تابعنا
يُعتبر مسلسل احتجاز السفن الأجنبية على السواحل المتاخمة لمضيق هرمز أو مناطق متفرقة في الخليج من قِبل القوات البحرية الإيرانية أمراً متكرراً.

ازدادت عمليات اختطاف السفن النفطية بمختلف جنسياتها في مضيق هرمز من قِبل القوات البحرية الإيرانية، وذلك على إثر العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران في عام 2022.

وقد كان آخر هذه العمليات قيام زوارق الهجوم السريع التابع لقوات بحرية الحرس الثوري الإيراني الأربعاء 3 مايو/آيار الماضي باحتجاز السفينة "نيوفي" التي ترفع علم بنما بعد أن أصدرت السلطة القضائية الإيرانية قراراً بوقف السفينة بناء على شكوى قدمت للقضاء الإيراني، وذلك كما جاء على لسان مدعي عام طهران.

في السياق، صرح الأسطول الخامس في البحرية الأميركية الذي يتخذ من البحرين مقراً له بأنّه في نحو الساعة 6.20 صباحاً بالتوقيت المحلّي أجبرت ناقلة النفط "نيوفي" على تغيير مسارها في أثناء عبورها مضيق هرمز الاستراتيجي نحو سواحل مدينة بندر عباس الإيرانية بعد أن كانت قادمة من دبي باتجاه ميناء الفجيرة الإماراتي.

وفي وقت سابق قالت البحرية الأمريكية إن القوات الإيرانية احتجزت ناقلة ترفع علم جزر مارشال في 28 أبريل/نيسان في خليج عمان. وأكدت البحرية الأمريكية أنه في العامين الماضيين أقدمت إيران على "مضايقة أو مهاجمة" ما يقرب من 15 سفينة تجارية ترفع أعلاماً دولية، واحتجاز ما لا يقلّ عن خمس سفن تجارية تبحر في الشرق الأوسط بشكل غير قانوني.

يُعتبر مسلسل احتجاز السفن الأجنبية على السواحل المتاخمة لمضيق هرمز أو مناطق متفرقة في الخليج من قِبل القوات البحرية الإيرانية أمراً متكرراً. ففي سبتمبر/أيلول 2019 أفرجت السلطات الإيرانية على ناقلة النفط "ستينا إمبيرو" التي ترفع علم بريطانيا بعد شهرين من احتجازها في أثناء عبورها مضيق هرمز.

وفي مايو/أيار 2022 أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه احتجز ناقلتَي نفط يونانيتين في مياه الخليج، وذلك بسبب ما سمّته إيران عدم امتثال قيادة السفن للتعليمات ولقوانين الملاحة الدولية.

يُعتبر مضيق هرمز من أهم المضايق المائية في العالم، فمن خلال موقعه الاستراتيجي فإنه يشكل البوابة الرئيسية لدول الخليج إلى العالم، حيث يربط المضيق بين الخليج من جهة والمحيط الهندي والبحر العربي من جهة أخرى. ويطل على المضيق دولتا عمان بمدينة مسندم من الجهة الجنوبية، وإيران بمحافظة بندر عباس من الجهة الشمالية.

كما يبلغ طوله نحو 50 كليومتراً وعمقه نحو 60 متراً. ويشكل المضيق أيضاً المنفذ المائي الوحيد لدول مثل العراق وقطر والكويت والإمارات. كما يمُر عبره 90% من نفط دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يشكل 40% من نفط العالم. ويقدر عدد براميل النفط التي تعبر يومياً منه بنحو 17 مليون برميل تقريباً.

وفي تصريحه لـTRT عربي قال أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا الدكتور إبراهيم فريحات: "قد تكون عمليات الاختطافات الأخيرة في المضيق من قِبل إيران متعلقة بالوجود الإسرائيلي، خصوصاً بعد اتفاقية إبراهام التي سمحت لوجود نشاط اقتصادي وأمني إسرائيلي في المنطقة".

وهذا حسب وصفه يُعتبر "خطاً أحمرَ بالنسبة إلى إيران"، إذ تُعتبر إيران أن "الوجود الإسرائيلي بالقرب من حدودها ومياهها الإقليمية يشكل خطراً، وتهديداً في الوقت ذاته للأمن القومي الإيراني".

"بالإضافة إلى ما سبق، يمكن أيضاً أن تقرأ هذه العمليات في سياقات أخرى ذات أبعاد سياسية متعلقة بأهداف محددة في السياسة الخارجية الإيرانية، كمحاولة إيران إثارة ولفت الرأي العالمي لتحقيق مصالح استراتيجية تهمها، وللحصول أيضاً على نتائج إيجابية في ما يتعلق ببعض الملفات العالقة التي تخص قضيتها النووية مثلاً"، وفق ما صرح به فريحات.

من جانبه، أشار مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر الدكتور محجوب الزويري إلى أن "ما يجري من عمليات اختطاف السفن النفطية في مضيق هرمز يمكن قراءته في سياقين: الأول هو أن إيران تريد من خلال تنفيذ هذه العمليات أن تُظهر نفسها قوة مشرفة على المضيق، كما تسعى لإثبات أن المضيق ليس مياهاً إقليمية بالكامل، بل إنه يشكل جزءاً من السيادة الإيرانية".

ويضيف الدكتور الزويري لـTRT عربي أن "إيران أيضاً تحاول أن تبعث برسائل إلى الدول الغربية بأن عمليات تصدير النفط في المنطقة لا يمكن أن يستمر دون أن يكون النفط الإيراني في مقدمة هذه العمليات".

ويستكمل زواري حديثه بالقول إنّ إيران "تسعى للضغط على الغرب لرفع العقوبات المفروضة عليها بخصوص تصدير النفط من خلال مضايقة سفنها التجارية، وبالأخص النفطية منها، علماً بأن الكميات النفطية المسموح بتصديرها من إيران أقل بكثير من الكميات التي تنتجها إيران يومياً".

أما ما يتعلق بإمكانية تأثير هذه العمليات في مستقبل المصالحة التي جرت مؤخراً بين إيران والسعودية، فيرى فريحات أنه "لا يوجد أي احتمالات لحدوث أي تأثير سلبي في طبيعة العلاقات السعودية الإيرانية، لأن السفن التي جرى استهدافها سواء في السنوات السابقة أو مؤخراً ليست سفناً سعودية أو خليجية".

وهو الأمر الذي يتفق معه الزويري، الذي أشار إلى أن "ما يجري بين الدولتين من تطورات يأتي ضمن إطار واضح ومحدد، وهو محاولة الدفع بتطوير العلاقات الثنائية". بالإضافة إلى أن الدولتين "بدأتا باعتماد استراتيجية تفكيك القضايا المختلف عليها ومناقشتها بطرق منفصلة"، وفق تعبيره. وبالتالي -كما يضيف- فإن "عمليات كهذه لا يمكن أن تستوجب تدخلاً إقليمياً، تحديداً من قِبل السعودية، ما دامت مصالح الأخيرة بعيدة عن مرمى هذه الاستهدافات".

يرى عديد من الخبراء أن مصير مضيق هرمز ومنطقة خليج عُمان سيظل محكوماً بالتوترات الأمنية ما دام المجتمع الدولي والدول الكبرى لا يسعون لإيجاد حلول حقيقية وواقعية تراعي طبيعة وحساسية القضايا الشائكة في هذه المنطقة.

كما أن استمرار أي أنشطة عسكرية أو استخباراتية في المضيق سيؤدي في النهاية إلى خلق أزمة اقتصادية ومالية عالمية، وستنعكس بدورها على تماسك الاقتصاد العالمي، وهو ما يؤكده الدكتور فريحات بقوله: "إنّ أي تصعيدات أمنية في منطقة المضيق ستنعكس على النشاطات التجارية والاقتصادية في العالم، خصوصاً سوق النفط، كون المضيق محطة دولية لعبور السفن النفطية، ناهيك بأن ذلك سينعكس أيضاً على أسعار النفط العالمية".

وتُعتبر إيران واحدة من أهم الدول المصدرة للبترول في العالم، وهي ثالث أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك بعد السعودية والعراق.

وتنتج إيران يومياً ما مقداره 2.7 مليون برميل نفط، وتصدر 1.7 مليون برميل في اليوم الواحد. كما تنتج 850 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً، وهي بذلك تُعَدّ ثالث أكبر منتج للغاز في العالم. وبسبب العقوبات المفروضة دولياً على تصدير النفط والغاز الإيراني، لا تستطيع إيران تصدير كل إنتاجاتها اليومية من النفط والغاز.

TRT عربي
الأكثر تداولاً