الفترة السابقة شهدت تصعيداً كبيراً بين الولايات المتحدة والفصائل العراقية المدعومة من إيران (AA)
تابعنا

انتُخب إلى سدة الرئاسة في إيران محافظ متشدد، وحل الديمقراطي جو بايدن محل دونالد ترمب في البيت الأبيض، لكن الولايات المتحدة لم تتوقف عن إصدار الأوامر بقصف فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران.

فقد أثارت الضربات الجوية الأمريكية التي أوقعت قتلى في صفوف هذه الفصائل في العراق وسوريا مخاوف من تصعيد جديد بين الخصمين اللدودين. وعلى الرغم من أن واشنطن وطهران تأملان في إحياء اتفاق عام 2015 بشأن برنامج إيران النووي الذي انسحب منه ترمب، فإن تطورات الأمور قد تنذر بمواجهة جديدة.

هل هناك سوابق؟

قُتِل 25 مقاتلاً من فصائل عراقية موالية لإيران في ضربة جوية نفّذتها الولايات المتحدة نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019، أعقبها هجوم استهدف السفارة الأمريكية في بغداد ونفذه الحشد الشعبي وهو تحالف من فصائل موالية لإيران مندمجة في القوات الحكومية العراقية.

بعد ذلك، في 3 يناير/كانون الثاني 2020، نفّذت طائرات مُسيّرة أمريكية ضربة جوية استهدفت موكب مهندس الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس، قرب مطار بغداد، وأسفرت عن مقتلهما.

وأثارت تلك العملية مخاوف لفترة محدودة من اندلاع صراع مفتوح في العراق، بين حليفتي بغداد الولايات المتحدة وإيران.

وجاءت العملية ردّاً على تعرض المصالح الأمريكية في العراق لهجمات صاروخية متكررة، فيما نفذت واشنطن ضربات ضد فصائل موالية لإيران تتهمها بالوقوف وراء تلك الهجمات.

وتتواصل الهجمات حالياً ضد المصالح الأمريكية في العراق، لكن بأساليب تشكّل تهديداً أكبر وتوقِع أضراراً أضخم، لا سيما مع استخدام الطائرات المسيرة المفخخة كما حصل في مطار أربيل، عاصمة إقليم كردستان الذي كان يعدّ حتى الآن موقعاً آمناً.

وعموماً، بدأت الفصائل المولية لإيران مثل الحوثيين في اليمن والفصائل المتمركزة على الحدود العراقية-السورية، باعتماد تقنيات هجومية موحدة على مستوى أعلى باستخدام طائرات مُسيرة إيرانية الصنع بإمكانها أحياناً الإفلات من الدفاعات الجوية الأمريكية المنتشرة لردع الهجمات الصاروخية.

ما الذي تغير؟

خلطت الغارات الأمريكية ليل الأحد الاثنين، على الحدود العراقية السورية وما أعقبها من قصف مدفعي متبادل بين مقاتلين موالين لإيران والأمريكيين، الأوراق من جديد.

وقال المحلل المختص بالجماعات المسلحة العراقية حمدي مالك في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية إن "الخطوط الحمراء لإدارة بايدن قد تغيرت، فلم تعد واشنطن ترد على مقتل أمريكي، إنما ردها يأتي على أي تصعيد ضد قواتها خصوصاً الهجمات المتطورة بالطائرات المسيرة".

وأمام تصلب الرئيس الأمريكي الجديد الذي توقّعت الفصائل أن يكون أكثر مرونة معها مقارنة بدونالد ترمب، ضاعف الموالون لإيران من حدة هجماتهم. فقد حذّر زعيم عصائب أهل الحق، أحد أبرز فصائل الحشد الشعبي العراقية، في تصريحات له مساء الثلاثاء، من أن "عمليات المقاومة انتقلت إلى مرحلة جديدة".

وأضاف: "سننتقم للدماء الغالية لرجالنا بدماء جنود الاحتلال.. العين بالعين والسن بالسن".

وارتفعت أصوات عدة من عناصر الحشد الشعبي تدعو إلى شن هجمات مباشرة ضد "الاحتلال". وخلال مراسم التشييع الرمزي الثلاثاء لعناصر في الحشد الشعبي قضوا في القصف الأمريكي، طالب مقاتلون في الحشد قيادييهم بالتحرك. ويرى هؤلاء أنه بات ضرورياً اتخاذ خطوات عملية في هذا الصدد، فيما نددت بغداد رسمياً بالقصف و اعتبرته "انتهاكاً لسيادتها".

وبات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي يعتبر الحليف الأول للأمريكيين في العراق، مرغماً على تقديم مزيد من التنازلات للحشد الشعبي، فيما يبدو أنه يتجه إلى الانفتاح أكثر فأكثر نحو إيران مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في أكتوبر/تشريين الأول المقبل.

وفي حين ينوي الكاظمي إجراء زيارة رسمية قريبة إلى واشنطن، بات أول مسؤول يتلقى دعوة من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يوم فوزه بالرئاسة في انتخابات 18 يونيو/حزيران الجاري، لزيارة طهران.

التصعيد لمصلحة من؟

يرى خبراء أن كل الأطراف حتى الآن تحاول إظهار قوتها ورسم حدود للخصم، ولا توجد مصلحة لأي منها من تفجير الأوضاع، غير أنها وفي الوقت نفسه مرغمة على مواصلة التصعيد الكلامي ومقابلته بأفعال ملموسة من أجل إعادة ترتيب توازن القوى في ما بينها.

فقد أخذت إدارة بايدن "وقتها في الرد" على مقتل المتعاقدين الأمريكيين في العراق مطلع العام الجاري، وعلى هجمات الطائرات المسيّرة المفخخة ضد مصالحها في البلاد، كما أوضح دبلوماسي غربي لوكالة الصحافة الفرنسية، مضيفاً: "حالياً، بات ممكناً أن يتجه جو بايدن نحو مزيد من التصعيد".

وعلى الرغم من المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران حول الملف النووي الإيراني في فيينا، "يبدو أن بايدن يميّز بين طاولة المفاوضات وبين هذه الفصائل التي تضغط لتحسين شروط التفاوض لصالح إيران"، كما يرجّح الباحث في الشؤون السياسية العراقية إحسان الشمري في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية.

من جهته يرى حمدي مالك أنه وبالنتيجة "وعلى الرغم من أن إيران تشجع المجموعات المسلحة العراقية على مواصلة هجمات محدودة ضد الأمريكيين، فإنها لا تريد حرباً حقيقية".

ويبدو أيضاً أن الأمريكيين لا يرغبون في مثل هذه الحرب، فهم بصدد الانسحاب من مناطق متعددة ويريدون كذلك تقليص عدد قواتهم في الخارج، لا سيما في العراق.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً