تابعنا
فوجئ المجتمع الدولي بسيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابل وتسلمها السلطة في وقت قصير، بعد بدء القوات الأمريكية والأطلسية الانسحاب تدريجياً. ورغم حالة الترقب والحذر في البداية، فإن المواقف الدولية سرعان ما بدأت تتضح بعد ذلك.

أكد مسؤولون أمريكيون في وقت سابق، أن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن الانسحاب ومغادرة المواقع العسكرية في أفغانستان، سيرجح الكفة حتماً في اتجاه حركة طالبان لتستعيد من جديد السيطرة على أفغانستان، بعد أن انهار حكمها عام 2001.

وفي الوقت الذي تحمل فيه الإدارة الأمريكية المسؤولية في ما اعتبره كثيرون فشل المهمة القتالية وتأزم الأوضاع السياسية والأمنية، وضبابية ما ستؤول إليه الأمور في المستقبل على الأراضي الأفغانية، ينشغل قادة الدول الأجنبية في ترحيل حلفائهم وأتباعهم، وسط تخوف شديد وتأكيد لضرورة الحفاظ على الأمن.

ومن جانبها تكاد تجمع فئة كبيرة من المراقبين والمحللين، أن طالبان 2021 تسعى وبعد أن فرضت سيطرتها على العاصمة كابل بعد جزء كبير من الأراضي الأفغانية، لأن تحظى بالاعتراف الدولي، ولعل حراكها الدبلوماسي ومحادثاتها الدولية الأخيرة مع عدة دول دليل واضح على ذلك، ومفسر قوي لأسباب التباين في المواقف بين قادة المجتمع الدولي.

دول الجوار.. تصريحات ودية

في أول تعليق لها عقب إعلان حركة طالبان السيطرة على كابل، قالت هوا تشون ينغ، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الصينية: "نحن نحترم رغبات وخيارات الشعب الأفغاني". فيما اعتبرت وسائل إعلامية رسمية صينية، أن عودة طالبان إلى السلطة تعتبر ضربة قوية للقوات الأمريكية التي فشلت في إعادة تشكيل أفغانستان، والتي سرعان ما تخلت عن حلفائها وقررت الانسحاب، مخلة بالتزاماتها ووعودها لهم، على حد تعبيرها.

وإن كان الخطاب الصيني حاداً ومشدداً حول الخطوات الأمريكية ودورها في الحرب الأفغانية، فإنه يبدو في الوقت ذاته ودياً نحو طالبان، التي تحكم سيطرتها اليوم على أفغانستان المتاخمة للصين على امتداد 70 كيلومتراً تقريباً من الجهة الشمالية الشرقية، وهي حدود مع منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية الأويغورية المسلمة، والتي تتعرض لاعتداءات وتضييق من الصين، حسب منظمات دولية.

ويبدو أن بكين التي لطالما استهدفت الأقليات المسلمة على أراضيها تدرك تماماً أنها ربما تواجه مشاكل في المستقبل مع طالبان التي انضم لها في السابق عدد كبير من الأويغور، ولذلك كثفت من اللقاءات مع قادة الحركة منذ 2019، وكان آخرها اللقاء الرسمي لوانغ يي وزير الخارجية الصيني الشهر الماضي مع طالبان، التي وعدت بعدم استخدام أفغانستان كقاعدة لمهاجمة الصينيين في شينجيانغ، وستعمل على تطوير علاقات جيدة مع الصين. وتجدد اليوم الصين تطلعها لوفاء الجماعة بالتزاماتها، وتأكد احترامها لحرية الشعب الأفغاني في تقرير مصيره.

أما عن الجارة باكستان، التي رغم ما شهدته من مواجهات عنيفة في السابق مع قادة حركة طالبان، فقد رحبت بعودة طالبان إلى السلطة. حيث اعتبر رؤوف حسن مساعد رئيس الوزراء الباكستاني في تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر، بأن ذلك يمثل انتقالاً سلمياً للسلطة من حكومة أشرف غني "الفاسدة" إلى حكم طالبان، على حد تعبيره.

وفي هذا السياق يرى خبراء ومحللون أن باكستان تعتبر خطوة الانسحاب الأمريكي أهم خطوة في حفظ أمنها القومي، حيث إنه باتفاقها مع الصين وأفغانستان ستتمكن من التضييق على الهند منافستها الأولى في المنطقة، والتي تعتبر اليوم الخاسر الأكبر من مغادرة الولايات المتحدة الأراضي الأفغانية.

من جانبها عبرت الجارة الكبرى إيران التي تتشارك حوالي 921 كيلومتراً مع أفغانستان، عن استعدادها لدعم الانتقال السلمي للسلطة في أفغانستان، وصرح في ذلك الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأن "ما حصل هزيمة كاسحة لأمريكا ولكل من يراهن عليها".

وعلى غرار الدول الخصوم للولايات المتحدة، صرحت روسيا عقب إعلان السيطرة على العاصمة كابل على لسان سفيرها ديمتري جيرنوف بأن قادة طالبان ضمنوا للجانب الروسي بأنهم لن يمسوا شعرة واحدة لدبلوماسي روسي، وأكدوا له بأنه يمكنهم العمل باطمئنان. وأشار محللون وخبراء روسيون إلى أن موسكو ستعمد بالتأكيد الى تعزيز تعاونها العسكري في آسيا الوسطى.

الاتحاد الأوروبي يهدد بعزلة دولية

على الجانب الأوروبي، يبدو أن تطمينات طالبان لم تف بالغرض. حيث عبر قادة الدول الأوروبية عن قلقهم إزاء ما يحدث من تطورات في أفغانستان. وهدد الاتحاد الأوروبي قادة طالبان بأنهم سيواجهون حتماً عزلة دولية إذا تم الستيلاء على السلطة عن طريق العنف.

وفي هذا السياق قال جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: "إذا تم الاستيلاء على السلطة بالقوة وإعادة تأسيس إمارة إسلامية، فإن طالبان ستواجه عدم الاعتراف والعزلة ونقص الدعم الدولي واحتمال استمرار النزاع وعدم الاستقرار الذي طال أمده في أفغانستان".

وشددت بدورها دول الاتحاد الأوروبي على ضرورة حماية الحريات والحفاظ على الأمن، وضمان انتقال سلمي للسلطة، وأكدت ضرورة تشكيل حكومة ائتلافية شاملة تمثل الجميع وتشارك فيها المرأة على قدر المساواة، كشرط أساسي لاستمرار التعاون مع الشعب الأفغاني وتقديم الدعم.

ومن جانبها أكدت برلين أحد الداعمين والمانحين الأساسيين لمساعدات التنمية في أفغانستان، على لسان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أنه "لن نعطي أفغانستان فلساً واحداً بعد الآن إذا سيطرت طالبان بالكامل على السلطة وطبقت الشريعة وإذا أقامت دولة خلافة". وشدد على أنّ أفغانستان "لا يمكن أن تستمر من دون مساعدات دولية".

وشارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القادة الأوروبيين قلقهم ومخاوفهم، وجدد دعوته في لقاء إعلامي مساء يوم الاثنين 16 أغسطس/آب الجاري، الجميع إلى ضرورة العمل السياسي والدبلوماسي الموحد، لمواجهة ما أسماه "الإرهاب الإسلامي بجميع أشكاله".

وما بين مرحب ومحذر، تتباين ردود أفعال القوى الدولية على استعادة طالبان السيطرة على أفغانستان من جديد.

ورغم ما تروج له الأخيرة من تطمينات، تتوق عبرها لأن تحظى باعتراف دولي يكسر عزلتها السياسية، يستمر الجميع في التخوف إزاء مستقبل المشهد السياسي والأمني في أفغانستان، بما فيهم الدول المجاورة التي وجهت خطابات ودية نتيجة تطمينات طالبان وتعهداتها، فقد أبدت في الوقت ذاته خوفاً وحذراً في بعض الملفات الجيوستراتيجية الشائكة والمشتركة بينها.

TRT عربي