تابعنا
يحمل تبني تنظيم داعش للهجوم الأخير في جمهورية مالي عدة دلالات، أبرزها الاستمرار في التوسع والنفوذ في منطقة الساحل، التي تضمّ خمس دول (موريتانيا، والنيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، وتشاد).

لم يكُن تبنِّي تنظيم داعش الإرهابي هجوماً استهدف دورية للجيش شمال جمهورية مالي قتل خلاله 30 جنديّاً في تابانكورت بمنطقة جاو، في أقصى شمال البلاد قبل نحو أسبوع، أول حدث يتبناه التنظيم في منطقة دول غرب إفريقيا، فقد سبق للتنظيم الإرهابي داعش، تبنِّي هجمات واغتيالات في المنطقة، خصوصاً دول بوركينا فاسو والنيجر ومالي، التي عانت سابقاً هجمات تنظيم القاعدة وحركة بوكو حرام، وعدد من الحركات المسلَّحة المتحالفة معهما.

ويسعى التنظيم الإرهابي لإيجاد موطئ قدم له في المنطقة التي تعاني عديداً من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، ويشكّل استهداف الإرهاب أبرز هذه الأزمات، إذ تضرب القاعدة والحركات الجهادية الأخرى (بوكو حرام)، بقوة في عدة دول منذ سنوات.

محاولة بسط النفوذ

يحمل تبني تنظيم داعش للهجوم الأخير في جمهورية مالي عدة دلالات، أبرزها الاستمرار في التوسع والنفوذ في منطقة الساحل، التي تضمّ خمس دول (موريتانيا، والنيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، وتشاد)، بعد أن كان حضوره هناك يقتصر على النيجر، التي تَبنَّى فيها عام 2018 مقتل 4 جنود أمريكيّين و5 جنود نيجريين بالقرب من الحدود مع مالي.

وشجّع تنظيم داعش الإرهابي على الوجود في غرب إفريقيا ما حصل من تضييق للخناق على تنظيم القاعدة والجماعات المسلَّحة في منطقة دول الساحل وتعرُّضها للمواجهة من طرف جيوش المنطقة وقوات الأمم المتَّحدة والقوات الفرنسية في مالي، إضافة إلى عدم وجود القاعدة والحركات الأخرى في شكل كيان في أماكن معروفة من منطقة الساحل كما كان يحدث في سوريا والعراق، مما زاد تحفز تنظيم داعش ورغبته في توسيع وجوده في المنطقة.

ويرى المختصّ في الشؤون الإفريقية محفوظ ولد السالك أن تبنِّي تنظيم داعش للهجوم الأخير في مالي الذي خلّف مقتل 30 جنديّاً ماليّاً، وتبنيه أيضاً مقتل جندي فرنسي هناك قبل فترة، استمراراً لطموحه الهادف إلى توسيع النفوذ في المنطقة.

من جهته يرى المحلل السياسي محمد جوب أن محاولة تنظيم داعش بسط نفوذه في منطقة غرب إفريقيا قد تأخذ حجماً أكبر عن طريق مؤازرته من طرف الحركات الجهادية الأخرى في المنطقة مثل بوكو حرام، وتنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" الذي يُعتبر أحد فروع تنظيم القاعدة، وهو أبرز الحركات الجهادية التي تضرب بقوة في المنطقة.

وأكَّد محمد جوب في حديث لـTRT عربي، أن تنظيم داعش ستكون له الغلبة والسيطرة إذا نجح في استقطاب الحركات الجهادية الأخرى، لأن ميزان القوة يصبح حينها للأكثر تجنيداً والأقوى تكتُّلاً وانسجاماً مع باقي الحركات المسلحة والجهادية في المنطقة.

تحالفات وتنافس

يرى عديد من المتابعين للشأن الأمني في منطقة غرب إفريقيا أن تنظيم داعش الإرهابي يسعى لتوسيع نفوذه في المنطقة عبر التحالف مع تنظيم القاعدة وجماعة بوكو حرام والحركات المسلَّحة الأخرى هناك، وهو أمر إن حدث فمن شأنه أن يمكّن التنظيم من مزيد من الوجود في غرب إفريقيا، خصوصاً عبر بوابة دول الساحل الخمس.

فعلى غرار تحالف حركة "أنصار الدين" و"كتائب ماسينا"، و"كتيبة المرابطون" و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى" التابعتين لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، مارس 2017، الذي أنتج جماعة أطلقت عليها تسمية "نصرة الإسلام والمسلمين" في مالي، لا يستبعد المحللون والمتابعون لقضايا الرهاب في المنطقة أن تتحالف الجماعات الإرهابية بمكوناتها الأربعة مع تنظيم داعش ومع "أنصار الإسلام" الناشطة على حدود بوركينافاسو، وهي الجماعة التي يوصف قائدها السابق مالام ديكو -أُعلِنَ عن مقتله- بأن له علاقات خاصَّة مع محمد كوفا مؤسَّس "كتيبة ماسينا". مِن ثَمَّ يكون التحالف بين 3 مجموعات ناشطة بثلاث من دول الساحل الإفريقي.

وفي هذا الصدد يرى المختصّ في الشؤون الإفريقية محفوظ ولد السالك في حديث لـTRT عربي، أن الهجوم الجديد لتنظيم داعش في مالي، له إحدى دلالتين: إما أن التنظيم أصبح ينافس جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي يقودها الطارقي إياد أغ غالي، والتي تتركز هجماتها وعملياتها بالأساس في مالي، وإما أن بينه ونصرة الإسلام بجمهورية مالي تحالفاً جديداً غير معلن.

ويؤكّد ولد السالك أن تنظيم داعش كان كثير من القراءات والتوقعات قائماً بأن تكون وجهته القارة الإفريقية، بعد انهزامه في العراق وسوريا، لاعتبارات عديدة أبرزها ضَعْف البنية الدفاعية لجيوش القارة، ولكون المنطقة هشة ورخوة وبها عديد من الجماعات المسلَّحة الأخرى، وبها أيضاً كثير من الخيرات والموارد.

ولا يستبعد ولد السالك حصول تحالف موسع بين المجموعات المسلَّحة، خصوصاً الناشطة بمنطقة الساحل، وبالأخصّ منطقة الحدود الثلاثية بين (مالي والنيجر وبوركينافاسو)، لأنها تشكّل الآن محطّ تركيز هذه المجموعات لغياب القوات الدولية وضعف حضور جيوش البلدان الثلاثة فيها.

خيبة الأمل

شكّلَت عملية مقتل البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابي، صدمة كبيرة وخيمة أمل للتنظيم، وهو حال بقية التنظيمات الإرهابية والجهادية التي تفقد كثيراً من قوّتها ونفوذها بسبب استمرار مقتل القادة والضغط المستمرّ عليها، فتلجأ إلى الذهاب بعيداً إلى أماكن أخرى أو تسعى خلف التحالف مع قوى أخرى لأخذ نَفَس جديد.

ويرى بعض المحلّلين أيضاً أن تأثير مقتل القادة بالنسبة إلى التنظيمات الإرهابية يشكّل فرصة أخرى لهم لاستقطاب مزيد من الشباب من دول إسلامية وغربية مختلفة، وهو ما يسعون خلفه لإنهاء حالة خيبة الأمل والضعف الذي لحق بهم في منطقة ما.

ويعتقد كثيرون أن تنظيم داعش يسعى حاليّاً لأخذ نَفَس جديد من خلال بسط مزيد من السيطرة والنفوذ في غرب إفريقيا، ويحاول أن يعقد اتفاقاً غير مُعلَن -ربما- مع تنظيم القاعدة وجماعة بوكو حرام للتوسع على حسابهما في المنطقة بعد أن تَلقَّى هزائم كبيرة في سوريا والعراق.

ويرى المحلل السياسي وخبير القضايا الأمنية بمنطقة الساحل أحمد ولد محمد المصطفى، أنه لا شك في أن مقتل البغدادي شكّل ضربة قوية لتنظيم الدولة الإسلامية داعش، تماماً كما كان مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ضربة قوية لتنظيم القاعدة.

ويضيف ولد محمد المصطفى أن التجربة أثبتت أن تأثير هذه النوع من الأحداث يكون على المركز أكثر من الأطراف، بل إن تأثيره قد يكون غير سلبي على الأطراف، لأنه يمنحها فرصة منافسة المركز في استقطاب المقاتلين، وأخذ عنوان الجاذبية خلال فترة كمون المركز (أفغانستان بالنسبة إلى بن لادن، وسوريا بالنسبة إلى البغدادي).

TRT عربي