على الرغم من وصول العلاقات بين البلدين لحالة احتدام إلا أن الكرملين لم يستبعد قبول مقترح من بايدن بعقد قمة بينه وبين بوتين في أوروبا (Alexander Natruskin/Reuters)
تابعنا

اشتدت حدة نقاط الخلاف بين روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين والغرب وعلى رأسه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في الأشهر الأخيرة، فمنذ توليه السلطة في يناير/كانون الثاني، تعهد بايدن بانتهاج سياسة أكثر حزماً من سلفه دونالد ترمب، الذي اتهم بالتهاون مع زعيم الكرملين.

وبلغ التوتر بين موسكو وواشنطن ذروته على خلفية خلافات بشأن أوكرانيا ومصير المعارض الروسي أليكسي نافالني واتهامات بالتجسس والتدخل في الانتخابات وهجمات إلكترونية منسوبة إلى موسكو.

وافق بايدن على وصف بوتين بأنه "قاتل"، وفي 20 أبريل/نيسان، تبنت واشنطن عقوبات جديدة تشمل طرد 10 دبلوماسيين روس وفرض قيود على شراء الديون الروسية، فيما ردت روسيا بطرد 10 دبلوماسيين أمريكيين وحظرت دخول عدة أعضاء من حكومة جو بايدن.

رغم كل هذا التصعيد والتصريحات والتصريحات المضادة، برز اقتراح عقد قمة بين بايدن وبوتين في الأشهر المقبلة، غير أن ملامحها لا تبدو واضحة بعد. فكيف يبدو التصعيد بين الولايات المتحدة وروسيا حتى الآن؟

ما وراء تهديدات بوتين

بلغة قوية تعكس حدّة التصعيد، حذّر بوتين قادة الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة، الأربعاء. من ردّ روسي "قاس" في حال سعيهم لمهاجمة روسيا، إذ تدين واشنطن والاتحاد الأوروبي روسيا منذ أسابيع لنشرها عشرات الآلاف من قواتها عند الحدود مع أوكرانيا، وينتقدون باستمرار سجن المعارض نافالني المضرب عن الطعام منذ ثلاثة أسابيع.

ففي خطابه السنوي أمام الجمعية الفدرالية، لم يتناول الرئيس الروسي بشكل مباشر هذه الملفات، لكنه وجه تحذيراً لخصومه الخارجيين، وشدد على أن "منظمي الاستفزازات التي تهدد أمننا سيندمون كما لم يندموا على شيء من قبل"، وأعرب عن أمله "بألّا يخطر لأحد أن يتخطى خطوط روسيا الحمراء"، متوعداً برد "غير متكافئ وسريع وقاس".

من جهته، أوضح المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، لوكالات أنباء روسية أن المقصود بتصريح بوتين هو مصالح موسكو والتدخل في الحياة السياسية الداخلية وكل تصريحات "مهينة" للبلاد.

في سياق متصل، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، الأربعاء، أن الدبلوماسيين الأمريكيين العشرة الذين تقرر طردهم رداً على طرد دبلوماسيين لها في واشنطن، يتعيّن عليهم مغادرة الأراضي الروسية قبل 21 مايو/أيار.

واستدعي مسؤول كبير في السفارة الأمريكية إلى وزارة الخارجية الروسية، حيث تسلّم مذكرة "تفيد بأن عشرة موظفين بالسفارة غير مرغوب فيهم" ويتعين عليهم "مغادرة أراضينا قبل 21 مايو/أيار"، وفق بيان صادر عن الوزارة الروسية.

وقالت موسكو إن "هذا الإجراء يشكّل رداً (طبقاً لمبدأ) التعامل بالمثل، على الأعمال العدائية للجانب الأمريكي بحق عدد من موظفي السفارة الروسية في واشنطن والقنصلية العامة الروسية في نيويورك"، محذرة من أن "خطوات أخرى ستتبعها".

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد طردت الأسبوع الماضي عشرة موظفين في السفارة الروسية بواشنطن، اتهم بعضهم بأنهم ينتمون إلى أجهزة استخبارية، إذ تتهم واشنطن موسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020، وبالمسؤولية عن الهجوم الإلكتروني الواسع عبر برنامج "سولارويندز" في 2020، فيما تنفي موسكو أي مسؤولية لها.

ويندرج التصعيد الروسي وتهديدات بوتين والتدخل الروسي في أوكرانيا، ضمن إطار رفضه "الهيمنة" الغربية واعتباره عمليات التوسع المتتالية لحلف شمال الأطلسي على الحدود الروسية "عدواناً".

في هذا الصدد، يُشير الخبير السياسي، كونستانتين كالاتشيف، إلى أن بوتين "يرى نفسه صاحب قضية تتمثل بأن يعيد إلى روسيا عظمتها" ويضع حداً "للتأثيرات الأجنبية"، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

قمة بين بايدن وبوتين؟

في الأثناء، أعلن البيت الأبيض أن السفير الأمريكي لدى روسيا، جون ساليفان، سيعود إلى موسكو قريباً، بعد أن غادر، في وقت سابق الثلاثاء، في ظل تصاعد التوتر في العلاقات بين البلدين.

تعليقاً على الموضوع، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، إن سبب زيارة ساليفان إلى واشنطن هو لقاء أفراد أسرته، بعد غيابه عنهم لمدة عام، ولقاء مسؤولين في الإدارة الأمريكية أيضاً.

وفيما إذا كان سيلتقي بايدن، أجابت بساكي: "لا يوجد لقاء مثل هذا في جدول أعمال الرئيس حالياً"، وأضافت أن ساليفان سيلتقي بشكل عام مع الفريق الجديد في وزارة الخارجية ومسؤولي الأمن القومي.

على صعيد آخر، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن سيرجي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، قوله الثلاثاء، إن عقد قمة محتملة بين بوتين وبايدن يعتمد بشكل كبير على التصرفات التي ستقوم بها الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من وصول العلاقات بين البلدين لحالة احتدام إلا أن الكرملين لم يستبعد قبول مقترح من بايدن بعقد قمة بين الزعيمين في أوروبا، إذ يعمل البيت الأبيض على تنظيم قمة مع روسيا رغم فرضه عقوبات جديدة قاسية عليها.

ولا تقوم استراتيجية بايدن على تخفيف مستوى التوتر، وهو الهدف المعلن للدبلوماسية عادة، بل تحديد الآفاق الضيّقة التي يمكن من خلالها العمل معاً، مع الإدراك بأن العدائية ستطبع الجزء الأكبر من العلاقة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

فبايدن عبّر عن ما يشبه هذا التحليل، إذ قال الأسبوع الماضي: "نريد علاقة مستقرّة يمكن التنبّؤ بها"، واقترح قمة في دولة محايدة خلال اتصال هاتفي مع بوتين، بينما كان في الوقت ذاته يضغط عليه على خلفية وضع المعارض المسجون أليكسي نافالني الصحي.

وأفاد: "على مدى تاريخنا الطويل في التنافس، لطالما تمكّن بلدانا من إيجاد طرق لاحتواء التوتر ومنعه من التصاعد إلى حد خروجه عن السيطرة".

ويعقب نهج بايدن الهادئ دبلوماسية سلفه دونالد ترمب ذات الطابع الشخصي، ومن ذلك دعوة بايدن بوتين لحضور قمة المناخ التي ينظمها يومي 22 و23 أبريل/نيسان.

في هذا الصدد، قالت نائبة رئيس "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، هيذر كونلي، إن قرار بوتين المشاركة "يؤشر إلى أنه هو أيضاً مهتم بالمحافظة على بعض المساحة في العلاقة الأمريكية-الروسية المشحونة".

في المقابل، أفاد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في تصريحات أدلى بها لوكالة الأنباء الروسية "ريا"، أن بوتين لا يخطط لعقد لقاءات ثنائية ضمن إطار القمة سواء مع بايدن أو زعماء الدول الآخرين.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً