أطلقت القوات الأمنية الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي على المحتجين، ما أدى إلى مقتل أربعة متظاهرين (AP)
تابعنا

لا يزال الغموض يكتنف المشهد في العراق وسط استمرار قوات الأمن في قمع المحتجين ببغداد ومحافظات أخرى وارتفاع عدد القتلى والمصابين، فقوات الأمن التي من المفترض أن تحمي المتظاهرين تتسبب في قتلهم واعتقالهم واستخدام العنف في تفريقهم.

وتقدمت القوات الأمنية صوب ساحة التحرير مقر الاعتصام الرئيسي في بغداد السبت، وأطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي على المحتجين، ما أدى إلى مقتل أربعة متظاهرين عراقيين في بغداد والناصرية بالجنوب في اشتباكات مع الشرطة، حسب وكالة رويترز.

وقال مصدر طبي في دائرة صحة بغداد الحكومية لوكالة الأناضول إن عدد الجرحى الذين أصيبوا بالرصاص والإصابات بحالات اختناق جراء الغاز المسيل للدموع وصل إلى 38 متظاهراً.

كما أفاد مصدر أمني بإطلاق سراح 35 متظاهراً كانوا قد اعتُقلوا السبت خلال اقتحام قوات الأمن ساحة اعتصام المحتجين وسط مدينة البصرة جنوبي البلاد.

مظاهرات ضد الوجود الأمريكي

المظاهرات التي خرجت منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019، وخلفت أكثر من 600 قتيل وفق منظمة العفو الدولية، وأجبرت حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة، كان مطلبها الأساسي رحيل كل النخبة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة ومحاسبتها، وهي تحكم منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.

أما الآن فقد أصبح إخراج القوات الأجنبية وتحديداً الأمريكية من العراق، مطلباً آخر أضيف إلى القائمة، وخرج آلاف العراقيين من أجل الضغط لتحقيقه، إذ دعا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر إلى الخروج في مليونية قوية ضد الوجود العسكري الأمريكي في البلاد بعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

وتهدف دعوة الصدر الذي يعارض كل أشكال التدخل الأجنبي في العراق، إلى الضغط على واشنطن لسحب قواتها، لكن مخاوف المحتجين بدأت تتبلور من أن تغطي على احتجاجات منفصلة مستمرة منذ شهور وتشكل تحدياً لقبضة الجماعات الشيعية المدعومة من إيران على السلطة.

هذه المخاوف دفعت بالحراك الشعبي العراقي إلى اتهام زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بـ"خيانة" المحتجين مقابل تلقّيه وعداً من طهران بتولي رئاسة حكومة بغداد المقبلة، ما أدى إلى سحب الصدر دعمه للحراك الشعبي وانسحاب أنصاره من ساحات الاعتصام.

"لم نخرج بفتوى دينية ولم نخرج بتغريدة صدرية، فلا يراهنْ مقتدى وأنصاره على نفاد صبرنا ونهاية ثورتنا، ركبَ موجتنا فركِبناه وحاول استِغلالنا فتجاوزناه".

"لم نخرج بفتوى دينية ولم نخرج بتغريدة صدرية، فلا يراهنْ مقتدى وأنصاره على نفاد صبرنا ونهاية ثورتنا، ركبَ موجتنا فركِبناه وحاول استِغلالنا فتجاوزناه".

بيان اللجنة التنسيقية للمتظاهرين

بيان اللجنة التنسيقية للمتظاهرين

وتعليقاً على المظاهرات المطالِبة بإنهاء الوجود الأمريكي، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين أحمد رحيم في حديث لـTRT عربي، إن "مقتضى الصدر هو جزء من الحكومة والمنظومة الأمنية، والوجود الأمريكي جاء بطلب من الحكومة منذ عام 2014 لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي، والعوامل التي أوجدت داعش لا تزال موجودة حتى اللحظة، والحكومتان (الأمريكية والعراقية) متفقتان على أن تنظيم داعش قادر على استعادة قوته والعودة إلى العبث بأمن العراق".

ويرى رحيم أنه "ما دامت عوامل إعادة تشكيل داعش قائمة، فإنه ليس من المنطق مطالبة الأمريكان بالخروج".

من جانبه، قال مدير مركز للدراسات الاستراتيجية حسين علاوي في حديث لـTRT عربي، إن انسحاب أنصار التيار الصدري من الساحات لا يبرر كسر الاحتجاجات من قِبل القوات الأمنية، مشيراً إلى أنه لا أحد يشكك بدور الصدر السياسي الذي مارسه في مساندة المحتجين.

المعضلة.. تشكيل الحكومة

في السياق ذاته، تبقى المعضلة الأساسية التي تتسبب في استمرار المظاهرات، مسألة تشكيل حكومة جديدة، وهو الأمر الذي حث عليه المرجعية الدينية العليا لشيعة العراق آية الله العظمى علي السيستاني الجمعة، الأحزاب السياسية في البلاد.

وأضاف: "إن تشكيل الحكومة الجديدة قد تأخر طويلاً عن المدة المحددة له دستورياً، فمن الضروري أن يتعاون مختلف الأطراف المعنية لإنهاء هذا الملف... فإنه خطوة مهمة في طريق حل الأزمة الراهنة".

النخبة السياسية في حالة من الفوضى أصبحت غير قادرة على التحرك أو إرضاء الشارع.

حسين علاوي - مدير مركز أكد للدراسات الاستراتيجية

ويرى مدير مركز أكد للدراسات الاستراتيجية حسين علاوي أن "انسحاب التيار الصدري قد يكون دلالة على قرب تسمية اسم رئيس الوزراء، لكن في المقابل قد تكون للانسحاب أهداف سياسية واضحة لأنه جزء من العملية السياسية ولديه تفاهمات مع القوى السياسية في عملية تشكيل الحكومة".

وأشار علاوي إلى أن أساس المشكلة الآن في العراق هو تسمية رئيس وزراء للمرحلة الانتقالية وإرضاء الشارع بمرشح جيد يقود المرحلة الانتقالية بسلام وشفافية وأداء عالٍ".

وأضاف: "من الممكن استمرار القمع قبل تشكيل الحكومة الجديدة، ومن المتوقع أن تتحرك العشائر من أجل الوساطة والمشاركة مع المتظاهرين وحمايتهم".

وأشار علاوي إلى أن "خطوات القوات الأمنية ليست مبررة بحجة فتح الشوارع، لأن الاستمرار باستخدام الحل الأمني خاطئ"، لافتاً إلى أنه كان من المفترض أن "تكمل القوى السياسية العراقية تسمية رئيس الوزراء ثم يدعون المحتجون للانسحاب بعد تحقيق مطالب الجماهير".

عدد الجرحى الذين أصيبوا بالرصاص والإصابات بحالات اختناق جراء الغاز المسيل للدموع وصل إلى 38 متظاهراً (Reuters)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً