المحكمة الجنائية ستحقق في جرائم حرب محتملة ارتُكبت على يد الجيش الأمريكي في أفغانستان (Reuters)
تابعنا

منذ تأسيس المحكمة الجنائية الدولية مطلع الألفية الجديدة، كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والاعتداء، شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمحكمة حالة من الشد والجذب والتوتر المتواصل، على الرغم من تصديق 123 دولة حول العالم على معاهدة تأسيس المحكمة.

فعقب انتخابه بأسابيع، عطّل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش تصديق بلاده على معاهدة تأسيس المحكمة الجنائية الدولية واصفاً إياها بـ"المعيبة"، بعد أن كان وقَّعها سلفه بيل كلينتون، ثم أصدر بوش في مايو/أيار 2002، قراراً بسحب التوقيع على المعاهدة.

وعلى الرغم من التقارب الذي شهدته العلاقات بين الطرفين مع انتخاب الرئيس باراك أوباما، وحضور واشنطن نهاية عام 2009 لاجتماعات المحكمة بصفة مراقب، فإن الأمور نحت تجاه القطيعة والمواجهة مع صعود الرئيس دونالد ترمب إلى الحكم.

إدارة ترمب.. مواجهة مفتوحة

في سبتمبر/أيلول 2018، وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق في إدارة ترمب، جون بولتون، المحكمة الجنائية بأنها "غير شرعية"، مهدداً بفرض عقوبات عليها، على إثر إعلان المحكمة رغبتها في إجراء تحقيقات مع عدد من عناصر الجيش الأمريكي، بسبب اتهامات بانتهاكات لحقوق معتقلين في أفغانستان.

التهديدات الأمريكية وإعلان وزير الخارجية مايك بومبيو حظر منح تأشيرات على موظفي المحكمة المشاركين في التحقيقات، لم تمنع المحكمة من مواصلة إجراءاتها لتقرر في مطلع مارس/آذار المنصرم، منح المدعين العامين الضوء الأخضر لفتح تحقيق في جرائم حرب محتملة وجرائم ضد الإنسانية في أفغانستان وخارجها، ترتبط بالحكومة الأفغانية وطالبان والقوات الأمريكية.

الرئيس ترمب رد على قرار المحكمة بإصدار أمر تنفيذي الخميس، يقضي بفرض عقوبات اقتصادية على موظفي المحكمة المعنيين بالتحقيق مباشرة مع مسؤولين أمريكيين، وتعليق إصدار تأشيرات دخول لهم ولعائلاتهم.

كما اتهمت الإدارة الأمريكية على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني، المحكمة بالاعتداء على حقوق الشعب الأمريكي وانتهاك السيادة الوطنية، على حد وصفها. وأشارت إلى أن المحكمة الجنائية أصبحت "تستهدف موظفي الولايات المتحدة وموظفي حلفائنا وشركائنا".

ما الذي تخشاه واشنطن؟

بعد أيام من قرار المحكمة، وصف وزير الخارجية الأمريكي القرار بأنه "إجراء يحبس الأنفاس من قِبل مؤسسة سياسية غير مسؤولة تتنكر بهيئة قانونية"، واصفاً القرار بـ"الطائش"، فما الذي تخشاه واشنطن من أن تكشفه تحقيقات المحكمة الجنائية؟.

من المقرر أن تغطي تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية جرائم محتملة ارتُكبت منذ منتصف عام 2002 في أفغانستان، ارتكبتها دول أطراف في نظام روما الأساسي، وهو الاتفاق الدولي لعام 1998، الذي أفضى إلى تشكيل المحكمة.

كما ستُجري المحكمة تحقيقاً موسعاً في جرائم حرب محتملة ارتُكبت على يد طالبان والجيش الأمريكي في أفغانستان وأعضاء في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في "مرافق الاحتجاز السرية" في أفغانستان وعلى أراضٍ في دول أخرى.

وكشفت المدعية العامة للمحكمة الجنائية فاتو بنسودا في طلبها الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أن جرائم أخرى ارتُكبت في مرافق احتجاز سرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في بولندا ورومانيا وليتوانيا.

منظمة هيومن رايتس ووتش خلصت في تقرير صدر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى أن القوات الأفغانية المدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية ارتكبت إعدامات بإجراءات موجزة وانتهاكات خطيرة أخرى من دون عقاب في أفغانستان بين أواخر 2017 ومنتصف 2019، قد تندرج أيضاً ضمن اختصاص المحكمة.

وبناء على هذه التحقيقات، سيكون بإمكان القضاء إصدار أوامر للمثول أمام المحكمة أو مذكرات توقيف "بصرف النظر عن هوية المرتكب" بسبب جرائم محتملة.

حماية الحلفاء

مطلع عام 2015، تقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الأمين العام للأمم المتحدة بطلب انضمام دولة فلسطين إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مرفقاً بإعلان مخصص تقبل بموجبه الدولة ولاية المحكمة فيما يتعلق بالأحداث التي وقعت منذ 13 يونيو/حزيران 2014، بما في ذلك الحرب على غزة ومسألة المستوطنات بالأراضي المحتلة.

ومنذ ذلك الوقت، تصاعدت المواجهة بين الإدارة الأمريكية والمحكمة الجنائية، مهددة بأن "أي محاولة من الجنائية الدولية لاستهداف الولايات المتحدة أو إسرائيل أو أياً من حلفاء واشنطن، فإنها ستتعرض لرد قوي"، حسب تصريحات ترمب.

الضغوط الأمريكية تجلَّت بوضوح بإغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن نهاية 2018، بعد أن تقدَّم وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي رسمياً للمحكمة الجنائية الدولية في مايو/أيار 2018، بطلب فتح تحقيق كامل في "الجرائم الإسرائيلية" في فلسطين.

المدعية العامة بـ"الجنائية الدولية" قررت في ديسمبر/كانون الأول 2019، فتح تحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل بالضفة وغزة والقدس الشرقية، كما أصدر مكتب المدعية في إبريل/نيسان الماضي، تقرير الدائرة التمهيدية الأولى يؤكد فيه حق فلسطين في التوجه إلى المحكمة الجنائية.

ويحدد التقرير بشكل واضح الولاية الجغرافية للمحكمة على فلسطين، ويجعل مباشرة التحقيق الجنائي أقرب من أي وقت آخر، وهو ما قد يفسر تصاعد قرارات إدارة ترمب وتصريحاتها ضد المحكمة.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً