعون إلى ترهيب المحتجين بالقتل والاختطاف والتهديد، إلا أنهم وبعد أكثر من شهرين عليهم أن يعلنوا خسارتهم أمام إصرار العراقيين على التغيير".

وأضاف الشمري: "عملية اغتيال إيهاب الوزني هي ضمن سلسلة تصفية بوصاية المتنفذين في داخل المنظومة الأمنية الحكومية العراقية، والأحزاب السياسية تدرك جيداً مدى تأثير الوزني في تحشيد التظاهرات وكشف ملفات الفساد، لذلك تم قتله، وتضييع دمه في محاولة لغلق ملف الاحتجاجات الشعبية".

محافظ كربلاء وقائد العمليات وقائد الشرطة مطلوبون

وقد طالبت عائلة الناشط إيهاب الوزني عبر بيان نشره موقع ناس نيوز، طالبت الأجهزة الأمنية في محافظة كربلاء بالكشف عن الجهات التي تقف خلف اغتياله بأسرع وقت ممكن.

وصرح علي الوزني شقيق المغدور إيهاب قائلاً: "نطالب الأجهزة الأمنية والقضاء العراقي بالبت في تورط المحافظ نصيف الخطابي وقائد العمليات وقائد الشرطة، ونُصر على استقالتهم من مناصبهم، وبخلاف ذلك سنمضي نحو تصعيد التظاهرات في كافة أنحاء العراق".

كما تابع علي الوزني: "هذا التصرف الإجرامي يدل على أن الجهات الحكومية المتمثلة بالمحافظ وقائد الشرطة إما أن يكونا مشتركين بهذه الجريمة الشنعاء، أو أنهما متستران على الجهة الفاعلة، وكلا الخيارين وارد جداً، كون التسويف والمماطلة سمة عالية بل طاغية على تصريحات وردود أفعال الجهات المتورطة في تعاملاتها مع ملفات اغتيال وترهيب المتظاهرين والناشطين".

وسم "بابل تقمع" يتصدر تويتر العراق

شهدت محافظة بابل، جنوب العاصمة بغداد، تظاهرات غاضبة طالبت بالكشف عن قتلة الناشط إيهاب الوزني، الذي اغتيل قبل أيام في محافظة كربلاء، ونددت بوضع حد للفصائل المسلحة والجهات التي تلاحق الناشطين، بينما اندلعت مواجهات بين عناصر الأمن والمتظاهرين، حيث أقدمت قوات مكافحة الشغب على تنفيذ حملة اعتقال طالت عدداً من المتظاهرين.

وفقاً لهذا السياق صرّح الباحث السياسي كاظم الحسيني لـTRT عربي بالقول: "يتعرض المتظاهرون في بابل لحملة اغتيالات ممنهجة بتخادم واضح بين قوات مكافحة الشغب الحكومية من جهة، والفصائل المسلحة من جهة أخرى، حيث أحاط العشرات من عناصر الأمن التظاهرة، وواجهوا المتظاهرين بالرصاص الحي وقنابل الغاز، ما تسبب في حالات اختناق في صفوفهم، فيما نفذ عناصر الأمن حملة اعتقالات بين المتظاهرين بعدما فرّقوا المحتجين".

من جهته تحدث عضو تنسيقية تظاهرات بابل عمار العوادي، قائلاً: "القوات الأمنية اعتقلت العديد من المتظاهرين، بعدما لاحقتهم في الشوارع والأزقة في المدينة وهي تطلق الرصاص الحي باتجاههم، وحتى الآن لا نعرف العدد الحقيقي للمعتقلين، بينما فقدنا الاتصال بالكثير منهم".

ناشطون غطوا أحداث القمع في بابل، ومن بينهم الناشطة المدنية شمس بشير، حيث كتبت تغريدة على تويتر: "أنباء عن استخدام غاز الأعصاب من قبل قوات الصدمة ضد ثوار بابل، ووصول فوج من بغداد والنجف، محاصرة مدينة الثورة من قبل الصدمة، والشغب وقوات سوات وأفواج الطوارئ".

أما الحساب الرسمي الخاص بـالمرصد الأورومتوسطي في العراق فقد نشر فيديو حصرياً في تويتر بمحاولة لتغطية قضايا الانتهاكات، وأشارت التغريدة إلى "مشاهد مفزعة لعمليات قمع تمارسها القوى الأمنية العراقية في محافظة بابل تجاه متظاهرين يطالبون بالتحقيق في اغتيال الناشط إيهاب الوزني. نشدد على أن الاعتداء على المتظاهرين بالرصاص الحي واعتقالهم يُعد خرقاً واضحاً للدستور العراقي والتزامات العراق الدولية".

الحكومة العراقية تكتفي بتشكيل لجان تحقيق

ذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) وقد تلقى موقع TRT عربي نسخةً منه، فقد أصدر البيان خطاب الكاظمي وقد أشار إلى أن "الكاظمي خلال الجلسة الاعتيادية لمجلس الوزراء، أكد على أن قتلة الناشط الوزني موغلون في الجريمة، وواهم من يتصور أنهم سيفلتون من قبضة العدالة، سنلاحق القتلة ونقتص من كل مجرم سولت له نفسه العبث بالأمن العام".

بهذا الصدد أوضح ظافر الدليمي محامي تحقيق بمحكمة الرصافة في بغداد وقال لـTRT عربي: إن "الأجهزة الأمنية غير متعاونة مع القضاء، وهناك إجراءات بيروقراطية معقدة وطويلة ومبالغ فيها، في ما يتعلق باستدعاء الشهود العسكريين أو السياسيين في مجلس محافظة كربلاء".

كما تابع الدليمي "القضاة والمحامون يتعرضون لابتزازات وتهديدات من قبل عناصر عسكرية تابعة لفصائل مسلحة مسيطرة على أبرز المحافظات المنتفضة خصوصاً في بابل وذي قار، وكربلاء والبصرة بالإضافة إلى العاصمة بغداد، وكلما حاولنا الوصول إلى الأسماء المتورطة في قتل واعتقال المتظاهرين، تعرضنا لمضايقات أمنية، وهذا بحد ذاته يشلّ عمليات التحقيق".

من جانبه صرّح الخبير الأمني حميد العبيدي وقال: "الحكومة العراقية والسلطات الأمنية والقضائية لم تتمكن إلى غاية الآن من اعتقال أي قاتل استهدف المتظاهرين بالرصاص الحي، ولا حتى وقف ماكينة الاغتيالات، ولا تثبيت الأمن ومنع المليشيات المقربة من إيران والداعمة للحكومة من اختطاف الناشطين، والحكومة إلى غاية الآن لم تقم بأي إجراء ضد الجماعات المسلحة التي تستهدف المحتجين السلميين".

مفوضية حقوق الإنسان تنتقد بجرأة

أدانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق اغتيال الناشط المدني في محافظة كربلاء إيهاب الوزني، مؤكدةً أن عودة مسلسل الاغتيالات يدل على "فشل" المنظومة الأمنية في حماية المدنيين، واختراق مؤسسات الدولة القضائية من قبل أحزاب سياسية متنفذة.

بهذا الصدد تحدث رئيس المفوضية عقيل الموسوي لـTRT عربي بالقول: "إن اغتيال الوزني يأتي استكمالاً لمسلسل الاغتيالات ضد الناشطين وأصحاب الكلمة الحرة، ويعود السبب إلى ضعف كبير بالمنظومة الأمنية في حماية الناشطين والصحفيين، ما اضطر العديد منهم إلى مغادرة العراق، والمتبقي منهم أصبحوا فريسة لهذه الحوادث المأساوية".

وطالب الموسوي القائد العام للقوات المسلحة "باتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية الناشطين والإعلاميين والمدونين، وتقديم الجُناة للعدالة وتعزيز الجهد الأمني والاستخباراتي" بحسب تعبيره.

وشدّدت المفوضية على أن تكون التحقيقات "عاجلة وتعلَن للرأي العام بشكل مباشر، وأن لا تكون كسابقاتها مثل حادثة استشهاد الخبير والباحث الاستراتيجي والأمني هشام الهاشمي، الذي ضاع دمه دون الوصول إلى القتلة الفارين من العقاب".

حملة أنا عراقي... من قتلني؟

أطلق ناشطون عراقيون حملة شعبية تحت عنوان (من قتلني؟) تطالب بالكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين العراقيين ومحاسبتهم. وتضمنت الحملة دعوات عبر لافتات عُلقت في العديد من المدن والمحافظات عليها صور الناشطين من ضحايا عمليات الاغتيال، وآخرهم إيهاب الوزني الذي اغتيل بهجوم مسلح وسط كربلاء.

وبخصوص الحملة صرّح الباحث القانوني يعقوب عبد الصمد لـTRT عربي بالقول: "تضمنت الحملة دعوات جماهيرية واسعة، أكدت ضرورة تشخيص السلطات للجماعات التي تقف وراء عمليات الاغتيال، وانتقاد الجهات الحكومية لعدم اتخاذها أي إجراء حقيقي في هذا المجال، مشددين على أن الجهة التي تقف وراء تلك الاغتيالات معلومة للجميع وهي المليشيات الولائية المتنفذة".

وبحسب مراقبين فإن ملف القمع بحق المتظاهرين ما زال بيد الحكومة العراقية التي تسعى لإنهاء التظاهرات من خلال السكوت عن تصرفات المليشيات بقمع المحتجين وقتلهم واختطافهم وترهيبهم وتسقيطهم عبر الإعلام الحزبي، وبالتالي فهي متورطة في عمليات الانتهاكات، وسكوتها عن المليشيات المرتبطة بإيران في العراق باعتبارها الطرف الثالث المتهم بعمليات التصفية. ويبقى السؤال المهم والأكثر تعقيداً، من سيدافع عن شهداء التظاهرات بعد تورط كبار المسؤولين في الدولة العراقية؟

TRT عربي