يُعدّ سليمان شنين (54 سنة) أحد أبرز القيادات الإسلامية على الرغم من انتمائه لحزب حركة البناء الوطني الصغير (AFP)
تابعنا

شكّل انتخاب النائب الإسلامي سليمان شنين رئيساً جديداً للبرلمان الجزائري مفاجأة سياسية، وخطوة تحمل العديد من الرسائل، تتراوح بين الحديث عن تأثير ضغط الشارع، وبين كونها خطوة من النظام لطمأنة وتهدئة الحراك، أو لبنة في جدار بناء التوافق السياسي الذي يمكن أن يمهّد لبداية حوار لانتقال ديمقراطي في البلاد.

مرشّح اللحظة الأخيرة

أعلن المجلس الشعبي الوطني الجزائري أنّ النائب الإسلامي سليمان شنين، رئيس كتلة برلمانية لتحالف شكّلته ثلاثة أحزاب إسلامية معارضة، انتُخب ليل الأربعاء رئيساً له.

ويخلف شنين في هذا المنصب معاذ بوشارب الذي استقال في 2 تموز/يوليو إثر ضغوط مارسها عليه النواب من داخل حزبه، وكذلك المحتجّون في الشارع.

وقال المجلس على موقعه الإلكتروني إن نوّابه انتخبوا "مرشّح الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء ليتولى رئاسة المجلس الشعبي الوطني، وذلك عن طريق التصويت برفع الأيدي في جلسة علنية".

وأوضح المجلس أنّ انتخاب شنين تم بالتزكية "بعدما قررت المجموعات البرلمانية التي شاركت في العملية الانتخابية سحب مرشحيها الستة وتزكيته بالإجماع".

وأضاف أن الكتل التي زكت شنين هي "حزب جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"كتلة الاحرار" و"تجمع أمل الجزائر" و"الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء" و"جبهة المستقبل" و"الحركة الشعبية الجزائرية" و"حزب العمال"، ونواب دون انتماء، فيما قاطع الجلسة نواب كتلة "حركة مجتمع السلم" و"كتلة جبهة القوى الاشتراكية" و"حزب التجمع من أجل الديمقراطية والثقافة".

وفور انتخابه قال شنين أمام المجلس إن انتخابه دليلٌ على "ميلاد تجربة جديدة حيث بإمكان الأقلية أن تتقدم لرئاسة المجلس وتحظى بتزكية ودعم الأغلبية، بما يعيد الثقة في المؤسسات".

وأعرب شنين، بحسب ما نقل عنه الموقع الإلكتروني للمجلس، عن "الدعم والاعتزاز بالجيش الوطني الشعبي"، وتنويهه بـ"التصريحات المكرّرة لقائد الأركان نائب وزير الدفاع الوطني الفريق قايد صالح في المرافقة السياسية الواضحة ومكافحة الفساد وإعادة الأمل في بناء الديمقراطية، وبناء عدالة مستقلة، وحماية وحدة الشعب من كل الاختراقات التي تستهدفه".

ولم يكن اسم شنين متداولاً كمرشح لخلافة بوشارب حتى صباح الأربعاء، موعد جلسة الانتخاب، في الوقت الذي بدا فيه الطريق معبداً أمام الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم محمد جميعي للفوز بالرئاسة.

في السياق ذاته، قال موقع TSA الجزائري إن ترشّح شنين جاء في اللحظات الأخيرة، ما أثار "دهشة الكثيرين، بمن فيهم نواب أحزاب الموالاة أو ما كان يسمى بالتحالف الرئاسي الذين اختلطت عليهم الأوراق".

وأضاف الموقع أن خبر ترشّح شنين جاء وسط "تردد أنباء في الكواليس عن أن ترشح شنين يحظى بمباركة السلطة الفعلية في البلاد، وأن ترشحه تم بإيعاز"، في إشارة إلى أن الجيش وقائد أركانه ربّما لعبا دوراً في الدفع بشنين.

من يكون شنين؟

يُعدّ سليمان شنين (54 سنة) أحد أبرز القيادات الإسلامية على الرغم من انتمائه لحزب حركة البناء الوطني الصغير، ويملك مساراً يمزج بين النضال السياسي والعمل الإعلامي منذ تسعينيات القرن الماضي.

ودخل شنين البرلمان عقب انتخابات مايو/أيار 2017، ضمن قائمة مشتركة لثلاثة أحزاب إسلامية وهي جبهة العدالة والتنمية وحركة البناء الوطني وحركة النهضة، وأصبح رئيساً لهذا التكتل النيابي في البرلمان.

وبدأ مسار شنين السياسي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي داخل حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في البلاد، وكان ضمن شباب الحزب المقربين من مؤسسها الراحل محفوظ نحناح، إذ كان يعمل داخل ديوانه.

وساير شنين عدة هزات شهدتها مجتمع السلم، الحركة الإسلامية الأم في الجزائر، وكان من القياديين الذين انسحبوا من الحزب عام 2008، احتجاجاً على فوز الرئيس السابق أبوجرة سلطاني بولاية ثانية.

عام 2009، كان شنين ضمن القياديين الذين أسسوا رفقة الوزير الأسبق عبد المجيد مناصرة، حزباً إسلامياً جديداً للمّ شمل المنسحبين من الحركة الأم تحت اسم "حركة التغيير"، لكن التنظيم الجديد عرف انشقاقات أخرى، وانسحب منه سليمان شنين وقياديون آخرون، وأسسوا عام 2013 حركة البناء الوطني.

وكان شنين من السياسيين الذين نزلوا إلى الشارع مع أولى مسيرات الحراك المطالبة برحيل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

ونشر شنين، صورة له على صفحته على فيسبوك، في أول تظاهرة في 22 فبراير/شباط الماضي، مرفقة بتعليق جاء فيه "خرجت مثل آلاف الجزائريين في مسيرة سلمية، عبر فيها شباب بلادي بوعي كبير، وأحبطوا كل التكهنات السلبية، أدركت منذ البداية أن المسيرة مؤطرة ومحددة الأهداف ورسائلها منتقاة، وتوقعي أن نتائجها قريبة".

وقبل أشهر، كانت رؤية هذا النائب الإسلامي على رأس الغرفة الأولى للبرلمان بمثابة حلم، كون المنصب لم يخرج منذ تأسيسه عام 1977، عن شخصيات مقربة جداً من السلطة الحاكمة، وتنتمي إلى الحزب الحاكم.

كما أن الكتلة النيابية التي ينتمي إليها شنين، ضعيفة التمثيل داخل البرلمان وتكاد تكون هامشية، ولا تملك سوى 15 نائباً فقط من بين 462 في المجلس.

دلالات الترشّح والتزكية

قالت حركة مجتمع السلم، في بيان، إن شنين "الرئيس الجديد، رئيسُ أمر واقع مثل من سبقه، ولا تمثل تزكيته حالة ديمقراطية؛ إذ هو نتاج هِبة منحتها بقرار فوقي أغلبية برلمانية مزورة ومرفوضة من الشعب الجزائري".

وأضافت الحركة أن تزكية سليمان شنين رئيساً للمجلس الشعبي الوطني، "عمليةٌ تزيينية فاشلة للالتفاف على مطالب الحراك الشعبي".

من جهة أخرى، قال أستاذ العلوم السياسية زهير بوعمامة، إن انتخاب شنين "خطوة في الاتجاه الصحيح، كانت بمثابة الحلم قبل الحراك"، وأضاف "مهما كان ما حدث، مجرد ترأس شخصية نظيفة غير محسوبة على السلطة للمجلس الشعبي الوطني، وفشل الأسماء المنبوذة في المرور بالأساليب القديمة، هو خطوة أخرى في الاتجاه الصحيح".

وألمح إلى أن صناعة القرار السياسي في البلاد باتت تأخذ مطالب الشعب في الحسبان، قائلاً "إنها مؤشر إضافي إلى طريقة تفكير أسياد اللحظة وتصورهم لما هو قادم".

من جهته، اعتبر المحلل السياسي عبد العالي رزاقي أنّ "رئاسة شنين للمجلس الشعبي الوطني، ستفتح الباب أمام أحزاب الموالاة للمشاركة في الحوار الشامل المنتظر".

وقال رزاقي "إن أحزاب الأغلبية المعروفة بدعمها المطلق للرئيس المستقيل، تنازلت عن رئاسة المجلس لشخصية معارضة، من أجل إعادة هيكلة نفسها والمساهمة في الحوار المقبل والمشاركة في الاستحقاقات المقبلة"، حسب ما نقلته عنه وكالة الأناضول.

وألمح رزاقي إلى أن "التعايش" الذي أملته الأزمة بين أحزاب الموالاة والمعارضة، يصب في اتجاه إنجاح الحوار الذي تدعو إليه رئاسة الدولة والمؤسسة العسكرية.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً