أحزاب اليمين المتدين لا تزال مصرّة على إبطال قانون تجنيد طلاب المدارس الدينية المثير للجدل (AP)
تابعنا

حبس رئيس حزب يسرائيل بيتينو أفيغدور ليبرمان أنفاسه كثيراً، قبل أن يُبشَّرَ بالفوز بخمسة مقاعد في الكنيست خلال الانتخابات العامة التي أجريت في 9 أبريل/نيسان المُنصرم، وهو الذي كانت تشير الاستطلاعات كافة إلى أنه لن يتعدى نسبة الحسم، ولن يكون شريكاً في الحكومة المقبلة.

فاجأت نتائج الانتخابات الجميع في إسرائيل، لكن ليبرمان تحديداً والذي كان استقال من منصبه كوزير للدفاع قبل شهرين فقط من الانتخابات، كان أوّل من خرج إلى الجمهور شاكراً صنيعه، وهديته له إذ شيّد له جسراً ضيقاً عبر من خلاله إلى الكنيست، وأتاح له أن يتحكم في شكل الحكومة المقبلة، بل في شكل المشهد الإسرائيلي حاضراً ومستقبلاً في ظل صراع محموم على الهويّة هناك.

كان أوّل ما صرّح به ليبرمان الذي يعتنق مبادئ الليبرالية العلمانية، هو أن حزب يسرائيل بيتينو الذي يقوده حزب "قائم على ثوابت ومبادئ، انتخبه الجمهور وفقها، ولذلك فإنه لن يُفرّط في هذه المبادئ أبداً". ليبرمان كان يدرك ما يقول في حينه، إذ أشارت تصريحاته بشكل مباشر إلى الأحزاب اليهودية المتدينة التي فازت بنسبة تسمح لها بالتحكم في مصائر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته والكنيست بشكل عام، وفرض مبادئها الخاصة ومعتقداتها.

يوم الإثنين، أقر الكنيست بالقراءة التمهيدية مشروع قانون لحّل نفسه، قدّمه عضو كنيست عن حزب الليكود بإيعاز مباشر من نتنياهو، الذي لم يستطع تشكيل ائتلاف حكومي على الرغم من مرور أكثر من شهر على المهلة التي منحها له رئيس الدولة رؤوفين ريفلين، وتنتهي مساء يوم الأربعاء.

وسعى نتنياهو جاهداً إلى توحيد صفوف اليمين الإسرائيلي الذي بإمكانه تشكيل حكومة قوية وثابته جرّاء حصوله على 65 مقعداً، ونجح بشكل فعلي في تجنيد 60 نائباً لصالح ائتلافه، وهم مزيج من النواب الفائزين عن أحزاب اليمين، 16 منهم من الحريديم المتدينين، وآخرون من حزب كولانا الذي يتزعمه موشي كحلون، فيما بقيت المحادثات عالقة بين نتنياهو وليبرمان الذي يمتلك خمسة مقاعد، لا يقوم الائتلاف القانوني بدونها.

الخلاف بين أحزاب اليمين كافة بما فيها حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، وحزب يسرائيل بيتينو، لم يكن وليد اللحظة، إذ يقع في عمق الخلاف بين المستويات الإسرائيلية كافة، بين أطياف الشعب والسياسيين ومؤسسات الدولة، خلاف على الهوية في إسرائيل، وصراع بين الإسرائيلية واليهودية، بين الدين والدولة.

تقول الباحثة في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس غيل طالشير، في مقابلة مع مجلة ذي ماركر، إن "الجهاز الحزبي في إسرائيل يبدو حالياً مغايراً كلياً، فبدلاً من الجدل المتبع بين يمين ويسار، بات الحديث الآن عن الهوية اليهودية في مواجهة الهوية الإسرائيلية".

وتضيف "في العقد الأخير، تجري الانتخابات الإسرائيلية حول طابع الهوية، بمعنى هل إسرائيل هي أولاً دولة ديمقراطية، أو هي دولة يهودية". وتضيف طالشير أنه في معسكر اليمين يتنافسون حول من هو يهودي أكثر، بينما في معسكر الوسط-يسار يتنافسون على من هو إسرائيلي أكثر.

توصيف طالشير للمشهد في إسرائيل، يمكن إسقاطه تماماً على الخلاف الدائر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفكيك الكنيست والدعوة إلى انتخابات جديدة في إسرائيل، وهو بالمناسبة الخلاف ذاته الذي فكك حكومة نتنياهو السابقة ودفعه إلى إعلان الانتخابات، الصراع حول "قانون تجنيد طلاب المدارس اليهودية"، إضافة إلى جملة قوانين إضافية سعت الأحزاب المتدينة لتشريعها، مثل قانون يمنع أعمال البنية التحتية يوم السبت، وآخر لتعديل قانون شُرّع مؤخراً، يسمح للنساء بالصلاة جنباً إلى جنب مع الرجال عند حائط البراق، وسمح بإقامة ساحة صلاة خارجة عن سيطرة اليهودية الكاثوليكية.

وبرز صراع الدين والدولة في إسرائيل بشكل واضح خلال حكومة نتنياهو السابقة، وكان أبرز طرفَي الصراع حزبَي يسرائيل بيتيني بقيادة ليبرمان وحزبي شاس ويهودوت هتوراة بقيادة عدد من اليهود المتدنيين الحريديم، إذ سعت الأحزاب المتدينية إلى فرض تعديل على قانون تجنيد طلاب المدارس اليهودية الذي أقره الكنيست عام 2015، وهو قانون يلزم أبناء المدارس اليهودية بالتجنيد في صفوف الجيش الإسرائيلي، لكن المحكمة العليا رفضت التعديلات عام 2017 ما أدى إلى انفجار أزمة داخل أروقة الحكومة، في ظل تصلّب ليبرمان ورفضه التخلي عن القانون، مشيراً إلى أنه يرفض بشكل قاطع "تغلغل الدين في الدولة"، وفرض سيطرة المتدنيين على مؤسسات الحكم في إسرائيل.

عززت الانتخابات الأخيرة في إسرائيل من قوة الأحزاب اليمينة المتدينة والتي حصلت على 16 مقعداً وشكلت قوّة وازنة داخل الكنيست، ومع صدور نتائج الانتخابات خرجت هذه الأحزاب لتقول علانية "لن نسمح بتجنيد طلاب المدارس الدينية"، وسعت لابتزاز نتنياهو من خلال عرض الموافقة على تشريع قانون يضمن له الحصانة في وجه تهم الفساد المُوجهة إليه، مقابل إبطال مفعول قانون التجنيد الإلزامي للطلاب المتدينيين.

وسعت الأحزاب المتدينة خلال فترة المفاوضات الائتلافية للاحتفاظ بمنصبَي نائب وزير الصحة ورئاسة لجنة المالية اللذين كانا من نصيب هذه الأحزاب في الحكومة السابقة، لكنها طالبت هذه المرّة بتولي وزارة الإسكان أو الرفاه، في مسعى إلى استغلال تلك المناصب لفرض حرمة يوم السبت ومنع العمل في شبكة القطارات والمتاجر خلال هذا اليوم المقدس بالنسبة لليهود، كما تشير صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.

على النقيض يُنصّب ليبرمان نفسه قائداً للمرحلة، ومنقذاً لإسرائيل من المد الديني الذي يحاول السيطرة على مفاصل الدولة والتحكم في الشعب، ويعد أبرز الوجوه السياسية في إسرائيل، التي تقود الشق الثاني من الصراع، وهو الحفاظ على الهويّة الإسرائيلية لا الهوية اليهودية وحدها، وعلى أسس الديمقراطية والحرية، كما يقول.

كتب ليبرمان مقالاً في صحيفة معاريف الإسرائيلية في خضم مفاوضات الائتلاف الحكومي التي لم يبد فيها أي ليونة، حفاظاً على سمعة حزبه والتزاماً بالمبادئ التي أعلنها أمام الشعب خلال الحملة الانتخابية، وقال فيه "بما يتعلق بالحوار الدائر بين الأحزاب المتدينة وباقي أطياف الشعب، أعتقد أن الحوار هذه المرّة لا يتعلق فقط بالسياسة أو المواقف التي تؤخذ للحصول على شروط أفضل في الحكومة المقبلة".

وأضاف أن "الحوار ليس بين الكُفّار والحريديم المتديين، إنما بين طرحين مختلفين، كنا نقف أمام قرارات مصيرية، هل نريد يهودية تقربنا، وتجمعنا، أم نريد يهودية تقوم على الكراهية، تبعدنا؟".

وقال إن المبادئ التي يتمسك فيها حزب يسرائيل بيتينو هي نفس المبادئ التي يؤمن بها المجتمع الإسرائيلي العلمانية والدين معاً. وأكد إصرار حزبه على التمسك بقانون تجنيد طلاب المدارس الدينية، والسماح للنساء بالصلاة عند حائط البراق.

وأوضح ليبرمان أنه لا يُكِنُّ أي بغضاء لليهودية وقيمها، "لكنني أرفض بشكل قاطع أن يُملى الدين على الشعب والدولة"، وقال "مطالبنا المتعلقة بالدين والدولة نتمسك بها من أجل الحفاظ على وحدة شعبنا".

وحذر رئيس حزب يسرائيل بيتينو من الخضوع لإملاءات من قال إنها زمرة قليلة "من شأنها أن تقودنا إلى صراعات زائدة لا حاجة لنا بها، وللكراهية".

وعلى الرغم من أن فشل التوصل إلى اتفاق بين الأحزاب اليمينة من شأنه أن يهدد مستقبل ليبرمان السياسي أولاً، إذ تتقلص احتمالات تعدّي حزبه نسبة الحسم في الانتخابات القادمة وفق الاستطلاعات، إلا أنّه لا يزال مصرّاً على موقفه، فيما لم يتبقَّ سوى أقل من يوم واحد على مهلة رئيس الدولة لنتنياهو.

ويوم الإثنين، نجح نتنياهو في إقناع ليبرمان لحضور اجتماع ثنائي، بيد أنه خرج بعد الاجتماع مباشرة ليلقي خطاباً في الكنيست قال فيه إنه لم ينجح في إقناع ليبرمان بعدم الذهاب إلى انتخابات جديدة، ودعاه للتفكير بعقلانية مرّة أخرى، قائلاً "لم يتبقَّ لدينا سوى 48 نستطيع خلالها أن نفعل الكثير".

وأضاف نتنياهو في خطابه "لا يوجد أي سبب كي نعيد الانتخابات في الوقت الذي نجد فيه حلولاً كثيرة أمامنا، طرحت حلاً مناسباً وهو أن يتم تجنيد اليهود المتديين وفقاً لقوانين الجيش ومتطلباته. يمكن حل المشكلات كلها خلال دقيقتين، لو كان هناك استعداد لذلك".

وقال نتنياهو إن الانتخابات الجديدة ستكلف خزينة الدولة مليارات هي في غنى عنها، بخاصة أن إسرائيل تقف أمام تحديات كثيرة يعرفها ليبرمان جيداً، منها تحديات اقتصادية، وأمنية واجتماعية".

وقال في حوار مع القناة 9 الإسرائيلية إنه نجح في التوصل إلى تفاهمات مع الأحزاب كافة، مشيراً إلى أن "الجميع في انتظار ليبرمان".

وأضاف "المشكلة العالقة هي قانون تجنيد طلاب المدارس الدينية، هذا القانون يمكن تغييره أيضاً، هل نقود الدولة إلى انتخابات جديدة من أجل ذلك فقط؟، هل تعلمون ماذا ينتظرنا مع إيران؟ مع سوريا ولبنان؟ ما الذي ينتظرنا في قطاع غزة؟".

حديث نتنياهو هذا والليونة الشديدة التي خاطب بها ليبرمان لم تُجدِ نفعاً، إذ كتب رئيس حزب يسرائيل بيتينو على صفحته في موقع توتير "سيدي رئيس الوزراء، لا يدور الحديث عن تعديلات شكلية على القانون، الحديث يدور عن الخضوع والخنوع للحريديم المتدينيين، أعرض عليك الآتي: دعنا نمرر القانون في القراءة الثانية والثالثة بدون أي تعديلات، وبدون الحريديم".

في طبيعة الحال يدرك نتنياهو أن تشكيل حكومة جديدة وثابتة بدون الأحزاب اليمنية المتدينة سيكون مستحيلاً، ويستعد في الوقت ذاته للذهاب إلى انتخابات جديدة، على الرغم من أن القانون الإسرائيلي يتيح لرئيس الدولة تكليف عضو كنيست آخر بتشكيل الحكومة.

ويسعى نتنياهو مستغلاً القانون الذي يتيح حل الكنيست للدعوة إلى انتخابات جديدة من شأنها أن تكلف خزينة الدولة نحو 475 مليون شيكل وفقاً للموقع الالكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، بدلاً من منح الأحزاب اليسارية التي يقودها تحالف أزرق-أبيض فرصة تشكيل الحكومة، إذ يعتقد أن حكم اليسار لإسرائيل يعني أن إسرائيل باتت في خطر محدق، كما سبق وصرّح في غير محفل.

ويعتبِر تحالف أبيض-أزرق وهو أقوى أحزاب المعارضة قرار نتنياهو الذهاب إلى انتخابات جديدة بدلاً من إتاحة الفرصة لتكليف عضو كنيست آخر بتشكيل الحكومة بأنه مسعى أحادي الجانب يسعى من خلاله إلى إنقاذ نفسه.

وقال القائد الثاني في التحالف يائير لبيد إن "نتنياهو لا يهمه سوى شخصه، يسعى بأي ثمن إلى إنقاذ نفسه من السجن، ومن أجل ذلك لا توجد حكومة في إسرائيل حتى اليوم. في حال ذهبنا إلى انتخابات جديدة سيكون سبب ذلك نتنياهو، علينا أن نسعى جاهدين إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بدون نتنياهو، هذا ما تحتاجه إسرائيل حقاً".

ولم يتبق سوى ساعات قليلة على انتهاء مهلة الرئيس الإسرائيلي لنتنياهو لتشيكل حكومته، ولا تزال جهود تشيكل الائتلاف متعثرة لا يلوح لها بالأفق حل، بيد أن الساعات القليلة هذه كفيلة بأن تُغيّر المشهد في إسرائيل، في حال قرر حزب يسرائيل بيتنا تقديم أي تنازلات، أو في حال التوصل إلى حل مُرضٍ للأطراف كافة، كأن يتم إرضاء ليبرمان بصلاحيات كبيرة خلال تسلمه لمنصب وزير الدفاع، وتشكيل لجنة خاصة للبت في قانون تجنيد طلاب المدارس المتدينة، أو الاتفاق على تقاسم منصب رئيس الوزراء مع نتنياهو، بحيث يشغل نتياهو المنصب لمدة عامين، ويشغله ليبرمان بعد ذلك، أو التوافق على أن يتم ترشيح ليبرمان رئيساً للوزراء في الانتخابات القادمة عن حزب الليكود دون إجراء انتخابات داخلية في الحزب، كما ترى صحيفة هآرتس، التي تشير على الرغم من ذلك إلى أن خيار الذهاب إلى الانتخابات أقرب لنتنياهو من أي قرار يتعلق بالتنازل عن منصبه وتقاسُمه مع ليبرمان.

الأحزاب اليمينية المتدينة سعت لابتزاز نتنياهو والاحتفاظ بمناصب عدّة، وتشريع قوانين تلائم جمهورها (Reuters)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً