نتائج جيدة في مكافحة الفيروس أعلنتها الصين وكوريا الجنوبية (DPA)
تابعنا

بعثت الحكومة الصينية برسالة إلى مواطنيها الثلاثاء، دعتهم فيها إلى بدء الخروج للتسوق والانخراط في الحياة بشكل طبيعي، وذلك بعد أشهُر من تحذيرهم وحثّهم على البقاء في المنازل على خلفية تفشي وباء كورونا المستجد.

وأعلنت الصين إجراءات غير مسبوقة لمكافحة فيروس كورونا في يناير/كانون الثاني، تشمل وضع إقليم هوبي بأكمله، بسكانه الذين يبلغ عددهم 56 مليون شخص، تحت الحجر الصحي، وبناء مستشفى ميداني في عشرة أيام لعلاج المرضى.

ولكن منذ ذلك الحين يبدو أن الصين سيطرت على المرض، فيما ازدادت أعداد المصابين في سائر أرجاء العالم بنحو 13 ضعفاً في غضون أسبوعين.

وكانت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى مركز انتشار الفيروس في العاشر من مارس/آذار محاولة لإعلان أن ذروة الأزمة قد انحسرت.

ووَفقاً للبيانات الرسمية الصينية فإن عدد حالات الإصابة الجديدة بالفيروس في اليوم الواحد قد انخفض.

ولكن بقي التساؤل: كيف وصلت الصين إلى هذه النقطة؟

يجيب عن هذا التساؤل ممثل منظمة الصحة العالمية في الصين الدكتور غوادين غاليا الذي تحدث في مقابلة خاصَّة أجراها موقع "أخبار الأمم المتحدة"، وتحدث فيه المسؤول في منظمة الصحة العالمية عن مواجهة الصين فيروس كورونا المستجد المعروف بكوفيد-19 منذ بداية ظهوره.

يحب الدكتور غاليا أن يفكر في الموضوع كأنه حدث على مراحل ثلاث: المرحلة الأولى هي الجهود التي بُذلت لفهم الأسئلة الثلاثة الأولى المتعلقة بأي مرض مُعدٍ: كيف ينتقل؟ ما مدى شدّته؟ ما إجراءات السيطرة عليه؟ بطريقة ما، في الأسابيع الثلاثة الأولى كان الصينيون منغمسين في النظر في التحقيق بشأن وباء محلّي.

والمرحلة الأولى انتهت مع إعلان منظمة الصحة العالمية أن المرض هو "حالة طوارئ صحية تثير قلقاً دوليّاً"، بعد اجتماعين أجرتهما لجنة الطوارئ.

استراتيجية صينية

ترى الصين حاليّاً أن الإجراءات التي اتخذتها للحدّ من تفشي الفيروس تكللت بالنجاح، كما تحاول الترويج لإستراتيجيتها الناجحة للحدّ من انتشاره في الصين والخارج.

الإجراءات التي اتخذتها السلطات الصينية للحَدّ من تفشي كورونا شملت فرض الحظر والحجر الصحي الصارم على نحو ستين مليون شخص في ولاية هوبى، وتقييد حرية السفر لمئات الملايين من المواطنين والأجانب في الصين.

ورغم الانتقادات المتكررة بشأن محاولاتها في البداية التغطية على أخبار انتشار الفيروس في ووهان وفشلها في السيطرة على الأمر، فإنها حاليّاً تواجه الأمرين باستراتيجية مبتكرة هي التوسع في عمليات تسليم المساعدات إلى جميع أنحاء العالم.

وتستأنف الصين رحلات الركاب الداخلية من وإلى مدينة ووهان التي كانت مركزاً لانتشار فيروس كورونا المستجد، اعتباراً من 8 أبريل/نيسان المقبل، وفقًا لهيئة النقل الإقليمية في إقليم هوبي الصيني.

وقال نائب رئيس إقليم هوبين وانغ بينجو، إنه بينما ستُستأنف معظم الرحلات الداخلية، فإن جميع الرحلات من ووهان إلى بكين والوجهات الدولية ستظلّ معلقة.

وانحسرت أعداد الإصابات الجديدة والوفيات بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في الصين خلال الأيام الماضية، فيما سجلت الصين أكثر من 80 ألف إصابة بالفيروس، كما سجلت أكثر من 3 آلاف وفاة منذ بدء انتشار المرض.

كان أبرز وأشدّ الإجراءات هو فرض حالة الإغلاق التامّ الصارم على أكثر من 56 مليون مواطن صيني، تحديداً مدينة ووهان ذات الـ11 مليون نسمة.

كذلك بنت السلطات الصينية 14 مشفىً لاستيعاب عشرات الآلاف من مرضى كورونا، ولعزل الحالات المحتمَلة، واستقدمت آلاف الفرق الطبية إلى مقاطعة هوباي للمساهمة في إجراءات العزل الكاملة.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن الجهود الرسمية الصينية لاقت نجاحاً بسبب الالتزام الذي أبداه الشعب الصيني في تطبيق تعليمات السلامة والصحة، وعدم مغادرة المنازل في مناطق العزل إلا للضرورة القصوى.

وقال بروس أيلوارد، كبير مستشاري رئيس منظمة الصحة العالمية الذي ترأس مهمّة تقصِّي الحقائق في إقليم هوبي، إن العالم لم يعِ حتى الآن دروس التجربة الصينية.

وأضاف أيلوارد لـBBC: "ما نتعلمه من الصين هو أن الأمر الرئيسي هو السرعة. يمكنك السيطرة على أمراض الجهاز التنفسي إذا تحركت بسرعة بالغة لاكتشاف الحالات وعزلها واكتشاف من تعاملوا معها من قرب وعزلهم".

مشيراً إلى أنه "على الناس فهم ما نحن بصدد التعامل معه. يجب أن يدركوا مدى خطورة الأمر وأن يعملوا مع الحكومة لتنفيذ الإجراءات التي يتطلبها الأمر".

وقال أيلوارد إنه يثمّن جهود المواطنين الصينيين لمواجهة الفيروس واحتوائه.

وقال أيلوارد "الناس لم يخشوا الحكومة. الناس يخشون الفيروس ويخشون الإخفاق في مكافحته. لعبت الحكومة دوراً رئيسيّاً في تحديد الاتجاه، ولكنه بالتأكيد كان تحركاً جمعيّاً من الصينيين".

كما أن فيروس كورونا ليس التجربة الصينية الأولى في مواجهة وباء، إذ شهِدَت الصين ظهور وباء سارس عام 2002، في مقاطعة غواندونغ الجنوبية، الذي كان سببه أحد فيروسات كورونا.

والآن وصلت الصين إلى النقطة الحالية، حسب التقرير الذي نشرته وكالة Bloomberg الأمريكية، ببدء السلطات توزيع قسائم الشراء في بعض الأماكن، وحثها الشركات على منح موظفيها إجازة مدفوعة الأجر وتقديم الدعم لعمليات الشراء الكبيرة مثل شراء السيارات، فيما تعرض وسائل الإعلام المحلية تقارير عن مسؤولين يغامرون بالخروج للاستمتاع بتناول المأكولات المحلية.

كوريا الجنوبية.. تجربة مختلفة

فلم تكن التجربة الصينية الوحيدة في هذا الجانب، إذ سجّلَت كورويا الجنوبية تجربة في مكافحة انتشار الوباء.

وعلى الرغم من تحذير منظمة الصحة العالمية الثلاثاء، من أن فيروس كورونا يمكن أن يعاود الانتشار في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وأن الوباء "أبعد ما يكون عن الانتهاء" في القارة الآسيوية، محذرةً في الوقت ذاته الدول التي تشهد انخفاضاً في عدد الإصابات من التراخي، فإن تجربة كوريا الجنوبية في مواجهة الفيروس لها أثر واضح.

وتقاوم السلطات في كوريا الجنوبية، التي ظهر فيها عند بداية انتشار الفيروس ثالت أكبر عدد حالات إصابة في العالم بعد الصين وإيطاليا آنذاك، ولكن ما ميّز تجربتها كان المقاومة دون إغلاق البلاد أو تطبيق الحجر الصحي للبلد بأسره.

وتُجرِي الحكومة فحوصاً لمئات الآلاف في الطرق والشوارع وللسائقين في سياراتهم، كما تتابع الحاملين المحتمَلين للفيروس باستخدام الهواتف المحمولة وتكنولوجيا الأقمار الصناعية. ووصف الرئيس الكوري الجنوبي موون جيي الجهود التي تبذلها الحكومة بأنها "شنّ حرب" ضدّ الخطر الذي يتهدَّد الجميع.

ويبلغ تعداد سكان كوريا الجنوبية نحو 50 مليون شخص، وهو ما يقارب عدد سكان إيطاليا، ولكن عدد الأشخاص في الحجر الصحي في كوريا الجنوبية يقلّ عن 30 ألف شخص.

وتسجل كوريا الجنوبية انخفاضاً يوميّاً في عدد الحالات، وبلغ عدد الحالات الجديدة أدنى مستوياته منذ بدء انتشار المرض، في المقابل يبلغ عدد المرضى الذين يُسمَح لهم بمغادرة المستشفيات رقماً أكبر من حالات الإصابة الجديدة.

وتشير السلطات في كوريا إلى أن الإجراءات المتبعة ليس الهدف منها فقط احتواء الفيروس، لأن الحكومة تحاول احتواء التأثير السلبي لتفشِّي الفيروس على الاقتصاد.

وتعي السلطات في كوريا الجنوبية أن الإجراءات المتشددة التي تتخذها الصين تخلق مشكلات ثانوية، مثل الضغط بصورة بالغة على النظام الصحي في ووهان، مما ساهم في زيادة معدَّلات الوفيات في المدينة، وهو ما تحاول سيول تجنُّبه في استراتيجيتها.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً