لماذا منعت السلطات الفرنسية "ميديابارت" نشر تحقيقها؟ / صورة: Reuters (Benoit Tessier/Reuters)
تابعنا

في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري تلقى موقع "ميديابارت" الفرنسي المستقل إخطاراً قضائياً بمنعه نشر تحقيق صحفي كان يعده فريق عمله. في سابقة يشهدها لأول مرة الموقع المشهور بتحقيقاته المثيرة، التي كشفت كثيراً من فضائح الطبقة السياسية الفرنسية وعنصريتها.

هذا وكان التحقيق قيد المنع يتطرق هو الآخر إلى فضيحة ابتزاز بطلها أحد السياسيين البارزين من الحزب الجمهوري ضد منتخبين آخرين. وقالت إدارة الموقع إن هذه الرقابة على صحفييها "تمثل محاولة تكميم لأفواههم ومساساً صارخاً بحرية التعبير". فيما استنكرت منظمات صحفية أخرى قرار المحكمة الفرنسية، معلنة تضامنها مع فريق عمل "ميديابارت".

تحقيق قيد المنع

في تقرير نشره عن الواقعة قال موقع "ميديابارت" إنه لم يُخبَر بتحريك دعوى ضده، حتى تفاجأ بقرار المحكمة منع نشر تسريبات من مقاطع صوتية كانت ضمن تحقيق، يكشف ابتزاز عمدة سانت إيتيان الجمهوري غاييل بيردريو للسياسي الوسطي جيل أرتيجيس باستخدام شريط إباحي. وهدد قرار المحكمة بأنه في حال عدم امتثال "ميديابارت" للأمر القضائي ستجري معاقبته بغرامة قدرها 10 آلاف يورو.

وأحدث التحقيق المذكور حين نشر الموقع أجزاء أولية منه شهر أغسطس/آب الماضي زلزالاً في أوساط سياسيي الحزب الجمهوري الفرنسي في منطقة سانت إيتيان، حيث أدى إلى إحالة بيردريو إلى التقاعد وإقالة عدد من معاونيه. وفتحت المحكمة بمدينة ليون تحقيقاً في قضية الابتزاز، جرت خلالها متابعة العمدة الجمهوري بجرائم "انتهاك الخصوصية وسوء استخدام المعلومات الخاصة".

هذا واحتج مدير "ميديابارت" الصحفي الفرنسي إيدوي بلينيل على قرار المحكمة، معتبراً إياه "قراراً غير مسبوق ويناقض مبدأ حرية الصحافة التي يعد إحدى الحريات الأساسية المكفولة بموجب قانون 1881". كما عبَّر عن صدمته من أن "يتخذ هذا القرار بدون جلسة استماع علنية أو نقاش الخصومة، عوض ذلك تباحث محامي المدعي ورئيس المحكمة حيثياته في سرية تامة".

استنكار واحتجاج

أثارت هذه الواقعة استنكار عدد من المنظمات التي المعنية بحرية الصحافة، من بينها منظمة "مراسلون بلا حدود"، والذين نشروا عريضة احتجاجية قالوا في بيانها: " نحن، شركات الصحفيين، وجمعيات الدفاع عن الحق في المعلومات، ومنظمات الصحفيين، ندين بشدة قرار محكمة باريس بأمر ميديابارت بعدم نشر معلومات جديدة حول الممارسات السياسية لرئيس بلدية سانت إتيان، بعد تلك من الابتزاز الجنسي".

واعتبر البيان هذا القرار بأنه "رقابة مسبقة جرت بشكل أحادي"، كما أنها "اعتداء خطير وفاضح على حرية الصحافة". وفي هذا الصدد تساءل الموقعون عن "كيف يمكن اتخاذ مثل هذا القرار، بصرف النظر عن أي خلاف، بالتغاضي عن الإجراءات التي كانت ستسمح لميديابارت بالدفاع عن نفسها؟". هذا قبل أن يعبروا عن تضامنهم مع الموقع المتضرر من هذا القرار.

وبدوره استنكر "مجلس أخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام" الفرنسي قرار المحكمة، معبراً عن قلقه مما سماه "الرقابة المسبقة التي لا تتوافق مع حق الجمهور في الحصول على المعلومات وضمان توافر صحافة مستقلة وذات الجودة". كما شدد المجلس في بيانه على أن "الأعمال الصحفية لا يمكن أن تخضع لتقييم قضائي أو مهني إلا على أساس الحوار بين جميع الأطراف".

وضعية حرية الصحافة بفرنسا

ليست هي المرة الأولى التي يمنع فيها قرار محكمة أحد المنصات الإعلامية من النشر. ففي 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، منعت المحكمة التجارية في نانتير (باريس) موقع "Reflets.info" نشر "معلومات جديدة" عن مجموعة "Altice"، المملوكة لرجل الأعمال الفرنسي الإسرائيلي باتريك دراهي، وذلك بموجب قانون "السرية التجارية".

فيما يحيل تعدد القضايا من هذا النوع إلى التدهور وضع حرية الصحافة في فرنسا في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون الذي سعى خلال ولايته الأولى لتمرير قانون يمنع الصحفيين من تصوير تعنيف رجال الشرطة للمدنيين خلال الاحتجاجات. كما كان عدد من الصحفيين ضحايا لذلك العنف في أثناء تغطياتهم الميدانية.

ويذكر تقرير وضعية حرية الصحافة لفرنسا في 2022 أنه: "في حين يكلف الإطار القانوني والتنظيمي (الفرنسي) حرية الصحافة واستقلالها التحريري، فإن الأدوات التي تهدف إلى مكافحة تضارب المصالح غير كافية، وغير مناسبة وعفا عليها الزمن".

TRT عربي