هددت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن بأن بلادها لن تبقى "مكتوفة الأيدي" إزاء خطة الاستثمار الأمريكية لمكافحة التضخم. / صورة: AFP (Brendan Smialowski/AFP)
تابعنا

قلق واسع في فرنسا إزاء خطة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمكافحة التضخم، والتي تقوم على ضخ تمويلات هائلة في قطاع الصناعة، من شأنها أن تضر بتنافسية الصناعات الأوروبية، وفق ما تروجه باريس. في توترات تجارية تتجدد بين أوروبا والولايات المتحدة، تذكّر بأزمة "التجارة العابرة للأطلسي" وقت رئاسة دونالد ترامب.

هذا وتتوعد الحكومة الفرنسية بأنها لن تبقى "مكتوفة الأيدي" في مواجهة خطة الاستثمار الأمريكية، في سبيل حماية اقتصاد البلاد. فيما تأتي هذه التهديدات في وقت يقود فيه الرئيس إيمانويل ماكرون مساعي مع نظرائه الأوروبيين، من أجل ذات الغرض.

"لن نبقى مكتوفي الأيدي"!

في حوار لها مع صحيفة " Les Echos" الفرنسية، توعَّدت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن بأن بلادها "لن تقف مكتوفة اليدين" في مواجهة خطة الاستثمار الأمريكية الهائلة لمكافحة التضخم، والتي يُحتمل أن تضر بالمنافسة التجارية العابرة للأطلسي وتهدد بركود قطاع الصناعة الأوروبية.

وأردفت المسؤولة الفرنسية موضحة: "الولايات المتحدة تعيد موضعة سلاسل القيمة الخاصة بها من خلال خطة استثمارية كبيرة بنحو 380 مليار دولار. هذه القرارات التي يمكن أن يكون لها تأثير حتى في نسيجنا الاقتصادي تبدو غير متوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية"، إذ إن التكاليف على فرنسا "قد تصل إلى 10 مليارات يورو من الاستثمار وفقدان 10000 فرصة عمل محتملة ".

وخلال الصيف الماضي، أقرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن خطة استثمار ضخمة بنحو 380 مليار دولار، من أجل مكافحة التبعات الاقتصادية للحرب الأوكرانية، وتحقيق الانتقال الطاقي. بالمقابل، لا تتعدى خطة الاستثمار الحكومي الفرنسية، التي أعلن عنها ماكرون عام 2021، 54 مليار يورو بحلول 2030، خص نصفها للانتقال الطاقي.

وأمام عدم التكافؤ في هذا الصدد، تسعى فرنسا لرفع القضية إلى شركائها الأوروبيين، وتكوين جبهة لمكافحة هذه التأثيرات الاقتصادية. وهو ما عبر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون، في تصريحات صحفية له في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ دعا إلى سياسات أوروبية صارمة لإعادة التفضيل للمنتجات الأوروبية في أسواق الاتحاد.

ويأتي هذا، وفق حديث الرئيس، رداً على السياسة الحمائية للولايات المتحدة، التي تحشر الاقتصاد الأوروبي في الزاوية بعد امتناع ولوج صادراته أسواق الصين. مشدداً بالقول: "يجب أن نستيقظ، لن يقدم لنا الأمريكيون ولا الصينيون مثل هذه الهدايا! يجب أن تستعد أوروبا لرد قوي وتتحرك بسرعة كبيرة".

تهديدات بعودة التوتر

هذا، وتهدد تصريحات المسؤولين الفرنسيين بإعادة العلاقات التجارية العابرة للأطلسي إلى ما كانت عليه من جمود إبان ولاية الرئيس دونالد ترمب، الذي فرض وقتها ضرائب مضافة على صادرات الصلب والألومينيوم الأوروبية. وهو، حسب مراقبين، ما يصب ضد المصالح الأوروبية التي تغرق في أزمة طاقة واسعة، وتسير نحو ركود اقتصادي مرتقب.

وقرأت "بوليتيكو" فيما قاله الرئيس الفرنسي، في تقرير سابق لها، انعكاساً لقلق الاتحاد الأوروبي بشأن قانون خفض التضخم الأمريكي، والذي يحفز المستهلك المحلي على شراء السيارات الأمريكية الصديقة للبيئة، ويرى المصنعون الأوروبيون في هذه الإجراءات تمييزاً ضد صادراتهم.

وارتباطاً بأزمة الطاقة في أوروبا، تعد الولايات المتحدة أحد أهم مورّدي الغاز المسال إلى القارة العجوز. في وقت تضيق الخيارات أمام وارداتها، خصوصاً بعد إعلان الحكومة الصينية الاثنين منع شركاتها من تصدير الغاز المسال إلى الخارج، من أجل تأمين طلبها الداخلي، حسبما أفادت به وكالة "بلومبيرغ" للأنباء.

جبهة أوروبية موحدة ضد واشنطن؟

تسعى الحكومة الفرنسية إلى تشكيل جبهة أوروبية موحدة ضد واشنطن، وهو ما يكثف المسؤولون الفرنسيون من أجله المباحثات مع نظرائهم في الاتحاد، والتي كانت غالبيتها مثمرة. وفي مجمل نجاح هذه المساعي، التفاهم الألماني-الفرنسي على اتخاذ إجراءات مشتركة ضد السياسات الاقتصادية للولايات المتحدة.

وقال وزيرا الاقتصاد الألماني ونظيره الفرنسي، في بيان مشترك الثلاثاء إن البلدين "عازمين بشدة على العمل معاً لتوفير استجابة مناسبة للقطاعات الاقتصادية الأكثر ضعفاً". ومن ضمن الإجراءات التي جرى اتخاذها: "عمليات شراء مشتركة للغاز (...) من أجل خفض الأسعار للمستهلكين والصناعة" وإجراء "إصلاح هيكلي لسوق الكهرباء"، كما أعلنا "إطلاق التعاون في قطاعات إستراتيجية مثل الهيدروجين والذكاء الصناعي والأمن السيبراني وسياسة الفضاء والحوسبة الكمية وتوريد المواد الخام".

ووفق محللين، فإنه بالرغم من هذه الحركية التي تقودها فرنسا لن تغامر بروكسل بالتصعيد مع واشنطن، بل تطمح في إيجاد حل وسط دبلوماسي لشركات صناعة السيارات الأوروبية ومورديها، بعيداً عن اندلاع أي حرب تجارية جديدة، "هي آخر شيء يريد الطرفان إهدار أموالهما ووقتهما فيه"، حسبما صرح به مسؤولون أوروبيون لموقع "بوليتيكو" الأمريكي.

ومن المزمع أن يلتقي القادة الأوروبيون نظيرهم الأمريكي، في قمة أوروبية-أمريكية شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل. هذه القمة التي تقع اليوم تحت ضغط هذه المخاوف الاقتصادية من توترات العلاقات التجارية بين القوتَين الاقتصاديتَين. ويرى مراقبون أن هذه الخلافات قد تقوّض جهود بايدن وأورسولا فون دير لاين لتجاوز تبعات حقبة ترمب.

TRT عربي
الأكثر تداولاً