السيسي وصل إلى الحكم في مصر  بانقلاب عسكري عام 2013 (AP)
تابعنا

10 سنوات مرت على تنحّي الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك من منصبه، بعد أيام من اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني التي أطاحت به، لكن مشهد القمع وتردّي الأوضاع الاقتصادية والسياسية في مصر ما زال على حاله، فمن طاغية إلى آخر ينتقل الحكم في مصر، قافزاً عن فترة بسيطة عاشت فيها مصر حياة ديمقراطية إثر فوز الرئيس المصري السابق محمد مرسي بالانتخابات بعد الثورة.

وبدا مبارك بهيئة الحاكم القوي الذي لا يزعزع عرشَه شيء، واحتفظ بالسلطة لفترة أطول من أي حاكم آخر منذ عهد محمد علي باشا، مؤسس الدولة المصرية الحديثة، "وبدا كأنه يتحدى الشيخوخة نفسها"، حسبما كتب مايكل سلاكمان في صحيفة نيويورك تايمز.

وكشفت الثورة أن ما بناه مبارك كان هشاً ومؤقتاً، لأن أساس حكمه كان مزيجاً من القبضة القوية والفساد والتحالف مع الغرب، يعتمد على مبادئ توجيهية لنظامه تقوم على الأمن والاستقرار، ودعائم دولته هي الشرطة وأجهزة المخابرات وشخصه. لذلك وضع وطنه، والغرب، أمام خيارين، إما أن أبقى في السلطة، وإما أن تسود الفوضى، وكان تركيزه على الأمن يقتصر على أمن النظام.

اعتقد مبارك أن الاستقرار أهم من أي تطور، ولم يكن لديه أي رؤية خاصة ولا إنجاز ملحوظ، وكل ما فعله كان الحفاظ على الوضع الراهن دون محاولة تحسينه، وكانت مساهمته في حل المشكلات المزمنة التي تعاني منها مصر، مثل الأمية والفقر والمرض، ضئيلة للغاية

الصحفي المصري - سلامة أحمد

ومع أن مبارك رحل، فإن بعض مَن قامت ضدهم الثورة عادوا ليتصدروا المشهد، بعد تبرئتهم من التهم التي وُجهت ضدهم وإلغاء التحفظ على أموالهم فيما بعد، في الوقت الذي بقي فيه رموزها بين السجون والمنافي والملاحقات، الأمر الذي أدى إلى إحباط عامّ لدى كل المؤمنين بالثورة، بخاصة أن الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والسياسية عادت أسوأ مما كانت عليه قبل هذا التنحي، حسب منظمات حقوقية وخبراء ومراقبين.

وعلى الرغم من موت مبارك، فإن المحاكمات "الوهمية" له ولنجليه ولعديد من قيادات الشرطة، على خلفية قتل المتظاهرين إبان الثورة، ما زالت عالقة في أذهان المصريين، بخاصة بعد صدور الحكم المبدئي فيها بالحبس المؤبد لمبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، وبراءة باقي المتهمين، ثم إلغاء القرار والحكم لهم بالبراءة أمام محكمة أخرى في عهد السيسي.

ويسلط تقرير نشره موقع شبكة CNN الأمريكية، الضوء على سنوات حياة مبارك الأخيرة التي كانت موزعة "بين الفيلا الخاصة به والكائنة في حي مصر الجديدة الراقي بالقاهرة، وإقامته على شاطئ البحر في شرم الشيخ"، ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام الإقليمية، عاش الرجل الذي كان يطلق عليه ذات مرة اسم "الفرعون الأخير"، أيامه الأخيرة في سلام ورخاء نسبيين.

والأكثر أهمية من صدمته بدخوله السجن، ثم تنعُّمه بالهدوء النسبي قُبيل وفاته، أنه "عاش حتى شهد زوال الثورة التي أطاحت به"، وكان هذا بمثابة "ترضية قاسية"، على حد قول صحيفة واشنطن بوست.

تردّد في قرار التنحي

يروى الدكتور حسام بدراوي، آخر أمين عامّ للحزب الوطني المنحلّ، في كتابه "رجل العاصفة"، بعض الملابسات التي أحاطت بقرار مبارك بالتنحّي وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد.

وقال بدراوي إنه "اجتمع بمبارك وعرض عليه رؤيته بإجراء انتخابات مبكرة ونقل السلطة، وهو ما رفضه الرئيس الأسبق، وأكد أنه سيخرج بعد 8 أشهر، ولن يترشح، فكان رد حسام بدراوي: "سيادة الرئيس متزعلش منى، أنا باكلم سيادتك وشاوشيسكو أمام عيني"، في إشارة إلى الرئيس الروماني الأسبق الذى قبض عليه الثوار عليه هو وزوجته، ومحاكمته ثم إعدامه.

وأكّد بدراوي أن الخيارات أمام مبارك كانت ضئيلة، ولم يملك منها سوى إعلان تنحيه، لكنه لم يوافق على قراءة بيان التنحي بنفسه، وطلب من نائبه عمر سليمان إلقاء الخطاب بدلاً منه.

الدرس الخطأ

يسير عبد الفتاح السيسي على خطى مبارك، وإن لم تجمع بينهما علاقة قوية، فقد أجاب مبارك عن سؤال المذيع المصري ممتاز القط عندما زاره في المشفى بأيامه الأخيرة، بأنه لم يلتقِ السيسي بشكل مباشر، لكن جميع التقارير التي كانت تأتيه عندما كان رئيساً للجمهورية، تُجمِع على أن السيسي الذي كان يعمل آنذاك في جهاز المخابرات المصرية، كان شخصاً هادئاً جداً وصارماً وصاحب رؤية جيدة.

وكان عبد الفتاح السيسي، في عهد الرئيس حسني مبارك، نادراً ما يظهر على وسائل الإعلام، وكان أول ظهور له بطريقة مباشرة، عندما عيّنه الرئيس المعزول محمد مرسي وزيراً للدفاع في أغسطس/آب 2012.

وعلى الرغم من ذلك، تعلم السيسي الدرس الخطأ من مبارك، برأي الصحفي فرانسيسكو سيرانو في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي"، قال فيه إن السيسي "يبدو كتلميذ لمبارك الذي حكم مصر مدة ثلاثين عاماً، وانتهى حكمه بعد سنوات من الشلل السياسي والحنق الاقتصادي في ثورة عام 2011 أطاحت به في 18 يوماً".

واعتقد سيرانو أن السيسى يخشى عودة المتظاهرين إلى الشوارع، بالنظر إلى "مستوى العنف الذي يمارسه ضد المصريين في السنوات الماضية، مشيراً إلى أنه رغم حكم مبارك المستبدّ، فإنه كان يترك بعض المساحات الصغيرة للسيطرة على المعارضة، و"فهم رغم غياب الرؤية السياسية أهمية وجود صمامات ضغط". لكن السيسي حدّ من كل أشكال المعارضة على اعتقاد أن هذه الأشكال مهما كان حجمها، كانت الخطأ الفادح الذي ارتكبه مبارك. واختار الحاكم الديكتاتوري الحالي لمصر طريقاً آخر هو محو أي مساحة للنقاش العام.

وبينما تمتلئ السجون المصرية بعشرات آلاف المعتقلين السياسيين، تشنّ القاهرة حرباً على الأطباء والعاملين في الصحة، إذ مات مئات الأطباء والعاملين في الطواقم الصحية منذ بداية فيروس كورونا، وكشف النقص في المعدات الواقية وأجهزة التنفس التي يحتاج إليها الأطباء ومرضى كوفيد-19 عن المشكلات التي يعاني منها النظام الصحي.

ويعتقد الكاتب أن قمع السيسي للأطباء المصريين هو أبعد من كونه محاولة لإخفاء ضعفه وقصوره، فالحكومة تلاحق تحديداً الأطباء لأنهم كشفوا للعالم عيوب الحكومة المصرية عموماً، فالمشاريع التي تعبّر عن الغرور مثل بناء عاصمة جديدة أمر بها السيسي في الصحراء بكلفة 66 مليار دولار، لن تساعد على تغيير حياة الناس العاديين في مصر، بل ويكشف المشروع عن غياب القدرة وسوء توزيع المصادر المالية، مما يجعل نظام السيسي تكراراً ولكن بشكل أعنف لسنوات مبارك. والغريب أن الرئيس المصري يرفض الاعتراف بأن الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمبارك كانت نتيجة الاضطهاد.

هندسة السلام والسياسة الخارجية

حاول السيسي الحفاظ على علاقته بالدول الغربية والولايات المتحدة وإسرائيل كما فعل مبارك الذي احترمه الغرب لحفاظه على معاهدة السلام مع إسرائيل، رغم أنه كان صاحب الضربة الجوية الأولى ضد إسرائيل في حرب أكتوبر/تشرين أول 1973، إلى حين وصوله إلى سدة الرئاسة بعد حادثة اغتيال سلفه أنور السادات، حسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية التي احتفت به في مقال نشرته بعد موته، لفتت فيه إلى أنه حصل على دعم الغرب من خلال التزامه معاهدة السلام مع إسرائيل التي وقّعها سلفه، والضغط من أجل حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

وأشارت شبكة CNN الأمريكية إلى أن الرئيس الأسبق عارض الغزو الأمريكي للعراق في 2003، ولعب دوراً بارزاً في المحادثات والمفاوضات التي تهدف إلى إنهاء الصراع طويل الأمد بين فلسطين وإسرائيل.

وقالت BBC إن مبارك كان رجلاً بخلفية عسكرية، لكنه أكّد التزام بلاده السلام الدولي، بما في ذلك وساطته بين إسرائيل والفلسطينيين، ودوره في حرب الخليج، وكذلك حرصه على بناء علاقات قوية مع القادة العرب، بمن في ذلك وليّ العهد السعودي وقتذاك الأمير فهد بن عبد العزيز.

تحالف جديد

ونتيجة لتشابه الاستبداد في عهد مبارك والسيسي، كان لا بد من حلّ، لكن حتى الآن لم يستطِع الشعب المصري التوحُّد مرة أخرى ضد السيسي، فقد باءت المظاهرات التي دعا إليها المقاول والفنان المصري محمد علي بالفشل، لكن لم يكتنف اليأس بعض المعارضين المصريين في الخارج، لقدرتهم على التحرك، إذا أعلنوا تشكيل "اتحاد القوى الوطنية المصرية"، كتحالف جديد لقوى معارضة للنظام المصري، وكممثل لها أمام الجهات الدولية والإقليمية.

ووفقاً لمعلومات خاصة حصلت عليها وكالة الأناضول من مصدر مطلع، سيدشَّن الاتحاد الخميس بأحد فنادق إسطنبول، وسيضمّ "طيفاً من الشخصيات، بينهم أيمن نور المرشح الرئاسي الأسبق والمعارض بالخارج، وممثلون للإخوان، وليبراليون وشخصيات مستقلة".

واستقرّ المؤسسون للاتحاد على اختيار يوم 11 فبراير الجاري لإعلانه على اعتبار أنه يمثل للمصريين فرحة برحيل مبارك، وتأكيد مطلب رئيسي هو"إسقاط" الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.

وسيكون "اتحاد القوى الوطنية المصرية" في الخارج بمثابة "مظلة وطنية لكيانات قائمة وأحزاب وتيارات وجماعات سياسية وشخصيات عامة يجمعها مطلب إسقاط السيسي، والتنسيق والتمثيل أمام كل الجهات الدولية والإقليمية المعنية بالوقوف على حقيقة الأوضاع الكارثية بمصر، وفق المصدر.

وتتمثل أبرز الأهداف في "إسقاط السيسي، وتحقيق أهداف ثورة يناير كاملة، العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية، والإفراج الفوري عن المعتقلين، وتحقيق العدالة الانتقالية الناجزة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً