حمدوك واجه صعوبات أثناء العمل على تفكيك المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد (AFP)
تابعنا

كان توقيع اتفاق المرحلة الانتقالية بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري في السودان أغسطس/آب الماضي خاتمة لحراك ثوري دامٍ أسقط الرئيس السابق عمر البشير بعد 30 عاماً من الحكم، وقضى الاتفاق بتشكيل حكومة مدنية انتقالية لإدارة البلاد في الفترة الانتقالية الممتدة 39 شهراً.

جاء إعلان الحكومة الجديدة في 5 سبتمبر/أيلول 2019 محمولاً بزخم وطموحات شعبية واسعة، لكن الملاحظ أنه بعد تسعة أشهر من ميلادها ما تزال الحكومة تواجه تحديات جمة في العديد من الملفات، وهو ما يلقي بالكثير من الشكوك حول قدرتها على النجاح في إدارة الفترة الانتقالية والعبور إلى بر الانتخابات العامة بعدها.

الاقتصاد..كعب أخيل

ورثت الحكومة السودانية تركة ثقيلة من النظام السابق الذي خلف اقتصاداً منهاراً ومعتمداً على الديون والمساعدات في تسيير أمور الدولة، وبلغت ديون السودان السيادية ما يقارب 58 مليار دولار في حين تبلغ الفوائد عليها 3 مليارات دولار، كما تضاعف العجز الكلي في ميزان المدفوعات خلال عام واحد فقط، حيث ارتفع من 13 مليار دولار عام 2017 إلى 25 مليار دولار تقريباً عام 2018.

ورغم محاولة حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك العمل على تفكيك المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد فإنها ووجهت بالصعوبات يأتي في مقدمتها رفض واشنطن رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، التي وضعت فيها منذ تسعينيات القرن الماضي.

والمفاعيل السلبية لهذا التصنيف كثيرة منها تقييد بيع وتصدير السلع ذات الاستخدام المشترك، وعدم تقديم أي معونات أو مساعدات مالية من شأنها أن تدفع الاقتصاد إلى الأمام، كماأنها تعيق الاستثمار الأجنبي في البلاد، وتؤدي إلى عزلها عن النظام المالي العالمي.

كما أن حاجة الخرطوم الماسة إلى الدعم الخارجي قوبلت بتردد الداعمين في مد يد المساعدة، ووفقاً لورقة صادرة عن المعهد الأوربي للشؤون الخارجية فقد تعهد الاتحاد الأوروبي بمبلغ 250 مليون يورو كمساعدة إنمائية جديدة بينما تعهدت السويد بمبلغ 160 مليون يورو وألمانيا 80 مليوناً وفرنسا 16 مليوناً و17 مليوناً، وهو ما يعد أرقاماً ضئيلة مقارنة باحتياجات السودان التي تبلغ، وفقاً لحمدوك، 10 مليارات دولار طوال المرحلة الانتقالية.

وممَّا زاد الأمور تعقيداً ربط صندوق النقد الدولي منح المساعدات للخرطوم بالتزامها بالإصلاحات الهيكلية المتضمنة رفع الدعم عن السلع الأساسية، وهو ما يصعب على الحكومة القيام به دون وجود ملاءة مالية تعينها على إقامة شبكة حماية اجتماعية للمتضررين من قرار كهذا.

ومنذ انفصال دولة جنوب السودان عام 2011 يعاني السودان من أزمة اقتصادية نتيجة فقدانه نحو ثلثي موارده النفطية نتيجة الانفصال، ما أدى إلى تدهور قيمة الجنية السوداني الذي وصل إلى 130 للدولار الواحد، ورافقه ارتفاع متواصل في معدلات التضخم بالبلاد حيث بلغت 98.81% أبريل/نيسان الماضي.

التدخل الخارجي..واقتصاد العسكريين

تضمن اتفاق قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي تشكيلَ مجلس سيادي انتقالي مناصفة بين المدنيين والعسكريين، وتحدد صلاحياته وصلاحيات الحكومة المدنية وفق الاتفاق المذكور.

ويرى مراقبون أن تردد داعمي الحكومة قابله دعم نشط من قبل المعسكر السعودي الإماراتي للشق العسكري في مجلس السيادة، فبينما اكتفت الدولتان بمنح الحكومة 750 مليون دولار من 3 مليارات أعلنتا عنها، يتزايد النفوذ الإماراتي في أوساط قوى سياسية سودانية مختلفة مما أثر في تليين مواقفها من العسكر.

ووفقاً لمحللين للشأن السوداني فإن أبوظبي تعمل على دعم موقف المؤسسة العسكرية في الساحة الخارجية حيث سهّلت على سبيل المثال عقد اجتماع بين برهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،متجاوزة سياسة وزارة الخارجية لدعم الحكم المدني، كما يشهد على النفوذ المتزايد للشق العسكري ترؤس نائب رئيس المجلس السيادي الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) لوفد الحكومة في مفاوضات السلام مع الجماعات المسلحة، كما يترأس أعضاء مجلس السيادة أيضاً العديد من اللجان المحورية الأخرى كلجنة مكافحة الفساد، ولجنة الطوارئ الاقتصادية.

ووفقاً لورقة صادرة عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية فإن امتلاك المؤسسة العسكرية الأمنية للعديد من الشركات محورية في مجالات اقتصادية مختلفة، بجانب سيطرة قوات الدعم السريع على مناجم ذهب في غربي البلاد، يوفر قدرات مالية كبيرة للجناح العسكري في السلطة، ما يقابله افتقار الحكومة المدنية إلى التمويل اللازم لإنجاز خططها ومشاريعها.

تفكك الظهير الشعبي للحكومة

كانت قوى الحرية والتغيير الواجهة السياسية للحراك الثوري في السودان، واستطاعت تنسيق الاحتجاجات حتى إسقاط الرئيس السابق عمر البشير وتوقيع اتفاق لإدارة المرحلة الانتقالية بالشراكة مع المجلس العسكري الانتقالي.

ولكن الخلافات سرعان ما أصابت هذا الائتلاف المكون من أطياف من القوى السياسية جمعتها الحاجة إلى قيادة الثورة السودانية، حيث بدأت التباينات مبكرة بين مكوناته حول العديد من القضايا كمشاركة العسكر في الحكم، وكيفية توزيع المناصب في المرحلة الانتقالية، وهو ما أدى إلى تجميد حزب الأمة مؤخراً مشاركته في هذا الائتلاف.

ولعل آخر تجليات هذه الحالة الخلاف العلني بين قوى داخل تجمع المهنيين السودانيين الذي ذاع صيته باعتباره المنسق الفعلي للمظاهرات في السودان طوال أشهر الثورة، حيث اتهم أحد أهم وجوه التجمع الدكتور محمد ناجي الأصم، يوم السبت 6/6، جهات حزبية داخل التجمع باختطافه على خلفية انتخابات سكرتارية التجمع التي وصفها بأنها مخالفة للأسس الديمقراطية، مؤكداً أن"هناك تكتلاً حزبياً داخل التجمع عطل الفترة الانتقالية"، وهو ما فسره المراقبون بالحزب الشيوعي السوداني الذي اتخذ موقفاًرافضاً للمشاركة في مؤسسات المرحلة الانتقالية.

ويجمع المتابعون للشأن السوداني أن التأثيرات السلبية لمجمل صراعات القوى المدنية الظهيرة للحكومة داخل الحرية والتغيير وخارجها تنعكس سلباً على أداء الأولى من جهة، وعلى مزاج الحاضنة الشعبية المؤيدة لها من جهة أخرى.

اضطرابات الأطراف

عانى السودان خلال الأشهر الأخيرة مجموعة من الاضطرابات المتقطعة في أقاليمه الطرفية، في ظل تراجع دور الجيش في ضبطها وعجز الحكومة عن السيطرة السريعة عليها.

وكان لإقليم شرق السودان نصيب كبير من هذا الاحتراب حيث شهدت ولاياته الثلاث بورتسودان وكسلا والقضارف جولات من العنف القبلي بين مكوناتها من قبائل البني عامر والحباب من جهة وقبائل النوبة والبجة من جهة أخرى، أسفرت عن تشريد العديد من أبناء القبائل المذكورة وتحريق بيوتهم، بالإضافة إلى خرق كبير في النسيج المجتمعي يصعب رتقه.

ولم تكن الحال أفضل غربي البلاد حيث اندلعت أعمال عنف بين قبائل مختلفة في كل من جنوب وشمال دارفور، وشهدت مدينة كادوقلي جنوب ولاية كردفان جنوبي البلاد اشتباكات عنيفة، وهو ما أسفر عن قتل عشرات المواطنين.

ويزيد الأمور تعقيداً صعوبات تواجهها بعض مسارات التفاوض بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، تتعلق بخلافات حول ملفات رئيسية من أهمها علاقة الدين بالدولة والترتيبات الأمنية، وهو ما قد ينعكس على الاستقرار في الأقاليم المعنية.

ووفقاً لمراقبين فإن الفساد المستشري في النظام البيروقراطي للدولة، وبقايا النظام السابق في الأجهزة الأمنية والعسكرية وما قد تشكله من خطر على المرحلة الانتقالية تضاف هي وغيرها إلى مجمل التحديات التي تفرض نفسها على الحكومة في الخرطوم.

غير أن صفوف الخبز والوقود الطويلة والتضخم المتصاعد وتردي مستوى الخدمات العامة تحديات من نوع آخر تؤرق المواطن السوداني وتسارع في تآكل شعبية الحكومة، وتفتح ساحة البلاد لاحتمالات مختلفة قد تكون العودة إلى الشوارع مجدداً إحداها.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً