السعودية قررت تخفيض أسعار الخام وبدء زيادة الإنتاج (AP)
تابعنا

ما إن بدأت السعودية أكبر مصدِّر للنفط في العالم، "حرب الأسعار"، باعتزامها زيادة إنتاج النفط إلى أكثر بكثير من عشرة ملايين برميل يومياً في أبريل/نيسان، وإعلانها خفض الأسعار الرسمية للخام بعد انهيار اتفاق خفض المعروض بين أوبك وروسيا، حتى سجّلت أسواق المال في دول الخليج خسائر كبرى مع افتتاح تعاملات الاثنين، وذلك على خلفية انهيار أسعار النفط التي تراجعت بنحو 30%.

وتواصل أسعار النفط سقوطها الحر لتبلغ أدنى مستوى لها في ثلاثة عقود بعد انهيار اتفاق خفض الإنتاج بين منظمة الدول المصدِّرة للنفط "أوبك" وشركائها بقيادة روسيا، فيما هوت أسعار خامَي برنت ونايمكس متأثرة بحرب الأسعار بين السعودية التي تعتبر أكبر مصدِّر للنفط في العالم وروسيا، بهدف السيطرة على الحصص السوقية والضغط على منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.

وتراجعت بورصة الكويت بنسبة 9.5% ما أدى إلى وقف التعاملات فيها، بينما سجّل مؤشر سوق دبي انخفاضاً بنحو 9% ومؤشر سوق أبو ظبي تراجعاً بنسبة 7.1٪. كما انخفض مؤشر سوق عمان بنسبة 2.8%، وقطر أكثر من 6%، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

ويأتي هذا التراجع في ظل إخفاق منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وروسيا التي تعتبر شريكتها الرئيسية ضمن تحالف أوبك+، في التوصل الجمعة، إلى تفاهم بشأن خفض إضافي في إنتاج الخام بغية وضع حد لتراجع أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ أربعة أعوام، على خلفية انتشار فيروس كورونا المستجد.

ويُنهي تفكك المجموعة المعرفة باسم أوبك+ التي تضم أوبك علاوة على منتجين مستقلين من بينهم روسيا، تعاوناً استمر ما يزيد عن ثلاث سنوات لدعم السوق ولتحقيق استقرار في الأسعار في الآونة الأخيرة، في ظل تهديد من الأثر الاقتصادي الناجم عن تفشّي فيروس كورونا.

في خضم ذلك، خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعات الطلب العالمي على النفط في 2020 بنحو مليون برميل يومياً بسبب فيروس كورونا. ومن المتوقع أن يُسجَّل أول انكماش منذ 2009، حسب وكالة رويترز.

خطط السعودية.. زيادة الإنتاج

وكان اقتراح أوبك على موسكو وشركائها التسعة الآخرين خفضاً جماعياً إضافياً بـ1.5 مليون برميل يومياً، حتى لا يؤدي انتشار الفيروس إلى تقويض ما تُوصِّل إليه عام 2017، للحفاظ على أسعار مستقرّة في سوق تشهد فائضاً في الإنتاج، لكن روسيا رفضت ذلك، فأطلقت السعودية "حرب أسعار" رداً على الموقف الروسي، وخفّضت أسعار النفط المطروح للبيع لديها إلى أدنى مستوياته خلال 20 عاماً، في محاولة لتأمين حصّة كبيرة في السوق.

وقال مصدران لوكالة رويترز، إن السعودية تخطط لزيادة إنتاجها لما يزيد عن عشرة ملايين برميل يومياً في أبريل/نيسان، بعد انتهاء الاتفاق الحالي لكبح الإنتاج في نهاية مارس/آذار، في الوقت الذي تبلغ فيه طاقة إنتاج السعودية للنفط 12 مليون برميل يومياً، مما يعطيها القدرة على زيادة الإنتاج سريعاً.

وأضاف المصدران: "تسعى أكبر دولة مُصدّرة للنفط في العالم لمعاقبة روسيا ثاني أكبر منتج للخام في العالم، بسبب عدم دعمها تخفيضات الإنتاج المقترحة الأسبوع الماضي من جانب منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك".

وأفادت المصادر بأن رسالة وزير الطاقة السعودي هي أن تعظم أرامكو إنتاجها، وتبيع مزيداً من الخام لحماية حصتها السوقية.

وسبق للسعودية أن أخبرت بعض المشاركين في السوق أنها قد ترفع سقف إنتاجها من النفط ليصل إلى مستوى قياسي هو 12 مليون برميل يومياً إذا اقتضت الحاجة ذلك، حسب ما أفادته مصادر مطلعة لوكالة بلومبيرغ.

واعتقدت مصادر في تصريحات لوكالة رويتزر، أن "المملكة ليست في حرب مع أي أحد، لكنها تسعى وراء مصالحها الخاصة. فور انقضاء الاتفاق، الجميع سيرفعون الإنتاج".

فيما قالت إيمان ناصري العضو المنتدب لمنطقة الشرق الأوسط في شركة (FGE) الاستشارية للنفط، لوكالة بلومبيرغ: "إن المملكة العربية السعودية الآن تخوض حرب أسعار كاملة".

ما قامت به السعودية يعد إعلان حرب في أسواق النفط العالمية.

وكالة بلومبيرغ

وبين الآراء المختلفة، يحسم الريال السعودي الحرب بتسجيله الاثنين، انخفاضاً حاداً مقابل الدولار في سوق العقود الآجلة مع تراجع أسعار النفط.

أسباب رفض روسيا

وترى روسيا أن الوقت قد حان للضغط على الأمريكيين الذين زادوا من حجم إنتاج النفط الصخري، بينما أبقت الشركات الروسية على نفطها في الآبار امتثالاً لاتفاق خفض الإنتاج.

ورفضت روسيا التوقيع على تعميق اتفاق خفض إنتاج النفط وتمديده بسبب النفط الصخري، الذي تعد الولايات المتحدة أكبر منتج عالمي له، وهو أمر اعتبرته وكالة بلومبرغ سبباً أساسياً لهذا الرفض، إذ إنها ذكرت على لسان مصادر لم تسمِّها أن موافقة روسيا على مقترح اتفاق تعميق خفض إنتاج النفط وتمديده ستكون بمثابة هدية من جانب تحالف أوبك، بما فيه روسيا، إلى الولايات المتحدة.

الوكالة ذكرت أيضاً ما جرى في قاعة الاجتماعات في منظمة "أوبك" بالعاصمة النمساوية فيينا الجمعة، إذ دخل وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك وقلب طاولة الاتفاق رأساً على عقب، ما أصاب بالصدمة جميع وزراء طاقة الدول المشاركة.

لقد قرر الكرملين التضحية بـ(أوبك) لوقف تزايد إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة.

رئيس معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في موسكو - ألكسندر دينكين

وأخبر نوفاك نظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أن روسيا لا ترغب في خفض إنتاج النفط أكثر، قائلاً له إن "الكرملين قرر أن دعم الأسعار سيكون بمثابة هدية لصناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة".

من جانبه، قال رئيس معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في موسكو ألكسندر دينكين: "إنها رسالة من موسكو لواشنطن التي وقفت أمام مشروع نورد ستريم للغاز الروسي نحو ألمانيا.. بالطبع، قد يكون الاضطراب مع السعودية أمراً محفوفاً بالمخاطر، لكن هذه هي استراتيجية روسيا الحالية".

توجه جيوسياسي أم تجاري؟

ويقرأ رئيس شركة آسكا للاستشارات البترولية عبد السميع بهبهاني، الانهيار التاريخي في أسعار النفط، بالتناقض الذي بدأ بين أوبك ودول التحالف، فروسيا لديها مشاريع في أوروبا وفي الوقت نفسه لدى السعودية خصومات في الأسعار في أوروبا، الأمر الذي سبّب نوعاً من التناقض.

وقال بهبهاني في حديث لـTRT عربي، بوجود "توجُّه روسي جيوسياسي وتوجه تجاري سعودي بحت، ما أدى إلى تناقض الأسباب، بخاصة أن المشروع الروسي في أوروبا كبير وصرف عليها مليارات الدولارات، في الوقت الذي تزاحم الولايات المتحدة الروس عن طريق العقوبات والضغط على الشركات بعدم التجاوب مع المشاريع الروسية وتصدير الغاز.

وأشار إلى أن التوجه الروسي الآن هو فرض النفس في أوروبا ومخاصمة واشنطن، في وقت تخشى فيه الرياض من فقدان النفوذ في الأسواق العالمية.

وفيما يخص تأثير فايروس كورونا قال بهبهاني: "إن الفيروس حرك هذه المشاكل وبيّنها"، لكنه لم يَرَ علاقة بين الهبوط الحالي ووباء كورونا، فهي قضية جيوسياسية أكثر، على حد تعبيره.

وأضاف: "باعتقادي أن النشاط النفطي في الولايات المتحدة يسير بالصورة العادية مقارنة بعام 2019، بينما نجد أن عملية خفض الطلب الصيني لنفط أوبك أدى إلى تضارب للأرقام في آسيا".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً