الجزائر (Reuters)
تابعنا

بعد مرور أسبوع على انطلاق الحملة الانتخابية للاستحقاق الرئاسي في الجزائر، غطت المسيرات المؤيدة والرافضة للانتخابات المقرر عقدها في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل كامل المشهد في البلاد، وبحجة أن المرشحين امتداد لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، يستمر المتظاهرون برفض الانتخابات التي يشارك فيها خمسة مرشحين.

وتعاملت السلطات الأمنية في الجزائر مع هذا الرفض بتوقيف الناشطين واعتقالهم، الأمر الذي أثار انتباه منظمات حقوقية، إذ دعت منظمة العفو الدولية السلطات الجزائرية إلى "إيجاد أجواء مواتية وسلمية لسير الحملة الانتخابية"، معربة عن قلقها العميق إزاء مناخ القمع.

وعلى الرغم من ذلك يقيّم الناطق الرسمي باسم السلطة المستقلة للانتخابات علي ذراع، لمجريات الحملة الانتخابية في الأسبوع الأول بـ"الإيجابية"، إذ " لم يسجل عرقلة لأداء المترشحين أو خرقاً لميثاق الممارسات الانتخابية وسارت العملية في أجواء من الهدوء والسلمية"، إلا أن المتظاهرين الرافضين لإجراء الانتخابات ما زالوا ينزلون بالآلاف إلى الشوارع.

الدولة لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام من يحاول عرقلة المسار الانتخابي

رئيس سلطة الانتخابات - محمد شرفي

وتحاول السلطات الجزائرية الإيحاء بأن عدد المتظاهرين الرافضين لإجراء الانتخابات قليل مقارنة بالمؤيدين لها والذين يصفهم التلفزيون الرسمي الجزائري بالحشود، في الوقت الذي استجمعت فيه المظاهرات الرافضة للانتخابات قواها من جديد، بعد أن كانت قد خرجت رافضة لها منذ أشهر.

ووسط عدد كبير من أفراد الشرطة الجزائرية، اتشح المتظاهرون بالعلم الجزائري وهتفوا "لا تعنينا انتخاباتكم"، معتبرين أنها "لا يمكن أن تكون حرة أو نزيهة بينما لا يزال الجيش ومسؤولون كبار من الحرس القديم في السلطة"، إذ إن المرشحين الخمسة هم من كبار المسؤولين في حكومة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، حسب وكالة رويترز.

إصرار الجيش

ويصر الجيش على إجراء الانتخابات الرئاسية ويعتبرها السبيل الوحيدة لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها في البلاد، وذلك بعد فشله في تنظيم موعدين انتخابيين سابقين بعد نحو ستة أشهر على استقالة بوتفليقة، ويشدد في كل مرة على أهمية الموعد الانتخابي، لإنقاذ البلاد من الفراغ الدستوري وما ينتج عنه من مخاطر تثقل كاهل الجيش.

وقال نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح إن الجزائر "القادرة على فرز من يقودها في المرحلة المقبلة، تنادي أبناءها المخلصين، في هذه الظروف الخاصة، لأنها فعلاً في حاجة ماسة إلى مثل هؤلاء الأبناء". حسب وكالة فرانس24.

الشعب الجزائري أثبت أنه شعب الرهانات الكبرى وأنه فعلاً شعب واحد موحد

نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الفريق - أحمد قايد صالح

وقبل ساعات من انطلاق الحملة الانتخابية، وجهت قيادة الجيش في بيان، رسالة للجزائريين أعطت فيها "التعليمات الكافية والتوجيهات الضرورية لكل القوات والمصالح الأمنية المعنية لتوفير الشروط الملائمة، لتمكين المواطنين والمترشحين من التحرك والتعبير في جو يسوده الاطمئنان والأمن".

ويريد النظام السياسي العودة للشرعية بسرعة عن طريق الانتخابات، باختيار رئيس يضمن استمرارية الدولة ولا يقوض من الصلاحيات التي تتمتع بها المؤسسة العسكرية.

ويُبعد انتخاب رئيس بالنسبة للجيش شبح المفاجأة والتنافس الحقيقي الذي يميز الانتقال الديمقراطي، كما من شأنه أن يحمله الانتقادات الدولية التي تنتظر قدرة الجيش على إدارة الأزمة الحالية أمام تحديات اقتصادية وأمنية مهمة تنتظر الجزائر، حسب تصريحات مدير معهد الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط بجنيف حسني عبيدي لوكالة فرانس24.

تزايد وتيرة الاحتجاجات أمر مقلق بالنسبة للسلطة، لأنه يهمش الموعد الانتخابي ويحول الأنظار إلى الرفض الشعبي والتأثير على نسبة المشاركة التي هي أصلاً متدنية

مدير معهد الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط - حسني عبيدي

وعلى الرغم من أن حزب جبهة التحرير الوطني الذي هيمن على الجزائر منذ استقلالها في عام 1962 لا يؤيد أياً من المرشحين، إلا أن المحتجين ما زالوا يرفضون الانتخابات وعلقوا أكياساً من النفايات وصور المعارضين المسجونين في الأماكن المخصصة للدعاية الانتخابية، حسب وكالة رويترز.

وأجمع المرشحون الخمسة للانتخابات الرئاسية على أن "حل الأزمة السياسية في البلاد مرهون بالذهاب إلى انتخابات رئاسية حرة شفافة ونزيهة"، كما دعوا الشعب الجزائري إلى "ضرورة قبول مسعى الرئاسيات كحل آمن ودستوري للخروج من الأزمة"، حسب ما جاء في صحيفة الحياة الجزائرية.

وتحت عنوان "الخمسة يرفعون سقف الوعود" تطرقت صحيفة "الشروق" الجزائرية إلى أن المترشحين الخمسة تحدثوا عن ضرورة "إعادة الأموال المنهوبة وعن برامج تبحث عن ثروات أخرى بديلة للنفط الزائل والمنهار سعره من خلال الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية".

وعلقت الصحيفة على حديثهم قائلة، "نحن بحاجة إلى خطاب واقعي وحقيقي حتى وإن كان صادماً ومراً، لكي لا تتكرر أخطاء العشرين سنة الماضية، حيث نفخت العصابة والحاشية وبطانة السوء الإنجازات وجعلت من جزئها الافتراضي والوهمي والخيالي سبباً في استفاقة المواطنين".

تعويل على القبضة الأمنية

ويقابل إصرار السلطة على الاستمرار في مسارها وإجراء الانتخابات، إصرار من الشعب الجزائري، فالمسيرات في الجزائر عادت إلى زخمها السابق، وخرجت أعدادا كبيرة جداً في المدن الكبرى والداخلية رغم سوء الأحوال الجوية، حسب تصريحات الباحث السياسي الجزائري يحيى مخيوبة لـTRT عربي.

ويفسر مخيوبة إصرار السلطة بأنها لا تريد أن تفهم ملايين الجزائريين الذين يرفضون الانتخابات التي يطالب المحتجون بأن تكون لها شروط، أهمها التخلص من رموز النظام السابق.

"وتعول السلطة في الجزائر على القبضة الأمنية لتحقيق ما تريده"، حسب مخيوبة، إذ يشير إلى وجود تصعيد كبير من طرف الشارع الجزائري تقابله حملة اعتقالات من السلطات.

ويضيف "أصبح لدينا حوالي 400 سجين سياسي في الجزائر، لكن هذا الجيل من الجزائريين لا يكترثون بالاعتقال، لأنهم يعرفون أنهم داخل سجن كبير اسمه الجزائر الذي يحكمه النظام العسكري".

عندما لا يكون لك الحق في انتخاب ممثليك على المستوى الوطني والمحلي فهو نوع من السجن، وقد تجذرت فكرة الدولة المدنية في وعي الجزائريين ضد فكرة الدولة العسكرية، ونحن أمام تغير فكر سياسي داخل مجتمع

الباحث السياسي الجزائري - يحيى مخيوبة

ويشير الباحث السياسي إلى أن نسبة المشاركة الحقيقية في كل الانتخابات السابقة لم تتجاوز الـ20%، متسائلاً "فما بالك الآن؟ لن تكون هناك مشاركة، سينزل الناس إلى الشوارع لكن لن ينتخبوا، وسيكون يوم الانتخابات يوماً يرى فيه العالم أن السلطة في الجزائر تسلطية تريد إنتاج رئيس كما هو دائماً.

قايد صالح يصر على إجراء الانتخابات ويعتبرها السبيل الوحيدة لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها (AP)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً