شكل تولي الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن نقطة تحول في سياسة التعاطي مع الملف، وذلك بمحاولة القوى الإقليمية الكبرى الموقعة على الاتفاق، إجراء مزيد من الحوارات والمفاوضات الدبلوماسية للحفاظ على بقاء الاتفاق، بعد أن كادت تصل إلى طريق مسدود. إلا أن الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف لا يزال بعيداً.
وفي محاولة لتجنب التصعيد وإحياء الاتفاق النووي الموقع مع إيران سنة 2015 من جديد، أجرى المبعوث الأمريكي الجديد الخاص لدى إيران روبرت مالي، حسب ما أفادت به وكالات أنباء، عدة اتصالات مع قادة ومسؤولين أوروبيين.
وفي السياق ذاته قال المنسق السابق للحكومة الألمانية للتعاون مع الولايات المتحدة، كارستن فويغت، إن الدول الأوروبية تسعى إلى تطبيق الاتفاق النووي مع إيران، وإنه على طهران التراجع عن التجاوزات التي قامت بها واحترام الاتفاق.
الموقف الأوروبي من الاتفاق النووي خلال ولاية ترمب
تربط طهران بالبلدان الأوروبية علاقات ومصالح تجارية واقتصادية كبرى، تجعل جميع الأطراف انطلاقاً من منطق المصلحة، حريصة على تجنب التوتر وخفض التصعيد بينها.
إذ إن الرئيس السابق دونالد ترمب كان قد فرض في وقت سابق عقوبات على الشركات الأوروبية التي تربطها علاقات تجارية بإيران لمزيد من الضغط على الأخيرة.
ولكن أمام خفض إيران تعهداتها النووية، قامت الدول الأوروبية سنة 2019 بتهديد إيران بتفعيل آلية فض النزاع التي تقضي بإرجاع الملف النووي إلى مجلس الأمن وبالتالي عودة العقوبات الأممية على طهران، ورغم ذلك فإن القادة الأوروبيين حسب تصريحاتهم حينها أكدوا أنهم يدرسون القيام بذلك بشكل منضبط، يسمح للجميع بالتفكير في التراجع والالتزام بشروط الاتفاق، وذلك في خطوة لتجنب انهياره. وسرعان ما تراجعت الدول الباقية في الاتفاق عن تفعيل الآلية، وذلك عقب لقاء جمع بينها في العاصمة النمساوية فيينا يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 2019.
ولكن مع ذلك اتهمت طهران الأوروبيين بالتقاعس في مساعدتها لمواجهة العقوبات الأمريكية ومسايرتهم لسياسة إدارة ترمب والتي تحاول الضغط والتضييق عليها، في فترة تمر فيها إيران بأزمة اقتصادية خانقة وموجة كبيرة من الاحتجاجات.
وتعليقاً على ذلك قال حينهاأمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، "إن الاتحاد الأوروبي من خلال عدم الوفاء بتعهداته، يلعب دور المكمّل للإجراءات الأمريكية تجاه هذا الاتفاق".
وكان الأوروبيون قد وعدوا سابقاً بتسيير نظام مالي مستقل عن الولايات المتحدة للتبادل التجاري مع إيران والتغطية على خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. وسمي حينها بمشروع(SPV) Special Purpose Vehicle FOR TRADE WITH IRANأو الآلية الخاصة للتعامل التجاري مع إيران. إلا أن المؤسسات الأوروبية تراجعت عن ذلك بدعوة تجنب مواجهة العقوبات الأمريكية.
ورغم تلويح إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي للضغط على الأوروبيين إلا أنهم لم يبدوا الجدية لحمايته من الانهيار.
ملامح الموقف الأوروبي في مرحلة بايدن
أمام هذه المنعطفات التي شهدتها سياسة التعاطي مع الاتفاق النووي، فإن مرحلة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، تبدو فرصة تحتم على الأعضاء اغتنامها، للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة والتي جرى التوقيع عليها سنة 2015، بشأن الحد والمراقبة الدولية للإنتاج الإيراني للمواد الانشطارية ذات الاستعمال العسكري. وتمنع كذلك هذه الاتفاقية إيران من تصنيع أسلحة ذرية خلال الخمس عشرة سنة القادمةمقابلرفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية الدولية التي تطال الإيرانيين.
ومع وصول الاتفاق النووي إلى مفترق طرق حرج، يتعهد الأوروبيون بإنقاذه. حيث وجه الاتحاد الأوروبي دعوة لإدارة بايدن لإجراء مفاوضات والعودة إلى المحادثات بشأن إحياء الاتفاق النووي، وعبرت الولايات المتحدة الأمريكية بدورها عن قبولها الدعوة واستعدادها للحوار، وكان ذلك عقب لقاء جمع بين وزراء خارجية أمريكا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا يوم الخميس الماضي 18 فبراير/شباط في العاصمة الفرنسية باريس.
وضماناً لتسيير الرجوع إلى الاتفاق بسرعة نسبية، لم يضع القادة الأوروبيون شروطاً مسبقة لإحياء الاتفاق. وحث وزير الخارجية الألماني، هيكو ماس، إيران على عدم تبديد الفرصة التي تمثلها إدارة بايدن. كما دعا وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، إيران ألا تمضي قدماً في مزيد من التخفيف من التزاماتها بالاتفاق.
وقام رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل بالتحدث يوم الخميس 18 فبراير/شباط بالتحدث عبر الهاتف مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، ليعرب عن قلقه بشأن نقض إيران لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، مشدداً في الوقت ذاته على أن "الاتحاد الأوروبي سيواصل بذل الجهود لتسهيل التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة وعودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاقية.
وفي سياق متصل، قال ميخائيل أوليانوف، سفير روسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا، في تغريدة له على تويتر أن "الخلافات الطفولية حول من يجب أن يتخذ الخطوة الأولى تأتي بنتائج عكسية تماماً" .
وفي محادثة لها مع روحاني، قالت ميركل إن "الوقت قد حان لإشارات إيجابية تخلق الثقة وتزيد من فرص التوصل إلى حل دبلوماسي".
وفيما يتعلق بالجانب الإيراني، صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده أن إيران تعتزم تقليص الالتزامات التي يفرضها الاتفاق النووي الموقع عليه سنة 2015، بشكل أكبر، إذا أخفقت الأطراف الأخرى في الاتفاق في الوفاء بالتزاماته.
تبدو المساعي والجهود التي تبذلها الدول الأوروبية الأعضاء لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران والتي توسطت فيه سابقاً، حثيثة وأكثر جدية، مع تولي جو بايدن الرئاسة الأمريكية. وذلك أن هذا الملف يعتبر حاسماً للاستقرار الاقليمي، كما أنه يعيد مستوى التعاون والتبادل التجاري بين أوروبا وإيران والذي شهد تراجعاً منذ فرض العقوبات عليها. وبالتالي فإن عودة الاتفاق إلى مساره الصحيح تعتبر حسب ما يراه خبراء ومحللون، يصب في مصلحة الجميع.