المتظاهرون في السودان يطالبون الجيش بالتدخل من أجل تنحية الرئيس عمر البشير (AFP)
تابعنا

لم تكن الأيام الأخيرة في السودان بذات زخم البدايات من التظاهرات والاحتجاجات ضد الرئيس عمر البشير، الذي بدا وكأنه سيطر على الوضع أمنياً وشعبياً، بخاصة بعد القرارات التي اتخذها والتغييرات التي أحدثها داخل الدولة.

وفي الوقت الذي كانت أعين العالم تترقب ما يحصل في الجزائر، اختطف السودانيون المشهد مرة أخرى بعد توجههم بالآلاف إلى مقر قيادة الجيش الوطني، وإعلان اعتصام مفتوح في باحاته من أجل التدخل لتنحي البشير.

مطالبة المحتجين الجيش بالتدخل بدت في ظاهرها تقليداً لما حصل في الجزائر، على الرغم من الاختلاف بين البلدين على مستوى دور الجيش في العملية السياسية، لكن مع تدخله لحماية المتظاهرين واشتباكه مع قوات جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، برزت التساؤلات حول الدور القادم للمؤسسة العسكرية في البلاد، وعلاقتها مع المؤسسة الأمنية وجهاز الاستخبارات.

الجيش إلى جانب المحتجين؟

إلى حد الآن، وعلى مستوى المواقف الرسمية، لم تخرج المؤسسة العسكرية أي بيان أو موقف تُظهر فيه أي انحياز تجاه المتظاهرين أو الاحتجاجات، بل تعهد وزير الدفاع السوداني الفريق ركن عوض بن عوف، في آخر بيان له، بأن القوات المسلحة "لن تسمح بانزلاق البلاد نحو الفوضى".

وخلال اجتماعه بكبار قادة الجيش قال بن عوف إن "القوات المسلحة ليست ضد تطلعات وطموحات وأماني المواطنين، لكنها لن تسمح بانزلاق البلاد نحو الفوضى ولن تتسامح مع أي مظهر من مظاهر الانفلات الأمني".

لكن، وعلى مستوى الأحداث، بدا الجيش هذه المرة كأنه في صف المحتجين، وظهر ذلك جلياً في اصطدامه بقوات الأمن التي أرادت أن تفض الاعتصام عدة مرات بالقوة، وهو ما أسفر عن مقتل عنصرين في الجيش حسب مصادر في المعارضة السودانية.

هناك نقاشات مهمة تجري داخل الجيش لمواكبة التظاهرات المناهضة للرئيس عمر البشير إلا أنه لا شيء يشير حتى الآن إلى أن المؤسسة العسكرية قد تميل لجهة المتظاهرين

رولان مارشال - متخصص في شؤون النزاعات في القارة الأفريقية

وتأكيداً على ذلك، عدّ الباحث رولان مارشال، المتخصص في شؤون النزاعات في القارة الأفريقية لوكالة الصحافة الفرنسية، أن "نقاشات مهمة تجري داخل الجيش لمواكبة التظاهرات المناهضة للرئيس عمر البشير، إلا أنه لا شيء يشير حتى الآن إلى أن المؤسسة العسكرية قد تميل لجهة المتظاهرين".

وعلى الرغم من تشديد رئيس الأركان المشتركة كمال عبد المعروف على "وحدة المنظومة الأمنية وتماسكها، أي القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن والدعم السريع، وقيامها بواجباتها في حفظ الأمن وحماية المواطنين في تكامل وتنسيق للأدوار"، فيبدو أن الأوضاع لا تسير على هذه الشاكلة.

هناك خلاف بين المؤسسة الأمنية والعسكرية ظهر في رفض الجيش قرار الاعتصام من قبل جهاز المخابرات

تيراب أبكر تيراب - خبير أمني واستراتيجي

وفي هذا السياق، يرى تيراب أبكر تيراب، الخبير الأمني والاستراتيجي، أن هناك خلافاً بين المؤسسة الأمنية والعسكرية ظهر في رفض الجيش لقرار الاعتصام من قبل جهاز المخابرات.

ويذهب تيراب للقول بأن "احتماء المواطنين بالجيش في هذا الاعتصام أزعج قوات جهاز الأمن والمخابرات الوطني"، وهو ما تسبب في الاشتباك بين الطرفين.

وأفاد تيراب بأن المؤسسة العسكرية على مستوى القيادة هي جزء من نظام البشير، لكن "الخوف حالياً من الرتب الوسطى التي تعد امتداداً عائلياً للتحركات".

سيناريو الجزائر

تزامُن اعتصام السودان مع تطورات الجزائر، وتدخّل الجيش لصالح مطالب الناس، جعل من إمكانية استنساخ التجارب أمراً وارداً، خاصة أن الجيش يلعب دوراً رئيسياً في البلدين.

في هذا الإطار، يرى الباحث رولان مارشال، المتخصص في شؤون النزاعات في القارة الأفريقية، أن "النظامين مختلفان تماماً".

النظامان الجزائري والسوداني مختلفان تماماً لكن المتظاهرين السودانيين يريدون الاستفادة من النضج السياسي الذي كشف عنه الجزائريون

رولان مارشال - متخصص في شؤون النزاعات في القارة الأفريقية

وشبّه مارشال، في حديثه لوكالة الصحافة الفرنسية، بوتفليقة "برئيس مجلس الإدارة الذي يضم ممثلين عن مصالح مختلفة وفصائل تجارية وعسكرية" مشيراً إلى أن "في السودان يتخذ الأمر شكلاً أحادياً أكثر وعمودياً".

وأردف مارشال قائلاً إن "في الجزائر كان هناك رئيس عجوز ومريض في الثالثة والثمانين من العمر، في حين أن البشير لا يزال في الرابعة والسبعين ولا ينقصه النشاط والحيوية".

في المقابل، أشار إلى "أن المتظاهرين السودانيين يريدون الاستفادة من النضج السياسي الذي كشف عنه الجزائريون".

الجيش والبشير

شكّلت إقالة النائب الأول لرئيس الجمهورية، الفريق أول ركن بكري حسن صالح من منصبه، لحظة فارقة كبرى في علاقة الرئيس عمر البشير مع المؤسسة العسكرية.

فبالإضافة إلى أن بكري حسن صالح كان من عرّابي وصول البشير إلى السلطة عام 1989، فقد كان الرجل حتى تاريخ إقالته يعد الممثل الرئيسي للجيش في السلطة.

على إثر ذلك، أفاد رولان مارشال بأن ذلك "حرّك نقاشات مهمة داخل الجيش، حول الفساد الذي يعم أجهزة النظام، وحول الوضع الشخصي للبشير، وحول التدخل في اليمن".

وعلى الرغم من أن الرئيس البشير هو الذي عيّن كبار الضباط في مراكزهم، فإن لدى هؤلاء عائلات أيضاً، والعامل الأساسي الذي حرك الأزمة الحالية هو الوضع الاقتصادي، وهو ما يعني إمكانية انفلات الأمور، حسب مارشال.

إلا أنه لا شيء يشير حتى الآن إلى أن الجيش سيختار دعم المتظاهرين، لكن ما هو مؤكد حسب المتخصص في شؤون النزاعات في القارة الأفريقية أن "السودان دخل مرحلة جديدة لأن مسألة رحيل البشير قد فُتحت بالفعل".

TRT عربي
الأكثر تداولاً