الآلاف من الموظفين السودانيين في المكاتب الحكومية والشركات الخاصة يمارسون إضراباً للمطالبة بنقل السلطة إلى المدنيين (AFP)
تابعنا

مع تعثر المفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي في السودان، وقوى إعلان الحرية والتغيير، وتكرار توقف المباحثات بين الجانبين، في ظل تمسك المجلس العسكري بأن تكون الأغلبية له في المجلس السيادي الذي سيدير البلاد، بدأت الدعوات خلال الأيام الماضية، لتنفيذ إضراب يومي الثلاثاء والأربعاء، في جميع أنحاء البلاد.

دعوات الإضراب لقيت تفاعلاً كبيراً، حيث احتشد على أثرها مواطنون سودانيون في شارع النيل، أشهر شوارع الخرطوم، رافعين أعلام البلاد، داعين المواطنين للمشاركة في الإضراب العام.

وبحسب ما نقلته وكالة الأناضول فإن 3 طائرات عادت أدراجها بعد أن تعذر هبوطها بمطار الخرطوم، فيما نجحت طائرة واحدة في الهبوط بالمطار.

كما التزم معظم عمال المناولة الأرضية بالمطار الإضراب، بينما تصر قلة منهم على كسره، في إشارة إلى أن "الإضراب نجح حتى الآن بشكل كبير".

شوارع رئيسية بالعاصمة السودانية الخرطوم، شهدت الثلاثاء، شللاً شبه تام، نتيجة إغلاق المحلات التجارية، في اليوم الأول للإضراب العام، وذلك للضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة للمدنيين.

إضراب واسع

يشمل الإضراب عدداً من القطاعات العامة والخاصة، منها قطاع الطيران والتعليم والصحة والقانون، يضاف إلى ذلك قطاعات المياه والكهرباء، والنفط والغاز، والمصانع وسكك الحديد، والنقل البحري، والنقل العام، والمصانع والقطاعات المهنية، بحسب تجمع المهنيين السودانيين، المكون الأبرز في قوى إعلان الحرية والتغيير.

وبدأ طيارون سودانيون، فجر الثلاثاء، إضراباً عاماً عن العمل، استجابة للدعوة، وتداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً وفيديوهات تظهر اكتظاظ مطار الخرطوم بعشرات المسافرين.

وأعلنت القاهرة، الإثنين، إلغاء رحلتين من مطارها الرئيسي إلى الخرطوم، مقررتين الثلاثاء "نظراً للأحداث الجارية في السودان".

في المقابل، أشارت وكالة السودان للأنباء الرسمية إلى أن العمل في مطار الخرطوم يعمل بشكل طبيعي وانسيابي، وأن حركة الطائرات لم تنقطع.

دوافع الإضراب ونقاط الخلاف

جاءت الدعوة للإضراب بعدما أخفق المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في الاتفاق على نسب مشاركة المدنيين والعسكريين في مجلس السيادة، أحد أجهزة السلطة في المرحلة الانتقالية.

وأحد نقاط الخلاف المركزية بين الجانبين، "مجلس السيادة" الذي يتمسك المجلس العسكري بأن يكون غالبية أعضائه من العسكريين، بحسب مصادر في قوى الحرية والتغيير.

كما تتهم قوى الحرية والتغيير المجلس بالسعي إلى الهيمنة على عضوية ورئاسة مجلس السيادة، ووضع عراقيل أمام المفاوضات، والمماطلة في تسليم السلطة للمدنيين.

بينما يتهم المجلس العسكري، قوى التغيير بعدم الرغبة في وجود شركاء حقيقيين لها، والبحث عن شركاء رمزيين في المرحلة الانتقالية.

وأفادت مصادر بأن المجلس العسكري يريد أن يكون مجلس السيادة مكوناً من سبعة عسكريين وثلاثة مدنيين، وأن يكون رئيسه عسكرياً.

بينما تطالب المعارضة بأن تكون أغلبية أعضاء مجلس السيادة مدنيين، وأن يكون رئيسه مدنياً أيضاً.

واتفق الطرفان على نحو 95% من النقاط الخلافية بشأن بقية هياكل أجهزة الفترة الانتقالية، وهما: الحكومة والمجلس التشريعي، حسب وكالة الأناضول.

ويعد مجلس السيادة ذا أهمية بالغة لدى الطرفين، إذ يتمتع بصلاحيات مهمة، منها: التصديق على عقوبات الإعدام والمعاهدات والمواثيق الدولية، حسب وسائل إعلام محلية.

"تسقط ثالث"

تهدف قوى التغيير من الإضراب إلى دفع المجلس العسكري للتراجع عن موقفه من نسبة تمثيل العسكريين في مجلس السيادة.

وقال مراسل TRT عربي في الخرطوم إنه إن لم يحقق الإضراب أهدافه، فستلجأ قوى الحرية والتغيير إلى خطوات تصعيدية أخرى قد تصل إلى العصيان المدني، في الوقت الذي أبدت فيه استعدادها لخوض مفاوضات جديدة تستند إلى ما تحقق سابقاً.

وقالت قوى إعلان الحرية والتغيير إن الإضراب والعصيان المدني "عمل مقاوم سلمي لا مفر من استخدامه، لتقويم مسار الثورة واستكماله".

ويرى محللون أن لقوى التغيير هدفاً آخر يتمثل في الإطاحة بالمجلس، برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان، والضغط على الجيش، لتقديم قيادة جديدة تساهم في عملية انتقالية تنتهي بتسليم السلطة إلى المدنيين.

يدلل على ذلك ما تبثه قوى التغيير من رسائل عبر المعتصمين، تطالب صراحة بـ"إسقاط مجلس البرهان".

إذ أطلقت قوى الحرية والتغيير عبر المعتصمين، هتافها لإسقاط البشير، ثم رئيس المجلس العسكري الأول، عوض بن عوف، وأصبح هتافهم حالياً هو: "تسقط ثالث"، في إشارة إلى البرهان.

تحديات وصعوبات

لا يبدو الطريق بطبيعة الحال ممهداً لإزاحة المجلس العسكري، إذ يرى محللون صعوبات كبيرة تلازمه، منها استهلاك طاقة قيادات قوى الحرية والتغيير في اعتصام طويل الأمد، أمام قيادة الجيش، منذ 6 أبريل/نيسان الماضي.

ويرى محللون إعادة المجلس العسكري للنقابات المجمدة، وتقديم حوافز وعلاوات لموظفي الدولة، سعياً من قبل المجلس لخلق أرضية قبول جديدة بين المواطنين.

كما يمكن أن يتلقى المجلس دعماً من حلفاء إقليميين، خصوصاً السعودية والإمارات ومصر، لا سيما إذا اتهم المجلس قوى الحرية والتغيير بعدم الجدية في المفاوضات، واقترح إجراء انتخابات بعد عدة أشهر.

ولتحقيق ذلك، فإن على المجلس العسكري، وفق خبراء، أن يتجاوز عقبة المجتمع الدولي، الذي يطالب بتسليم السلطة إلى المدنيين، وكذلك عقبة مجلس الأمن والسلم الإفريقي الذي أمهله 60 يوماً، شارفت على الانتهاء، لتسليم السلطة.

من جانبه، يسعى المجلس العسكري الانتقالي في السودان إلى تحجيم قوى الحرية والتغيير، والتشكيك في دورها وحضورها على الأرض.

إذ قال نائب رئيس المجلس محمد حمدان حميدتي، الإثنين، إن قوى الحرية والتغيير "هدفها تسلم السلطة وعودة المجلس العسكري إلى ثكناته"، مضيفاً "لقد غشتنا شعاراتهم ونياتهم الحقيقة ظهرت".

وأعلن حميدتي أن المجلس لن يقفل باب الحوار على أن يكون مفتوحاً "لكل مكونات الشعب السوداني". وقال "ليس هناك من هو أكثر منا شعبية ولا نقفل باب التفاوض ولكن يجب تمثيل كل مكونات الشعب في الحوار".

كل ذلك يضع المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير أمام اختبار الشارع والمتغيرات المحلية والدولية. في الوقت الذي ستشهد فيه الأيام المقبلة حراكاً مكثفاً من الطرفين، لتجاوز ذلك الاختبار، على أمل تحقيق أكبر قدر من المكاسب، وإدارة مقاليد الحكم في السودان.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً