أطلقت قضية سفينة اللاجئين "أوشن فايكنغ" أزمة دبلوماسية بين إيطاليا وفرنسا/ صورة: Reuters (Antonio Parrinello/Reuters)
تابعنا

عاد ملف اللاجئين ليخلق الجدل مجدداً بين فرنسا وإيطاليا، ذلك حين رفضت روما السماح لسفينة الإغاثة "أوشن فايكنغ" بإنزال مئات المهاجرين على أراضيها. وهو ما اعتبرته باريس "أمراً غير مقبول"، وتنصلاً للحكومة الإيطالية من التزاماتها الأوروبية، خصوصاً وهي "المستفيد الأكبر من آلية التضامن المالي الأوروبية".

إضافة إلى هذا، عمدت فرنسا إلى طلب الاتحاد الأوروبي من أجل اتخاذ قرار اتجاه الحكومة الإيطالية. وعلى الأرض، شدَّدت باريس هي الأخرى مراقبتها الحدود مع إيطاليا، وعلَّقت بشكل "فوري" مشروعاً لاستقبال آلاف اللاجئين في إيطاليا.

وفي وسط هذه المناكفة الأوروبية-الأوروبية، يرى مراقبون أن اللاجئين يقعون ضحية مزدوجة، أولاً عبر قمعهم وترهيبهم على الحدود، وثانياً باستغلالهم ورقة ضغط في الخلاف الناشب بين روما وباريس.

قضية "أوشن فايكنغ"

منذ صعوده إلى سدة الحكم، يشن تحالف اليمين الحاكم في إيطاليا، بقيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، حرباً شرسة على سفن إغاثة اللاجئين، بعدم السماح لهم بتنزيل حمولتهم في مرافئها. وهو ما جعل ربابنة تلك السفن، العالقة في عرض المتوسط، يبحثون عن مرافئ دول أخرى للرسو مع تأزم الظروف الصحية لمئات اللاجئين على متنها.

واحدة من تلك السفن كانت "أوشن فايكنغ"، التي جابت عرض المتوسط لـ20 يوماً، دون اهتداء لوجهة من أجل تفريغ حمولتها البالغة 234 لاجئاً. واستنكرت منظمة "إس أو إس ميديتيرانيان"، التي تتبع لها السفينة، سياسة "الصمت الذي يصم الآذان" التي تنهجها إيطاليا إزاء المأساة الإنسانية على متن السفينة.

هذا قبل أن توافق السلطات الفرنسية "بشكل استثنائي" على استقبال "أوشن فايكنغ"، يوم الخميس، وأوضح وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان أن اللاجئين سيجرى توزيعهم في نهاية المطاف بين فرنسا و11 دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي. فيما أكد إيريك غالون، المدير العام المسؤول عن الأجانب في فرنسا بوزارة الداخلية الفرنسية، أن هؤلاء اللاجئين تقدموا جميعهم بإجراءات طلب اللجوء، التي ستنظر السلطات الفرنسية فيها.

شرارة الخلاف الثنائي

كانت هذه الأحداث الشرارة الأولى لانطلاق الأزمة الدبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا، ذلك حين اعتبرت الحكومة الفرنسية، على لسان وزير داخليتها جيرالد دارمانان أو المتحدث باسمها أوليفييه فيران، التصرف الإيطالي "غير مقبول". ودعا فيران الأربعاء روما إلى أن "تؤدي دورها"، و"تحترم التزاماتها الأوروبية" عبر استقبال السفينة.

وعاد الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية، في تصريحات له، الأحد ليكشف بأن بلاده طلبت من أوروبا الإسراع في اتخاذ قرار بشأن رفض إيطاليا استقبال "أوشن فايكينغ"، متهماً روما بـ"التخلي عن مسؤوليتها تجاه جيرانها وأصدقائها الفرنسيين".

وفي ذات السياق، قررت فرنسا التعليق "الفوري" لمشروع استقبال 3500 لاجئ في إيطاليا، إذ كان من المرتقب استقبال حوالي 500 منهم نهاية هذه السنة. بالإضافة إلى ذلك جرى تشديد الرقابة على المعابر الحدودية بين البلدين، ونشرت الداخلية الفرنسية نحو 500 من قوات حرس الحدود بـ11 مركزاً حدودياً في مقاطعة الألب البحري جنوب شرقي البلاد.

من ناحية أخرى، اعتبرت رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني، رد الحكومة الفرنسية عدوانياً، رافضة مزاعم باريس بأن حكومتها الجديدة تتهرب من مسؤولياتها لنقل المهاجرين عبر البحر المتوسط. وقالت ميلوني في مؤتمر صحفي في روما: "أدهشني رد الفعل العدواني للحكومة الفرنسية، وهو أمر غير مفهوم وغير مبرر".

سياسة "صفر لاجئ"

وتدخل هذه الإجراءات التي تنهجها الحكومة الإيطالية ضد اللاجئين، في إطار ما وعدت به رئيسة الحكومة جيورجيا ميلوني خلال حملتها الانتخابية، والذي سمته بـ"سياسة صفر لاجئ". وقتها هاجمت ميلوني الدول المغاربية بأنهم "يسمحون لآلاف المهاجرين للعبور، من أجل أن يبيع الرجال المخدرات وتمارس النساء البغاء، لن أسمح لهم بذلك ولدي فكرة أخرى عن التضامن".

ووعدت بتشديد العمليات العسكرية الأوروبية ضد زوارق المهربين في عرض المتوسط للحيلولة أمام رسوّهم على شواطئ البلاد، إضافة إلى التنسيق مع السلطات الليبية والتونسية لتشديد الحراسة على الشواطئ. وبذلك "سننتهي من ترهات بروكسيل" حسب ما قالت في أحد خطاباتها.

شريك ميلوني في هذه السياسة زعيم "لا ليغا" ماتيو سالفيني الذي يشغل منصب نائب رئيسة الوزراء. وقد عبر عن عدائه الصريح لمنظمات وسفن إغاثة اللاجئين في تغريدة أواخر أكتوبر/تشرين الأول، واصفاً إياهم بـ"المتاجرين بالبشر وشركائهم"، ومتعهداً بأن "إيطاليا لن تتسامح بعد الآن مع أعمال الهجرة غير الشرعية وعمليات الإنزال خارج نطاق السيطرة".

بالمقابل، ليست حكومة ماكرون أكثر رأفة باللاجئين من نظيرتها الإيطالية، إذ دعا مسؤولوها في أكثر من مرة إلى تضييق الخناق على حركة الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط، وربط وزير داخليتها انتشار الجريمة بالمهاجرين.

إضافة إلى هذا، يمثل اليمين المتطرف قوة ثالثة داخل الجمعية الوطنية الفرنسية، تمارس ضغطها على الحكومة الفاقدة الأغلبية، ذلك بعد أن نجح في تعزيز مركزه خلال الانتخابات الأخيرة بحصده نحو 88 مقعداً برلمانياً. هذا وأدانت زعيمة فريق "التجمع الوطني" بالبرلمان قبول الحكومة باستقبال "أوشن فايكينغ"، معتبرة أن ماكرون بهذا القرار "خان" وعوده الانتخابية بالحد من الهجرة.

ليست أول مناكفة

ليست أول مرة يكون فيها ملف الهجرة واللجوء موضوع أزمة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا، بل وتعود أطوار الخلاف الجاري، بمتابعي الشأن الأوروبي الداخلي، إلى تصريحات وزير الخارجية الإيطالي سنة 2019، حين اتهم باريس بـ"نهب مقدرات إفريقيا" والتسبب في موجات اللاجئين.

وتساءل وزير خارجية روما وقتها، لويجي دي مايو، "لماذا يخاطر المهاجرون بحياتهم من أجل الوصول إلى الضفة الشمالية للمتوسط؟" قبل أن يسترسل مجيباً: "لأن هناك دولًا كفرنسا، لا تزال تدير شركات استعمارية في دول أفريقيا، وبالتحكم في عملتها، تضعف اقتصاد هذه الدول التي يأتي منها العدد الأكبر من المهاجرين". كما قال زعيم "لا ليغا"، ماتيو سالفيني، إنه "في أفريقيا، يوجد من يسرق خيرات الشعوب. وفرنسا من هؤلاء اللصوص".

هذه الأزمة التي بلغت إلى حد تقديم باريس إدانة رسمية لتلك التصريحات، كما سحبت سفيرها من روما. بالمقابل، يرجع مراقبون أن الحرب الكلامية التي اندلعت وقتها بين البلدين، إلى انتقادات فرنسا إيطاليا لعدم سماحها برسو قوارب الإنقاذ التي تحمل مهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، وهي ظروف تشبه الخلاف الجاري حالياً.

محاولات تهدئة

هذا وعبر الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، عن رغبته في تهدئة التوتر القائم بين بلاده وجارتها الغربية، إذ أجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين بحث خلالها الزعيمان سبل إخماد التوتر وعودة مياه العلاقات إلى مجاريها.

وكشف بيان مشترك للرئاسة الإيطالية مع الإليزيه، أن الرئيسَين اتفقا خلال تلك المباحثات، على "الأهمية الكبرى" للعلاقات بين البلدين وضرورة التعاون الكامل بينهما، بشكل ثنائي أو داخل الاتحاد الأوروبي.

TRT عربي