أوروبا القديمة مقابل الجديدة.. كيف تشكّل الحروب الاصطفافات داخل القارة؟ / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

للقارة الأوروبية تاريخ طويل ومعقد شكّلَته الحروب والتحالفات والمشهد الجيوسياسي دائم التغيُّر. ولعلّ أحد أهمّ الانقسامات داخل أوروبا هو التمييز بين "أوروبا القديمة" و"أوروبا الجديدة"، التي تشكلت من خلال عدد من العوامل، بما في ذلك الحروب والتحالفات مع الولايات المتحدة.

هذه المصطلحات صيغت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، "أوروبا القديمة" لوصف الدول الأوروبية التي عارضت غزو الولايات المتحدة للعراق، وكان يُنظر إلى هذه البلدان، بخاصة فرنسا وألمانيا، على أنها تمثل الحرس القديم لأوروبا الذي فضّل الدبلوماسية والتعددية على التدخل بالطريقة الأمريكية.

في غضون ذلك كان يُطلَق على الدول التي دعمت الحرب، ولا سيما في أوروبا الشرقية، لقب "أوروبا الجديدة"، التي يُنظَر إليها على أنها أكثر انسجاماً مع الولايات المتحدة وأكثر استعداداً لتبنّي سياسة خارجية أكثر قوة.

أوروبا بين القديم والجديد

غالباً ما يُستخدم مصطلح "أوروبا القديمة" للإشارة إلى دول أوروبا الغربية التي لها تاريخ طويل من العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية. فكما نعرف كانت هذه البلدان، مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، لاعبين رئيسيين على المسرح العالمي لعدة قرون وكانت في كثير من الأحيان في قلب الصراعات الأوروبية.

في المقابل تشير "أوروبا الجديدة" إلى دول أوروبا الشرقية التي كانت تحت السيطرة السوفييتية خلال الحرب الباردة التي ظهرت مؤخراً كدول مستقلة. وفي معظم الأحيان يُنظَر إلى هذه البلدان، مثل بولندا والمجر وجمهورية التشيك، على أنها أقل تأثيراً على المسرح العالمي وكان عليها أن تبحر في مشهد جيوسياسي معقد في حقبة ما بعد الحرب الباردة.

من جهة أخرى يوجد ما يسمى "الأربعة المقتصدون" (النمسا والدنمارك وهولندا والسويد) الذين طالما شككوا في التكامل الأوروبي، وهم الآن يقاومون الخطط الطموحة التي قدّمَتها فرنسا وألمانيا لتعميق الاقتصاد والتكامل السياسي داخل الاتحاد الأوروبي، إذ يشعر هؤلاء الأربعة بالقلق إزاء تكلفة هذه الخطط ويعتقدون أنها قد تكون ضارة بمصالحهم الوطنية.

حروب واصطفافات

لعبت الحروب دوراً مهمّاً في تشكيل الاصطفافات داخل أوروبا، لا سيما في ما يتعلق بالعلاقة بين القارة وحليفتها الأمريكية. خلال الحرب العالمية الثانية لعبت الولايات المتحدة دوراً حاسماً في المساعدة على هزيمة ألمانيا النازية وتحرير أوروبا الغربية من قبضة الفاشية. أدّى ذلك إلى علاقة قوية بين الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا الغربية، التي استمرت حتى يومنا هذا.

مع ذلك كانت العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا أكثر تعقيداً في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بدأت دول أوروبا الشرقية تظهر كدول مستقلة، وسعى عديد منها للانضمام إلى الناتو وتكوين علاقات أوثق مع الولايات المتحدة. سبّب ذلك توتُّراً مع دول أوروبا الغربية القديمة، التي كانت قلقة من توسيع حلف الناتو وربما استعداء روسيا.

لتأتي حرب العراق عام 2003 وتزيد تعقيد العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا، إذ عارض عديد من دول أوروبا الغربية الحرب فيما أيدتها دول أوروبا الشرقية. أدى ذلك إلى ظهور "أوروبا القديمة" مقابل "أوروبا الجديدة"، إذ يُنظَر إلى الأولى على أنها أكثر تَشكُّكاً في القوة الأمريكية، والأخيرة أكثر استعداداً للانضمام إلى الولايات المتحدة.

الآن بعد أكثر من عقدين من الزمن، عاد المصطلحان للظهور، لكن هذه المرة تختلف خطوط التقسيم، خصوصاً أن القضية المطروحة ليست تَدخُّلاً عسكرياً خارج حدود القارة في الشرق الأوسط، بل صراع عسكري مباشر مع روسيا في حديقة أوروبا الخلفية.

ما علاقة الحرب الأوكرانية بالاصطفاف الأخير؟

لا يزال التوصيف الأمريكي قائماً بعد مرور 20 عاماً منذ أطلقه وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد. وقد أُعيدَ إحياؤه بفعل انفجار الحرب المفتوحة على الحدود الشرقية لأوروبا، التي حرّكَت مجموعة من الدول التي كانت في السابق في فلك الكرملين، وفقاً لما نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

حسب الصحيفة، كان قادة الحكومات في بولندا ودول البلطيق هم الأكثر ثباتاً في دعمهم كييف، وكانوا متشككين في أي مبادرات دبلوماسية قُدّمَت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كانت الحرب في أوكرانيا بمثابة صدمة للقارة، ويبدو أن البلدان الواقعة في محيط روسيا كانت أكثر استعداداً وجاهزية للردّ على ما مثّلَته تلك الصدمة.

وفي زيارة لواشنطن الأسبوع الماضي استدعى رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي الانقسام، مستغلّاً أشهُر الاحتكاك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان هدفاً لكثير من الذعر الغربي بسبب محاولاته الفاشلة للتواصل مع بوتين قبل روسيا العام الماضي.

وقال موراويكي في مؤتمر صحفي مشترك مع نائب الرئيس هاريس: "أوروبا القديمة تؤمن باتفاقية مع روسيا، وأوروبا القديمة فشلت. لكن توجد أوروبا جديدة، أوروبا تتذكر ما كانت عليه الشيوعية الروسية، وبولندا زعيمة أوروبا الجديدة هذه".

TRT عربي
الأكثر تداولاً