خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي الذي كان يربط الحقول الجزائرية بالقارة الأوروبية مروراً بالمملكة (MoroccoWorldNews)
تابعنا


أدارت السلطات الجزائرية في الأسابيع الماضية دفة علاقاتها الاقتصادية شرقاً نحو إيطاليا، باتفاق لزيادة إمدادات الغاز إلى روما، مقابل برودة وحديث عن عقوبات بحقّ مدريد، عقب انقلاب موقفها بشأن النزاع في إقليم الصحراء لصالح الرباط.

وتُعتبر إيطاليا وإسبانيا من أهمّ شركاء الجزائر الاقتصاديين في العالم، إذ ترتبط معهما بعقود طويلة لتوريد الغاز الطبيعي من خلال خطوط أنابيب تمتدّ من عمق الصحراء الجزائرية وصولاً إلى جنوب البلدين الأوروبيين.

كما تستورد الجزائر سنوياً سلعاً بمليارات الدولارات من إيطاليا وإسبانيا على غرار المعدات والتجهيزات الصناعية والخزف والرخام وموادّ أخرى.

فصل جديد من التقارب

وقّعَت الجزائر وروما في 11 أبريل/نيسان الجاري اتفاقاً بحضور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، يقضي بزيادة إمدادات الغاز إلى البلد الأوروبي بواقع 9 مليارات متر مكعب سنوياً، منها 3 مليارات خلال 2022.

وتَضمَّن الاتفاق إضافة إلى زيادة الإمدادات تفاهماً بشأن إمكانية مراجعة الأسعار بين شركتَي "سوناطراك" الجزائرية الحكومية و"إيني" الإيطالية، يسمح لهما بتحديد مستويات أسعار مبيعات الغاز الطبيعي تماشياً مع معطيات السوق، وذلك لسنة 2022-2023.

وخلال وجوده في الجزائر أوضح دراغي أن إيطاليا تعتزم ضخّ استثمارات في قطاعات عدة، على غرار الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر في الصحراء الجزائرية.

كما تحدث دراغي خلال لقائه الجالية الإيطالية ورجال الأعمال بسفارة بلاده في الجزائر، عن استثمارات ستضخها روما في قطاعات عدة على غرار صناعة الحوامات والسفن وزيادة إنتاج القمح والصناعات الغذائية.

وأعلن أيضاً عن قمة حكومية ثنائية رفيعة المستوى ستُعقَد في الجزائر العاصمة يومَي 18 و19 يوليو/تموز المقبل، موضحاً أن الجزائر هي "الشريك الاقتصادي الأول" لإيطاليا في القارة الإفريقية.

وتسبق القمةَ الثنائيةَ زيارةُ دولة رسميةٌ من الرئيس الجزائري لإيطاليا نهاية مايو/أيار المقبل.

شرخ مع مدريد

تزامن تقارب الجزائر وإيطاليا سياسياً واقتصادياً، مع شرخ في علاقات البلد العربي مع مدريد على خلفية إعلان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز دعمه لخطة الحكم الذاتي التي طرحتها الرباط قبل سنوات لتسوية النزاع في إقليم الصحراء.

وفي 19 مارس/آذار الماضي أعلنت الجزائر استدعاء سفيرها لدى مدريد للتشاور، احتجاجاً على ما اعتبرته "الانقلاب المفاجئ" في موقف الحكومة الإسبانية إزاء ملف الصحراء.

جاءت الخطوة الجزائرية حينها بعد أن وصفت الحكومة الإسبانية، في رسالة بعث بها رئيسها بيدرو سانشيز، إلى العاهل المغربي محمد السادس، مبادرةَ الرباط للحكم الذاتي في الصحراء، بـ"الأكثر جدية" للتسوية في الإقليم المتنازَع عليه، حسب بيان للديوان الملكي المغربي.

واعتبر مراقبون ذلك "تحوُّلاً تاريخياً" في موقف مدريد من القضية باعتبارها المستعمِر السابق للإقليم، لا سيما وأنها كانت تتبنى موقفاً محايداً في السابق.

ومنذ 1975 يتنازع المغرب وجبهة البوليساريو حول إقليم الصحراء، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة.

وتصرّ الرباط على أحقيتها في الصحراء الغربية، وتقترح حكماً ذاتياً موسَّعاً تحت سيادتها، فيما تطالب البوليساريو باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم المتنازع عليه.

ضمان الإمدادات

وقال الرئيس تبون السبت في مقابلة مع وسائل إعلام جزائرية، إن بلاده لن تتخلى أبداً عن إمداد إسبانيا بالغاز مهما كانت الظروف، رغم الخلاف بين البلدين بشأن النزاع في إقليم الصحراء.

وأضاف في هذا الصدد: "أطمئن إسبانيا والشعب الإسباني أن الجزائر لن تتخلى أبداً عن إمداد إسبانيا بالغاز".

وحسب الرئيس الجزائري فإن إسبانيا يجب أن لا تنسى أن مسؤوليتها التاريخية ما زالت قائمة في إقليم الصحراء بالنظر إلى كونها هي القوة المستعمرة سابقاً للمنطقة.

وفي مطلع أبريل الجاري أعلن الرئيس التنفيذي لـ"سوناطراك" توفيق حكار، أن الجزائر تنوي مراجعة أسعار الغاز في العقود المبرمة مع الشريك الإسباني، دون سواه من الشركاء الأوروبيين.

وتزود الجزائر إسبانيا بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب "ميدغاز" يربط بين البلدين مباشرة عبر المتوسط، بطاقة 8 مليارات متر مكعب سنوياً.

وتجري أشغال توسعة حالياً على الخط لرفع طاقته السنوية إلى 10.6 مليارات متر مكعب سنوياً.

وأكّد مصدر بشركة "سوناطراك" للأناضول، فضّل عدم كشف هويته لكونه غير مخوَّل إليه التصريح لوسائل الإعلام، أن الخلاف الدبلوماسي يمكن أن يؤخّر عملية تشغيل القدرات الإضافية لنقل الغاز عبر أنبوب "ميدغاز".

كانت سوناطر اك راجعت أسعار الغاز المورَّد لصالح شركة "ناتورجي" الإسبانية عام 2020 في ظلّ جائحة كورونا، وحسب وسائل إعلام إسبانية فقد خُفّضت دون كشف عن تفاصيلها.

في هذا السياق يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية السابق بجامعة الجزائر الحكومية حسين بوقارة، أن ردّ الجزائر على إسبانيا سيكون بمنطق أنه لا يمكن فصل الدبلوماسية الاقتصادية عن الدبلوماسية العامة للبلاد.

وأوضح بوقارة في حديث للأناضول أن دولاً أوروبية ومنها إيطاليا سعت لدفع علاقاتها الاقتصادية خصوصاً الطاقوية مع الجزائر قدماً في ظلّ الحرب الروسية-الأوكرانية.

وتوقع أن تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين برودة في الفترة المقبلة، فـ"إسبانيا حالياً تحت ضغط كبير من الناحية الطاقوية، بخاصة في هذا الظرف والحرب في أوكرانيا".

وقال: "لذلك أعتقد أن الجزائر لا يُستبعد أن تستخدم العامل الاقتصادي من أجل التأثير في الموقف السياسي والدبلوماسي الإسباني".

AA
الأكثر تداولاً