تسعى كل من فرنسا وإيطاليا للسيطرة على حقول النفط في ليبيا عبر شركتي إيني وتوتال
تابعنا

بينما كان الجميع ينتظر المؤتمر الوطني الجامع الذي يرعاه المبعوث الأممي غسان سلامة، والذي كان من المتوقع أن يضع الحجر الأول للحل السياسي في ليبيا والمضي نحو انتخابات تشريعية ورئاسية وإنهاء الانقسام، ظهرت صور جحافل عسكرية تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر على مشارف طرابلس في معركة لم تكن في الحسبان.

المعركة التي حملت أسماء عديدة، بين "تحرير طرابلس" على لسان الناطق باسم حفتر وقواته، وبركان الغضب أو "وادي الدوم 2"، التي تذكّر اللواء المتقاعد بتاريخه الغارق في رمال تشاد المتحركة، أتت بتساؤلات عديدة عن أسبابها وسياقتها الزمنية والدولية.

أحد هذه التساؤلات جاء به تقرير موقع بلومبرغ، عندما أحال المعركة إلى زواية الاقتصاد والمعركة النفطية في ليبيا وتأثيرها على السوق العالمية، فيما تحدثت تقارير أخرى عن إعادة إنتاج صراع السنوات الماضية بين شركتي إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية حول موارد الغرب الليبي.

ماذا يعني تقدم حفتر؟

بالإضافة إلى غايته في السيطرة على كل أجزاء البلاد، يرجح موقع بلومبرغ أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر –الذي يقود أكبر قوة عسكرية– يضع عينيه على السيطرة على أكثر من مليون برميل من النفط يومياً.

فعلى بعد حوالي 50 كيلومتراً غرب طرابلس تقع مدينة الزاوية موطن مصفاة التكرير الرئيسية والمحطة الأكبر لتصدير النفط. الحلم الذي يراود حفتر منذ سيطرته على الشرق حسب الموقع، فبمجرد الاستيلاء على المدينة فإن ذلك يعني التحكم بشكل أساسي في صناعة النفط الليبية من جهة، كذلك سيمكنه من تحقيق مكاسب لأنصاره في الشرق الذين يرون أن الكثير من الثروة يتركز ويُبدد في الغرب.

من زاوية السياقات، تأتي هذه المعركة بعد حملتين لقوات حفتر، أولها هجومها على الهلال النفطي الذي تسيطر عليه المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة الوفاق الوطني التي يقودها فايز السراج في يونيو/حزيران الماضي، قبل رضوخها للضغوطات الدولية والابتعاد عن المنشأة النفطية الأكثر نشاطاً في البلاد.

أما الثانية فكانت قبل نحو شهرين، عندما هاجمت القوات ذاتها حقل الشرارة في الجنوب، الذي شهد صراعاً طويلاً عبر سنوات، ليتم على إثر الهجوم اتفاق حوله أدارته أبو ظبي، الحليف الأول لخليفة حفتر، بحضور السراج ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط.

تأتي هذه العملية الأخيرة دون سابق إنذار، إلا أنها مفسرة لكلام الناطق الرسمي باسم قوات حفتر أحمد المسماري، عندما قال عام 2018 إن "قوات الجيش سئمت من لعب دور حارس النفط والمدافع عنه، بينما تذهب مداخيله إلى جيوب حكومة الوفاق في طرابلس ومصرف ليبيا المركزي التابع لها، من دون استفادة القوات المسلحة من درهم واحد".

ما وراء الستار

بات الصدام بين فرنسا وإيطاليا غير مخفي على أحد، بخاصة بعد المعركة الدبلوماسية بين البلدين على خلفية التصعيد في التصريحات، وهو ما تجسد حالياً في المواقف بين الطرفين، حيث تدعم روما حكومة طرابلس، وتسند باريس قوات حفتر.

ويتركز الصراع الإيطالي الفرنسي في ليبيا حول أمرين حسب موقع فورين بوليسي، الأول هو حسم ملف اللاجئين الذي تُعد إيطاليا أكثر الدول الأوروبية تضرراً من تبعاته، وما يعنيه النجاح في هذا الملف من توليد شرعية نفوذ وهيمنة على الدولة الليبية، إن أريد لها أن تُبنى من جديد.

والأمر الثاني هو احتياطات الغاز الطبيعي الضخمة، فقد غنم الإيطاليون خلال السنوات الماضية كثيراً من المشاريع في القطاع النفطي، ولا يريدون للشركات الفرنسية أن تنافسهم في القطاع، وأن تقضم من حصتهم نصيبها حسب فورين بوليسي.

وبالتزامن مع الوساطة الفرنسية والإعلان عن التدخل البحري الإيطالي، بذرائع مقاومة الهجرة غير النظامية في صيف 2018، كشف الموقع عن لقاء مدير العملاق النفطي الإيطالي "إيني" بالسراج ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، وجرى خلال اللقاء بحث المرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل بحر السلام، وهو أحد أكبر حقول النفط في ليبيا، ويعد مصدراً مهماً من مصادر إمدادات الغاز لخط "غرين ستريم" الذي يمد إيطاليا بثمانية مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً.

الجدير بالذكر هنا أنه في شهر مايو/أيار عام 2018، قامت قوات موالية لحفتر بقطع خط الغاز الواصل إلى صقلية اعتراضاً على الدعم الإيطالي لحكومة فايز السراج.

وبالعودة إلى حقل الغرب في مدينة الزاوية، تعد العملاق الفرنسي "توتال" نفسها الأحق باستثمار غاز بحوض "نالوت" والقريب من منطقة "مليتا" غرب البلاد، بحكم فوزها بمناقصته سنة 2010، قبل أن تعود ليبيا وتلغي العقد مع الشركة الفرنسية بعد جدل قانوني.

وعدّ عبد السلام الراجحي، مدير مركز إسطرلاب للدراسات الاستراتيجية، في حديثه لـTRT عربي، الوقوف الفرنسي بجانب حفتر يعود إلى أطماع تاريخية في الغرب الليبي، والتي رفضتها حكومة الوفاق الوطني لمرات، وهي متعلقة "بأكبر ثروة نفطية على طول 350 كيلومتراً في الحدود مع الجزائر" وتحديداً في ولاية فزان.

السعودية على الخط

أسندت مجلة بلومبرغ تجاوز سعر النفط إلى ما فوق 70 دولاراً للبرميل إلى استمرار الصراع في ليبيا، إذ كانت تضخ 1.2 مليون برميل يومياً قبل اشتباكات طرابلس، لينخفض الإنتاج بمقدار نصف مليون برميل يومياً، الأمر الذي قيّد أعضاء أوبك والذي قد يتسبب في ارتفاع الأسعار إلى ما يزيد عن 80 دولاراً للبرميل.

كل ذلك قد يفسر وجود اللواء المتقاعد خليفة حفتر في المملكة العربية السعودية قبل يومين من بداية حملته على العاصمة. فحسب صحيفة وول ستريت جورنال فإن الأموال السعودية هي التي حركت حفتر من أجل السيطرة الكاملة على المنشآت الحيوية للنفط، للعمل على استقرار أسعاره.

وتقول الصحفية إن دخول السعودية على الخط يأتي بحكم أنها الدولة الأكبر نفطياً في مجموعة أوبك، والتي من صالحها استعادة النفط الليبي لصالح حليفها حفتر، والذي سيضمن لها التحكم في السوق العالمية، التي تضررت من نقص الإنتاج والتصدير في ليبيا.

ويبحث خليفة حفتر عن الشرعية الدولية التي يرى أن السيطرة على العاصمة أحد أهم مراحلها، والتي تتيح له التحكم في كل منشآت التصدير النفطية، دون أي مخالفات دولية ولا عقوبات.

شركة توتال الفرنسية الموجودة في ليبيا
شركة إيني الإيطالية أهم الشركات النفطية في ليبيا (Reuters)
TRT عربي
الأكثر تداولاً