اضطُرّ الطيب بلعيز إلى الاستقالة من رئاسة المجلس الدستوري تحت ضغط الشارع (Reuters)
تابعنا

دخلت الجزائر منعطفاً جديداً، الثلاثاء، بعد توالي عدد من الأحداث، بدءاً بالمظاهرات الطلابية، مروراً باستقالة رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، وصولاً إلى خطاب قائد الجيش أحمد قايد صالح.

فبعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي اضطُرّ إلى الاستقالة تحت ضغط الشارع، قدّم الطيب بلعيز استقالته من رئاسة المجلس الدستوري، الذي يلعب دوراً أساسيّاً في تنظيم الانتخابات الرئاسية المرتقب عقدها في يوليو/تموز المقبل.

قبل ذلك، خرج آلاف الطلاب الجامعيين وتَجمَّعوا في مظاهرة وسط العاصمة الجزائرية، وتجاوزوا الانتشار الكثيف للشرطة للوصول إلى ساحة البريد المركزي، نبض الاحتجاجات منذ 22 فبراير/شباط، مطالبين برحيل جميع رموز نظام بوتفليقة.

من جهته، خرج قائد الجيش الجزائري قايد صالح، في خطاب شديد اللهجة، قائلاً إن الجيش يبحث كل الخيارات لإيجاد حل للأزمة السياسية في البلاد بأسرع وقت ممكن.

وقال إن الوقت ينفد وإن الجزائر لا تستطيع تحمُّل مزيد من التأجيل، مضيفاً أن مزيداً من التحركات سيُتّخذ لتلبية مطالب المحتجين.

رحيل الباء الأولى

أبلغ الطيب بلعيز أعضاء المجلس الدستوري بأنه "قدم لرئيس الدولة عبد القادر بن صالح، استقالته من منصبه"، قبل أن يعلن بعد ساعات عن تنصيب كمال فنيش خلفاً له.

قرار بلعيز يأتي بعد رفض شعبي لبقائه في منصبه، ولقراره عقد انتخابات رئاسية في الرابع من يوليو/تموز. فالمجلس الدستوري الذي كان يرأسه يُعتبر الجهة المخوَّل إليها الموافقة على الترشيحات للانتخابات، وهو من يعلن نتائجها النهائية.

بذلك أصبح بلعيز أول المغادرين من "الباءات الثلاث" التي يطالب المتظاهرون بإقصائها في إشارة إلى رئيس الوزراء نور الدين بدوي، ورئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، بالإضافة إلى بلعيز المستقيل.

وتأتي استقالة بلعيز في أول يوم بدأت فيه مراجعة القوائم الانتخابية، كما أعلنت وزارة الداخلية، في عملية ستستمر أسبوعاً.

وأعلن رؤساء بلديات وقضاة رفضهم المشاركة في العملية الانتخابية، علماً بأن مراجعة قوائم الناخبين وتسجيل الجدد تتم على مستوى البلديات.

وتلعب البلديات في الجزائر دوراً مهمّاً في الإشراف على القوائم الانتخابية، بينما يرأس القضاء لجان مراقبة الانتخابات.

وفي رأي الحركة الاحتجاجية فإنّ الهيئات والشخصيات المنبثقة عن النظام الذي أرساه بوتفليقة، والمكلَّفة تنظيم الاستحقاق الرئاسي المقبل، لا يمكنها ضمان حرية الانتخابات ونزاهتها، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وتعليقاً على خبر استقالة بلعيز، كتبت صحيفة الخبر الجزائرية أن "منظومة الحكم تعتمد سياسة متدرجة في سياق امتصاصها الصدمة، وتحوز خيارات وبدائل، تبقيها في سياق تنفيذ خارطة الطريق التي سبق أن اعتمدت في رسالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في 11 مارس الماضي، مع إدخال سلسلة من البدائل السلوكية، وفقاً لما تمليه الظروف".

من قمع المتظاهرين؟

واجهت المظاهرات الطلابية، الثلاثاء، انتشاراً أمنيّاً كثيفاً، وتعرّضت لقمع شديد. ويبدو أن الشرطة أصبحت أكثر صرامة مع المتظاهرين، خارج يوم الجمعة، الموعد الأسبوعي للتظاهرات الحاشدة في كل أنحاء البلاد.

واستخدمت الشرطة للمرة الأولى الغاز المسيل للدموع لمحاولة تفريق الطلاب، بينما كانت في السابق تكتفي بمراقبتها دون أن تتدخل. فمنذ عودة الطلاب من العطلة الربيعية المطولة التي فرضتها الحكومة لمحاولة إبعادهم عن الجامعات، شهد عديد من الكليات إضراباً عن الدراسة.

ويُطرح تساؤل في البلاد حول من يتخذ قرار قمع المظاهرات، خصوصاً بعد إبعاد الجيش مسؤوليته عنها، إذ قال رئيس أركان الجيش قايد صالح، الثلاثاء "أسدينا تعليمات واضحة لا لبس فيها لحماية المواطنين، لاسيما أثناء المسيرات".

وقد تكون هذه إشارة إلى طلبات بوقف محاولات الشرطة لقمع الاحتجاجات، مما صعّد الوضع في وقت يثير فيه دور المؤسسة العسكرية في المرحلة الانتقالية لما بعد بوتفليقة عديداً من التساؤلات، رغم تأكيدات الفريق رئيس الأركان أن الجيش يلتزم احترام الدستور. لكن المتظاهرين ما زالوا يطالبون برحيل النظام الحاكم بكل مكوناته، ومنه قايد صالح.

وأشار قايد صالح إلى أن الجيش الجزائري "جيش محترف بتعداده وعتاده واستعداده الدائم ومجهَّز بأسلحة متطورة، موجهة إلى أعداء الوطن وليس ضد شعبه"، متمنياً أن "يلقى هذا النداء الصدى المنشود لدى كافة مكونات شعبنا".

الجنرال توفيق.. روايةُ طرف واحد

وجّه قايد صالح في الخطاب ذاته عدداً من الرسائل التي أراد منها إيصال فكرة مفادها أن "كل الخيارات تبقى متاحة" لإيجاد حل سريع للأزمة في البلاد.

وعلى الرغم من أن قايد صالح لم يطرح رؤية واضحة للحل الذي يقترحه، ولا أجاب عن مطالبات المتظاهرين برحيله أيضاً، فإنه فتح مواجهة أخرى ضد القائد السابق للمخابرات محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق.

واتهم قايد صالح الجنرال توفيق بتقويض المرحلة الانتقالية، و"التآمر على مطالب الشعب وعرقلة مقترحات الجيش لحل الأزمة في الجزائر، من خلال اجتماعات تعقدها مع بعض الأطراف".

وقال "أوجّه لهذا الشخص آخر إنذار، وفي حال استمراره في هذه التصرفات، ستُتخذ ضده إجراءات قانونية صارمة".

ويعتبر كثيرون أن توفيق يُمسك بالفعل بزمام السلطة في البلاد، حتى بعد أن أطاح به بوتفليقة عام 2015، في محاولة لإضعاف أجهزة المخابرات، إذ لا يزال يعتبر واحداً من أكثر الشخصيات نفوذاً في الجزائر، حسب وكالة رويترز.

وكتب موقع أصوات مغاربية أن "هذا أول اتهام صريح توجهه قيادة المؤسسة العسكرية إلى قائد جهاز مخابراتها الأسبق الجنرال توفيق، بعد الانتقادات الضمنية التي وجهها إليه الفريق أحمد قايد صالح، نهاية شهر مارس/آذار، عقب الاجتماع الذي انعقد في بيت الرئيس السابق ليامين زروال".

وكان الجنرال توفيق كذّب هذه الاتهامات، في رسالة إلى وسائل الإعلام، وقال إنها لا تعدو أن تكون "حملة تستهدفه شخصيّاً"، لكنه لم يقدم روايته للأحداث.

من جهتها قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن مهاجمة قايد صالح للجنرال توفيق، تشير إلى "التوتر القوي في قلب الدولة العميقة، أو إلى محاولات لتشتيت الانتباه، وحرف النقاش في البلاد عن مساره".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً