ألقى مقتل الفتى الفرنسي من أصول جزائرية نائل مرزوقي (17 عاماً) بمزيد من التوتر على العلاقات المتأرجحة بين باريس والجزائر، ما من شأنه تأجيل زيارة الرئيس عبد المجيد تبون لفرنسا إلى ما بعد يوليو/تموز الجاري، بعد أن أُجّلت أكثر من مرة.
فالموقف الجزائري الرسمي لم يلعب دور المراقب من بُعد كما في السابق، بل فضّل أن يعبّر عن موقفه بصراحة غير معتادة دبلوماسياً، ما يرجح استمرار حالة الفتور في العلاقات رغم محاولات احتواء مختلف الأزمات بين الجانبين.
كيف تعاملت الجزائر مع مقتل الفتى نائل؟
لم تعتَد الدبلوماسية الجزائرية أن تعلّق على احتجاجات الضواحي الفرنسية التي تقطنها فئات مهمشة من المهاجرين، بخاصة الجزائريون منهم، لكن بعد مقتل الفتى الفرنسي نائل مرزوقي ذي الأصول الجزائرية، برصاص شرطي فرنسي بسبب مخالفة مرورية، كان رد الفعل الجزائري مختلفاً هذه المرة.
فبعد ثلاثة أيام من مقتل القاصر نائل، أصدرت الخارجية الجزائرية بياناً في 29 يونيو/حزيران المنصرم، استعملت فيه مصطلح "وحشي" الذي طالما كان مرتبطاً في اللا وعي الجزائري بجرائم الاستعمار الفرنسي.
وأفاد البيان بأن الجزائر "علمت بصدمة واستياء بنبأ وفاة الشاب نائل، بشكل وحشي ومأساوي، والظروف المثيرة للقلق بشكل لافت، التي أحاطت بحادثة الوفاة".
وبعدما قدّمت "خالص التعازي لأسرة الفقيد، التي نؤكد لها أن الجميع في بلدنا يشاطرها حزنها وألمها"، شددت الخارجية الجزائرية على ثقتها بـ"قيام الحكومة الفرنسية بواجبها في الحماية بشكل كامل بحسب حرصها على الهدوء والأمن اللذين يجب أن يتمتع بهما مواطنونا في بلد الاستقبال الذي يقيمون به".
وفي هذا البيان اعتراف بأن نائل مواطن جزائري، رغم حمله الجنسية الفرنسية، وتذكير لباريس بواجبها القانوني والإنساني والأخلاقي بحماية المواطنين الجزائريين.
ورغم أن لغة البيان كانت صارمة وابتعدت قليلاً عن اللهجة الدبلوماسية المعتادة، فإن انتظار الخارجية الجزائرية ثلاثة أيام لإصدار هذا البيان ينمّ عن أن مصطلحاته كانت منتقاة بدقة، وتعكس سياسة جديدة في التعامل مع "الاعتداءات" التي تطال أفراد الجالية الجزائرية في فرنسا بين فينة وأخرى، في ظلّ تصاعد خطاب اليمين المتطرف ضد المهاجرين، والمسلمين منهم خصوصاً.
لكن بيان الخارجية الجزائرية لم يمرّ مرور الكرام في فرنسا رغم صمت الإليزيه (الرئاسة الفرنسية)، إذ تَولَّى اليمين المتطرف الهجوم على الجزائر، بل وحاولت وسائل إعلام فرنسية اتهامها بتسييس قضية نائل.
ما تداعيات مقتل نائل على العلاقات الجزائرية-الفرنسية؟
لا شك أن مقتل نائل نكأ الجرح الغائر في العلاقات بين البلدين، وأصبحت زيارة الرئيس تبون لباريس أبعد ما يكون، بخاصة في يوليو/تموز الجاري الذي يمثّل ذكرى استقلال الجزائر وأيضاً احتلال فرنسا للعاصمة الجزائرية.
وعدم زيارة تبون لباريس يعني فشلاً لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بخاصة أن الأول زار موسكو في ذروة الأزمة مع الغرب، ما قد يدفعه إلى التصعيد مع الجزائر، ولعب ورقة التأشيرة مجدداً، رغم أنه يدرك أن أجنحة داخل الدولة العميقة في فرنسا ترفض أي تقارب مع الجزائر يحمل معه تنازلات، بخاصة في ملف الذاكرة.
وهذا الوضع السياسي المتأزم من شأنه أن ينعكس سلباً على عمل لجنة المؤرخين المشتركة، التي قد ينهار عملها إذا ما خرجت بنتائج قد تنسف المبادئ المؤسسة للرؤية التاريخية للاستعمار الفرنسي بالجزائر.