تابعنا
تنص الخطة على زيادة قوة الردع النووي، وتخصيص 30 مليار يورو لتغطية التضخّم، وتحسين ظروف الجنود وعائلاتهم، واستقطاب 80 ألف عنصر جديد، واستثمار 10 مليارات في مجال التكنولوجيا، و6 مليارات للفضاء، و4 مليارات للأمن السيبراني، و5 مليارات للطائرات المسيّرة.

صدَّق البرلمان الفرنسي في 7 يونيو/حزيران الجاري على مشروع قانون البرمجة العسكرية لسبع سنوات قادمة بين 2024 و2030، الذي يتضمن رصد ميزانية مالية تبلغ 413 مليار يورو، والذي طرحه الرئيس إيمانويل ماكرون بداية العام الجاري، بهدف تحسين قدرات الجيش الفرنسي التسليحية المتراجعة في السنوات الأخيرة.

وحسب مشروع القانون، فإنّ هدف هذه الميزانية الضخمة للتسليح هو "تطوير وإصلاح المنظومة الدفاعية التي تعاني ضرراً"، وذلك بالعمل على رفع الإنفاق العسكري السنوي إلى 69 مليار يورو بحلول 2030، مقابل 32 مليار يورو فقط في 2017.

وتنص الخطة السباعية على زيادة قوة الردع النووي، وتخصيص 30 مليار يورو لتغطية التضخّم، وتحسين ظروف الجنود وعائلاتهم، واستقطاب 80 ألف عنصر جديد، واستثمار 10 مليارات في مجال التكنولوجيا، و6 مليارات للفضاء، و4 مليارات للأمن السيبراني، و5 مليارات للطائرات المسيّرة.

ويأتي هذا الرفع في ميزانية التسليح وسط ظروف دولية أظهرت ضعفاً في القدرات العسكرية الفرنسية، والذي تزامن أيضاً مع تراجع نفوذ باريس في عدّة مناطق من العالم، كالشرق الأوسط وإفريقيا والمحيط الهادي، وسط تساؤلات تُطرح: هل تستطيع خطة ماكرون استدراك ما فات باريس في المجال الدفاعي، والحفاظ على مرتبتها كأول قوة دفاعية بأوروبا؟

أبرز محاور الخطة

وفي هذا الصدد يقول أستاذ العلوم الجيوسياسية في جامعة باريس الدكتور عماد الدين الحمروني، إنّ قرار ماكرون برفع موازنة التسليح يندرج ضمن المتغيّرات الإقليمية الكبيرة التي حدثت في ميزان القوة العسكرية بين أوروبا والصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

ويضيف لـTRT عربي، أنّ الأزمات الدولية والإقليمية كالحرب الروسية الأوكرانية، أظهرت وجود "ضعف عسكري فرنسي"، وهو ما لا يخدم رؤية ماكرون في تأسيس قوة عسكرية أوروبية مستقلة، إضافةً إلى أنّ "هذا التسليح ضروري لدعم الموقف الفرنسي على المستوى الدولي".

ويشير الحمروني إلى تركيز الخطة السباعية على تعزيز الردع الفرنسي النووي؛ لأهمية هذا العامل في محافظة باريس على وجودها ضمن الدول النووية، بالنظر إلى الضعف المسجل أمام روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة.

ويوضّح أنّ زيادة الردع النووي يدعم موقفها في الحرب الأوكرانية وفي الإستراتيجية الدولية، وخاصةً مع تصاعد الدور الصيني في البحر الهادي، إذ توجد مناطق للنفوذ الفرنسي.

وفي الشأن ذاته، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور زكرياء وهبي، أنّ هذا الإنفاق العسكري الكبير يرتبط بـ"الاستراتيجية الأمنية الفرنسية الجديدة المدركة أنّ المنظومة الدفاعية تعرف نوعاً من التراجع في الجانب التقني والفني، مقارنةً ببعض الدول الكبرى، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا".

وفي حديثه مع TRT عربي، يعرب وهبي عن اعتقاده أنّ "باريس تريد إعادة أمجاد فرنسا الاستعمارية بأبعادها العسكرية المتفوقة، وإحياء فترة الستينيات التي تميّزت بالسباق الفرنسي نحو امتلاك السلاح النووي"، مُرجعاً السبب لكونه مؤشراً إلى قدرة الردع الاستراتيجي للعدو، وامتلاكه للسلاح مهم في عالم يتسم بالمعضلة الأمنية والخوف الدائم والفوضى الدولية.

ويتابع القول: "لذا فإنّ فرنسا تحاول توظيفه كأداة لفرض هيمنتها، رغم أنّه يعكس في الوقت ذاته سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية الخطاب، لكون باريس نفسها تدعو إلى العمل على تقليل انتشار السلاح النووي والحدّ من انتشاره، عندما يتعلق الأمر بدول أخرى".

بينما يرى الكاتب الصحفي المهتم بالشأن الفرنسي نزار الجليدي، أنّ رفع ميزانية التسليح جاء بعدما تبين أنّ المخزونات العسكرية الفرنسية "غير قادرة" على دعم أوكرانيا في حربها ضدّ الروس، وبالخصوص في المجال السيبراني.

ويلفت في حديثه مع TRT عربي بالقول: لذا، ترى الإدارة الفرنسية أنّ إعادة تهيئة قدرات الجيش، هي أكثر من ضرورة لمواجهة التطورات الدولية المتوقعة مستقبلاً.

تنافس دولي

ويبدو أن هذا الإنفاق العسكري الكبير الذي ستقوم به فرنسا لا يتعلق بالحرب الأوكرانية فحسب، بل إنّ باريس استشعرت بإمكانية فقدها لمكانتها "كأكبر قوة عسكرية" في أوروبا، وخاصةً مع منافستها ألمانيا التي عادت للاهتمام بالمجال العسكري بعد سنوات من عدم إعطائه الأهمية الأولى، كما يقول الحمروني.

ويشير إلى أنّ عودة الدَور الألماني عسكرياً في أوروبا، أعاد المنافسة مع باريس في المجالات الحيوية داخل القارة العجوز وخارجها، الذي تزامن مع منافسة طاقوية مع إيطاليا التي فازت بصفقات في الجزائر وليبيا وتقدّم مساعدة في تونس، إضافةً إلى غياب دور باريس في مناطق حيوية كسوريا والعراق.

ويعتقد الحمروني أنّ هذه الفترة تشير إلى إعادة توزيع الأدوار سياسياً في أوروبا وعلى المستوى الدولي، لذلك "استشعرت فرنسا بالخطر"، ورأت أنّه من الضروري استعجال عملية التسليح الجديدة.

أما الدكتور وهبي فيلفت إلى أنّ هناك اعتقاداً فرنسياً مبنياً على أنّ تزعُّم الاتحاد الأوروبي يكون بالتفوق العسكري، للبقاء كقوة مؤثرة في القرارات الأوروبية، ولامتلاك الأفضلية على الطرف الألماني الذي لديه الميزة النسبية في بعض القطاعات منها العسكرية.

بينما الدكتور الحمروني يوضّح أنّ المنافسة لا تتعلق فقط بألمانيا، إنّما بموجة تسلح عالمية تحتم على فرنسا أن تواكبها؛ كي لا تجد نفسها خارج القوى العسكرية العالمية الأولى، مستطرداً بالقول: "العالم يتجه لرفع القدرات العسكرية؛ لأنّه مقبل على اشتباكات مباشرة بين الدول العظمى في عديدٍ من المناطق".

ويوافقه وهبي في هذا الشأن، مشيراً إلى دراسة معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام التي لاحظت تزايداً مستمراً في الإنفاق العسكري العالمي، جرّاء رغبة دول -أبرزها الصين وروسيا- في "تغيير موازين القوى العالمية وكسر الهيمنة الأُحادية الأمريكية"، إضافة إلى رغبة الدول الصاعدة في تطوير منظوماتها الدفاعية مثل الهند ودول شرق آسيا والبرازيل.

فرص التدارك

ووفق تصنيف موقع غلوبال فايرباور (Global Firepower)، لأقوى الجيوش لعام 2023، فإنّ الجيش الفرنسي يأتي في المرتبة الأولى أوروبياً من حيث القوة، إلا أنّه على المستوى العالمي يحل تاسعاً وراء جيوش كلٍّ من الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وبريطانيا وكوريا الجنوبية وباكستان واليابان.

ويطرح هذا التصنيف احتمالات قدرة خطة التسليح الجديدة التي أقرّها ماكرون في تحسين ترتيب القوة العسكرية الفرنسية عالمياً، ومحافظتها على التفوق أوروبياً.

ويرى خبراء فرنسيون -بحسب تقرير صحيفة "لاكروا" الفرنسية في 22 مايو/أيار الماضي-، أنّ "الجيش الفرنسي سيبقى قزماً حتى بعد تطبيق هذه الخطة التسليحية".

ويقول كاتب التقرير أوليفييه تاليس، إنّ فرنسا لن تستطيع حتى اللحاق ببولندا أو ألمانيا، إذ سيبقى الجيش الفرنسي في عام 2030 تقريباً بالحجم الذي هو عليه اليوم، مشيراً إلى أنّه مع عملية التحديث الكبير لأسطول المركبات القتالية المدرعة، سيؤجل اللحاق بالركب حتى عام 2035.

بينما ترى مجلة ناشيونال إنترست (The National Interest) الأمريكية في تقرير لها عام 2020 -أي قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية-، أنّ الجيش الفرنسي سيكون ضمن أقوى الجيوش الخمسة في 2030 مع الولايات المتحدة والهند وروسيا والصين.

وحول ذلك، يعتقد وهبي أنّ تحقيق ذلك ممكنٌ مع هذا الإنفاق العسكري الضخم، مبيناً بالقول: "نعم، فرنسا متأخرة نوعاً ما في مجال التطور التقني العسكري، مثل سلاح الجو، لكن لديها القدرة على تدارك ذلك من خلال تخصيص تلك الميزانية لسبع سنوات في تطوير المنظومة الدفاعية والعلمية".

أما الحمروني، فيقول إنّ تدارك فرنسا لتأخرها في بعض المجالات كالطائرات المسيّرة -التي ظهرت أهميتها في الحرب الأوكرانية- يبدو صعباً، بالنظر إلى وجود تأخر فرنسي وأوروبي واضح في هذا المجال، مقارنة بأمريكا وروسيا وتركيا والصين.

لكنّه يلفت إلى أنّ اللحاق بركب هذه الدول قد يصبح ممكناً، في حال ما حصلت باريس على المساعدة اللازمة من الولايات المتحدة وبريطانيا في إطار التعاون بينهم داخل حلف الناتو.

ونتيجة هذا التأخر العسكري، يعتقد الحمروني أنّ باريس ستجد صعوبة في استرجاع نفوذها في بعض المناطق كالشرق الأوسط وإفريقيا، وخاصةً مع مواءمتها مع الموقف الأمريكي، فاسترجاع النفوذ إضافةً إلى ارتباطه بالقوة العسكرية، فذلك يحتاج إلى قوة اقتصادية وموقف مستقل.

TRT عربي