انتقد الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي "النفاق" الذي تمارسه فرنسا في علاقتها مع الجزائر (Reuters)
تابعنا

منذ انطلاق الحراك بفبراير/شباط 2019 ضد تولِّي عبد العزيز بوتفليقة ولاية خامسة، تشهد العلاقات بين الجزائر وفرنسا مرحلة غير مسبوقة من التشكيك وعدم الثقة.

يعد العنوان الأبرز لهذه المرحلة هو "التدخلات الفرنسية"، التي لا تزال مستمرة منذ قدوم الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم في ديسمبر/كانون الأول 2019 حتى اليوم، وهو الأمر الذي تواجهه الجزائر بحزم.

وفي آخر تصريح جزائري بهذا السياق، انتقد الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي الطيب زيتوني "النفاق" الذي تمارسه فرنسا في علاقتها مع الجزائر، وقال إنها تُظهِر شيئاً وتُخفِي عكسه.

وربط زيتوني في تصريحات نشرتها صحيفة الشروق الجزائرية خلال استضافته في "منتدى الشروق" الخميس، ما يجري بين الجزائر وفرنسا هذه الأيام، بالنزاع القديم المتجدد الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية، وقال إن فرنسا لم تستسغ فكرة أن الشعب الجزائري تمكَّن من تقرير مصيره وبات سيد قراره.

وبين أن "بعض اللوبيات التي لها سطوة على مصادر صناعة القرار في فرنسا لم تستفق بعد من صدمة استقلال الجزائر".

وأضاف: "الرئيس تبون مد يده إلى فرنسا من أجل إعادة بناء علاقات بعيدة عن الأبوية، قائمة على الاحترام المتبادل ووفق منطق رابح-رابح، على الأقلّ بحكم الجيرة، لكن الطرف الفرنسي للأسف لا يزال يتبنى المواقف المزدوجة".

ومن هذه النقطة بالتحديد تُمكن العودة إلى التدخلات الفرنسية التي بدأت منذ "المكالمة غير السارة وغير المباشرة" بين تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان قد اكتفى بضرورة "أن يحاط علماً" بانتخاب الرئيس الجزائري.

وقال تبون وقتها لدى انتخابه في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، حسب صحيفة "لوبوان" الفرنسية: "لن أجيبه، لقد انتُخبت من قبل الشعب الجزائري وأنا أعترف به فقط".

وعلقت لوبوان على الأمر بالقول إن "السلطات الجزائرية تعرضت للإهانة علناً وسراً، من خلال تدخُّل فرنسا في أجندتها".

وبعد أسبوع أي في 17 ديسمبر/كانون الأول، بدا أن كل شيء عاد إلى طبيعته عندما اتصل ماكرون بنظيره الجزائري، متمنياً له "خالص التمنيات بالنجاح"، لكن الأمر لا يبدو كذلك.

فيلم مسيء

فقد ظهرت على السطح أزمة أخرى بين البلدين بعد بث قناة فرانس 5 نهاية شهر مايو/أيار 2020 فيلماً وثائقياً عن الحراك والشباب الجزائري، تسبب في استدعاء الجزائر سفيرها بباريس.

واستعرض الفيلم الذي زادت مدته عن ساعة كيف كان بوتفليقة يحكم البلد بقبضة من حديد، مدعياً أنه الضامن الوحيد للاستقرار والقضاء على الإرهاب، الذي صوّر الفيلم أن الإسلاميين هم من كانوا وراءه.

كما استعرض في الدقائق الأولى الوضع الاجتماعي الذي كانت تعيشه الجزائر من رشوة وفقر وفساد مالي حمَّلوا مسؤوليته للنظام السابق، وادعى أن المرأة لا تحصل على حقوقها وأن حريتها محاصَرة.

ردت وزارة الخارجية الجزائرية باستدعاء سفيرها للتشاور ثم أصدرت بياناً قالت فيه: "الطابع المطَّرد والمتكرر للبرامج التي تبثها القنوات العمومية الفرنسية التي تبدو في الظاهر تلقائية بحجة حرية التعبير، ليست في الحقيقة إلا تهجماً على الشعب الجزائري ومؤسساته، بما في ذلك الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني".

وتابع البيان: "يكشف هذا التحامل وهذه العدائية عن النية المبيتة والمستدامة لبعض الأوساط التي لا يروق لها أن تسود السكينة العلاقات بين الجزائر وفرنسا بعد 58 سنة من الاستقلال في كنف الاحترام المتبادل وتوازن المصالح التي لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال موضوعاً لأي تنازلات أو ابتزاز من أي طبيعة كان".

وتنبع التدخلات الفرنسية من أن الجزائر وعلى الرغم من حصولها على الاستقلال رسمياً في 1962 فإنها ظلت تابعة لفرنسا ثقافياً وسياسياً واقتصادياً أيضاً، من خلال مسؤولين حكموا البلد بأجندات خارجية، وفق مراقبين.

لكن المشاركين بالحراك ضد الطبقة الحاكمة السابقة لم يستثنوا باريس أيضاً في هتافاتهم ورفضوا مراراً محاولات تدخُّل فرنسا وطالبوها بالاعتذار عن سنوات الاستعمار.

وفي حوار سابق له مع قناة "فرانس 24" قال تبون إنه "يريد اعتذاراً من فرنسا عن ماضيها الاستعماري، وهو المطلب المحوري الذي يتفق عليه غالبية الجزائريين، على اعتبار أنه خيار لا يمكن التنازل عنه مقابل تطوير العلاقات الثنائية".

"دعم الإرهابيين"

ومن الأزمات التي لاحت في الأفق مؤخراً انتقاد الجزائر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي الحكومة الفرنسية، على خلفية صفقة الإفراج عن مختطفين مقابل إطلاق متشددين في مالي في الشهر نفسه.

وحذرت الجزائر وقتها من أن إطلاق سراح إرهابيين في مالي مقابل تحرير رهينة فرنسية، يمثل "تهديداً" للأمن القومي للجزائر عبر حدودها الجنوبية مع الدولة الإفريقية.

وجرى تداول أنباء عن صفقة جرى بموجبها الإفراج عن أكثر من 100 سجين من الإرهابيين على الأراضي المالية مقابل تحرير 4 رهائن، بينهم الناشطة صوفي بيترونين، آخر رهينة فرنسية في العالم والسياسي المالي البارز إسماعيل سيسيه فضلاً عن رهينتين إيطاليتين أحدهما قسّ اختُطف في النيجر.

وفي ديسمبر/كانون الأول الجاري جدد رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز جراد قلق بلاده من حصول الجماعات الإرهابية النشطة في القارة الأفريقية أخيراً على مبالغ مالية مهمة مقابل تحرير الرهائن، ووصفت ذلك بـ"العمل الذي يقوض ويعوق جهود مكافحة الإرهاب".

وكان جراد يشير بوضوح إلى الصفقة التي عقدتها فرنسا مع تنظيم "أنصار الإسلام والمسلمين" الموالي لـ"قاعدة المغرب الإسلامي"، والمتمركز في شمال مالي، حصل بموجبها التنظيم على ما يقارب 10 ملايين يورو، حسب صحيفة لوموند الفرنسية.

وتتخوف الجزائر من أن توجه التنظيمات الإرهابية عوائد الفدية للتسلح واستهداف الجزائر، وبرزت أحاديث حينها عن ازدواجية المعايير الفرنسية بين محاربة التطرف ودعم الإرهابيين.

ردود جزائرية

الجزائر لم تصمت على الإهانات والتدخلات الفرنسية المستمرة، وردت حسب وسائل إعلام، باعتقال أعضاء كبار في اللوبي الداعم لباريس.

كما أدانت الجزائر نهاية نوفمبر/تشرين الثاني لائحة للبرلمان الأوروبي تنتقد وضع حقوق الإنسان بالبلاد، واصفة ما جاء فيها بأنه "إهانة" وينم عن "أبوية" تعود إلى العهد الاستعماري، في إشارة إلى فرنسا.

وبات الجزائريون ينظرون بعين الريبة إلى الدور الفرنسي في بلادهم، إذ تزامن صدور لائحة البرلمان الأوروبي مع تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمجلة "جون أفريك" تعهَّد فيها بمساعدة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي وصفه بـ"الشُجاع" في إدارة ما سمَّاها (مرحلة انتقالية)".

وعبَّر النائب وعضو قيادة حركة مجتمع السلم الإسلامية ناصر حمدادوش عن انتقاده لهذا التصريح بقوله إن "فرنسا الرسمية التي تعاني تراجعاً رهيباً في مشهد الهيمنة الدولية، يجب فقط أن تعود إلى حديقتها الخلفية، مستعمراتها السابقة، للتدخل هناك، وكأن باريس لا تعترف لا باستقلال هذه البلدان ولا بسيادتها".

تابع النائب حمدادوش بأن "هذه الرسائل الودية بين الرئيسين لا تشرفنا ولا تقلقنا"، داعياً السلطات الجزائرية إلى "اتخاذ موقف قوي ضد التدخل الفرنسي".

وردت الجزائر أيضاً على باريس في مايو/أيار الماضي بتعطيل صفقات كبرى لشركات فرنسية على غرار عملية شراء العملاق الفرنسي الناشط في قطاع الطاقة "توتال"، لأصول العملاق الأمريكي "أناداركو" في الجزائر.

واتخذت العديد من الوزارات والمؤسسات العمومية في البلاد إجراءات لتدعيم اللغة الإنجليزية وإسقاط الفرنسية المهيمنة، وهو مطلب طالما طالب به الجزائريون.

وفي يناير/كانون الثاني 2020 دعا تبون لأن يسود "الاحترام المتبادل" العلاقات الجزائرية-الفرنسية، وذكّر بأن "الجزائر ليست محمية لفرنسا"، وأوضح أن "الجزائر بجيلها الجديد وقيادتها لا تقبل أي تدخل أو أن تمارَس عليها وصاية".

لحظات وصول صوفي بيترونين إلى فرنسا بعد صفقة تحريرها (Reuters)
المشاركون في الحراك ضد الطبقة الحاكمة لم يستثنوا باريس أيضاً في هتافاتهم ورفضوا مراراً محاولات تدخُّل فرنسا (AP)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً