مئات المتظاهرين العراقيين يقتحمون القنصلية الإيرانية في مدينة النجف ويُضرِمون فيها النيران (Reuters)
تابعنا

"لا أمريكا ولا السعوديَّة ولا إيران".. شعارٌ على رأس الشعارات التي رفعها المحتجون العراقيون، معبّرين عن رفضهم جميع أشكال التدخلات الخارجية التي جعلت البلد الغنيّ بالنِّفْط ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، سواء مع انطلاق الموجة الأولى للاحتجاجات في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أو الموجة الثانية المتواصلة منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول في مختلف المدن العراقية، لا سيما بغداد والمحافظات الجنوبية.

وتَمثَّل آخر التعبيرات الشعبية عن رفض الشارع الغاضب للتدخلات الإيرانيَّة، في ما فعله متظاهرون تَجمَّعوا مساء الأربعاء أمام القنصلية الإيرانيَّة في مدينة النجف ذات الأهمِّيَّة الدينية، وأضرموا النيران فيها.

نيرانٌ في القنصلية

أضرم مئات المتظاهرين العراقيين مساء الأربعاء، النيران في القنصلية الإيرانيَّة بالنجف، ممَّا دفع السلطات الأمنية إلى فرض حظر التجوال في المدينة الواقعة جنوبي البلاد، وفق مصدر أمني.

ونقلت وكالة الأناضول عن مصدرٍ في شرطة النجف أن "المئات من المتظاهرين أضرموا النيران في القنصلية الإيرانيَّة في مدينة النجف وسط شعارات مندّدة بطهران"، وأضاف أن السلطات الأمنية فرضت حظر التجوال إلى أجل غير مسمّىً في المدينة على خلفية هذا التطور.

وأشار المصدر إلى أن قوات مكافحة الشغب لم تتمكّن من السيطرة على الحشود، وهو ما دفعها إلى التراجع.

وتُعتبر النجف من المدن المقدَّسة لدى المسلمين الشيعة، وهي مكان إقامة المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني الذي عبّر أكثر من مرة عن دعمه مطالب الاحتجاجات الشعبية.

يُذكر أن الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ حاول محتجون مراراً اقتحام القنصلية الإيرانيَّة في كربلاء المجاورة دون جدوى.

طهران تستنكر

في أول ردٍّ على إحراق القنصلية، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانيَّة عباس موسوي الخميس، إن الحكومة العراقية مسؤولة عن حماية القنصلية.

ونقل التليفزيون الرسميّ عن موسوي قوله إن "الحكومة العراقية مسؤولة عن حماية المراكز والبعثات الدبلوماسية لديها"، مضيفاً أن طهران "تستنكر بقوة هذا الاعتداء وتطالب باتخاذ إجراءات مسؤولة وحازمة ومؤثرة من قِبل الحكومة العراقية في مواجهة العناصر المخربة والمعتدية".

وقالت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانيَّة للأنباء إن موظفي القنصلية الذين أُجْلُوا من المبنى قبل اقتحامه "سالمون وبخير".

في السياق نفسه اتهم حسين أمير عبد اللهيان، المساعد الخاصّ لرئيس مجلس الشورى الإيرانيّ، السعوديَّة وإسرائيل والولايات المتَّحدة بـ"استهداف ديمقراطية وسيادة واستقلال العراق".

وقال عبد اللهيان في تغريدة على تويتر: "يستهدف اليوم الثالوث الصهيو أمريكي السعوديّ سلطة الشعب والسيادة والاستقلال العراقي"، زاعماً أن تنظيم داعش الإرهابي دخل "الساحة متنكراً بزيّ الشعب العراقي وبدعم كامل من السفارة الأمريكيَّة والسعوديَّة، بهدف هتك حرمة كربلاء والنجف".

وثائق مسرَّبة.. تاريخٌ من التدخلات الإيرانيَّة

جاء اقتحام القنصلية الإيرانيَّة في النجف وإضرام النار فيها بعد نحو أسبوع من الكشف عن وثائق استخباراتية إيرانيَّة مسربة، بخصوص التدخل والتأثير الإيرانيَّين في المشهد السياسي العراقي، بما في ذلك الدور الذي يلعبه الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيرانيّ.

وحصل كلٌّ من موقع ذي إنترسبت وصحيفة نيويورك تايمز على وثائق من أرشيف مراسلات سرية للاستخبارات الإيرانيَّة، تفصّل سنوات من عمل الجواسيس الإيرانيّين للتأثير على القيادة العراقية، وشراء عملاء عراقيين يعملون لصالح الولايات المتَّحدة، والتغلغل في كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والدينية في العراق.

وقالت نيويورك تايمز إن إحدى الوثائق تشير إلى طلب قاسم سليماني من وزير النقل والمواصلات السابق باقر جبر الزبيدي، في لقاء جمعهما في بغداد، السماح للطائرات الإيرانيَّة بالمرور بالأجواء العراقية حاملةً أسلحة إلى سوريا، وهو ما وافق عليه الزبيدي.

فيما أشارت وثيقة أخرى إلى خلاف بين سليماني والاستخبارات الإيرانيَّة، من ذلك عدم موافقتهم على ظهور صور لسليماني في العراق، مِمَّا يؤكّد انخراطه في العمليات العسكرية هناك، ويعطي حجة للأمريكيّين.

ومنذ اندلاع الموجة الأولى من الاحتجاجات العراقية قبل نحو شهر، بدا "النفوذ الإيرانيّ" جنباً إلى جنب مع التدخلات الأمريكيَّة و"محاولات الرياض فرض أجندتها على بغداد"، من أبرز مسبِّبات الغضب والحنق لدى شرائح واسعة من المحتجين.

إيران من جانبها لم تنظر متفرجة، إذ تَوجَّه الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيرانيّ ومهندس العمليات العسكرية الخارجية لطهران، إلى المنطقة الخضراء في بغداد غداة اندلاع الموجة الأولى من الاحتجاجات العراقية، ليلتقي هناك رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي وعدداً من المسؤولين الأمنيين العراقيين، وَفْقاً لما نقلته صحيفة واشنطن بوست الأمريكيَّة.

الصحيفة ذكرت أيضاً في تقريرها الذي أعدّه الأربعاء الصحفيّان قاسم عبد الزهرة وجوزيف كراوس، أن سليماني قال للمسؤولين العراقيين: "نحن في إيران نعرف كيفية التعامل مع هذه الاحتجاجات، فقد حدثت قبل ذلك لدينا واستطعنا السيطرة عليها"، وَفْقاً لمصدر أمني عراقي لم يُكشَف عن هُويته.

ويلفت التقرير إلى أن اليوم التالي لزيارة الجنرال الإيرانيّ شهد اشتباكات "عنيفة للغاية" بين المحتجين والقوى الأمنية، أسفرَت عن وقوع أعدادٍ كبيرة من القتلى والجرحى.

وخلال تَجدُّد الاحتجاجات مطلع الأسبوع الجاري، حسبما ينقل التقرير عن سكان محليين، تَقدَّم القوات العراقية جنودٌ يلبسون زيّاً أسود وأقنعة وجه، يعتقد السكان بكونهم إيرانيّين.

في هذا الصدد قال المحلل الأمني العراقي هاشم الهاشمي، إن "إيران متخوّفة من هذه الاحتجاجات، نظراً إلى أنها (إيران) جنت في الفترة الأخيرة أكبر مكاسب يمكنها تحقيقها في الحكومة والبرلمان عبر أحزابٍ مواليةٍ لها"، مضيفاً أن "إيران لا تريد أن تخسر هذه المكتسبات، وهو ما يدفعها لتوجيه الأحزاب والقوى العراقية القريبة منها لاحتواء الحراك الاحتجاجي عبر نهجٍ إيرانيٍّ بحت".

في السياق نفسه اتّهم المرشد الإيرانيّ علي خامنئي، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الولايات المتَّحدة وإسرائيل ودولاً غربية بالوقوف وراء "أعمال الشغب وانعدام الأمن" في لبنان والعراق، بدعم مالي من "بعض الدول الرجعية"، داعياً الحريصين على البلدين إلى التصدي لهذه المحاولات.

وأضاف خامنئي في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه العربي على تويتر: "للناس مطالب أيضاً وهي محقَّة، لكن عليهم أن يعلموا أن مطالبهم إنما تتحقَّق حصراً ضمن الأطر والهيكليات القانونية لبلدهم. متى انهارت الهيكلية القانونية استحال أداء أي عمل".

وقال خامنئي بنبرة تَفاخُر واضحة، إن بلاده مرّت من قبل باحتجاجات مشابهة، إلا أن مؤيدي النِّظام "حضروا في الساحات في الوقت المناسب وأحبطوها"، في إشارة إلى موجة الاحتجاجات التي عمّت مدناً إيرانيَّة عام 2017/2018، واستطاعت طهران إخمادها عبر حملة أمنية وتعبوية.

ويشهد العراق منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتجاجات شعبية في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى، تطالب برحيل حكومة عادل عبد المهدي التي تتولى السُّلْطة منذ أكثر من عام.

ومنذ ذلك الوقت سقط في أرجاء العراق 325 قتيلاً و15 جريحاً، وفق إحصائية أعدّتها وكالة الأناضول استناداً إلى أرقام لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، ومفوضية حقوق الإنسان العراقية الرسميَّة ومصادر طبية. والغالبية العظمى من الضحايا هم من المحتجين، وسقط الضحايا خلال مواجهات بين المتظاهرين من جهة وقوات الأمن ومسلَّحي فصائل شيعية مقربة من إيران من جهة ثانية.

ويرفض رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الاستقالة، ويشترط أن تتوافق القوى السياسية أولاً على بديل له، محذّراً من أن عدم وجود بديل "سلس وسريع" سيترك مصير العراق للمجهول.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً