تردّدت أصداء القصف المدفعي في الخرطوم الجمعة مع احتدام القتال في أعقاب انهيار الهدنة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني الذي استقدم تعزيزات إلى العاصمة، غداة فرض واشنطن عقوبات على طرفي النزاع.
ومدّد مجلس الأمن الدولي، الجمعة، المهمة السياسية للأمم المتحدة في السودان لستّة أشهُر، بعدما اتّهم قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان المبعوث الأممي فولكر بيرتيس بالإسهام في تأجيج النزاع.
وفي قرار مقتضب، وافق مجلس الأمن بالإجماع على تمديد تفويض "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان" حتى الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2023. ويعكس اقتصار تمديد التفويض على هذه المدة القصيرة مدى دقة الأوضاع في البلاد.
ميدانياً، تحدَّث شهود لوكالة الصحافة الفرنسية، الجمعة، عن "قصف مدفعي" على جنوب العاصمة السودانية، فيما دارت اشتباكات في شرقها، وذلك بعدما تحدّث سكّان في وقت مبكر عن قصف مدفعي قرب مبنى الإذاعة والتليفزيون في ضاحية أم درمان.
تشهد الخرطوم ومناطق أخرى في السودان معارك عنيفة منذ 15 أبريل/نيسان بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي".
وأودت المعارك بحياة أكثر من 1800 شخص، فيما أفادت الأمم المتحدة بأن أكثر من 1,2 مليون آخرين نزحوا داخلياً، ولجأ أكثر من نصف مليون شخص إلى الخارج.
وفي ما يبدو تمهيداً لتصعيد إضافي محتمل في أعمال العنف، أعلن الجيش، الجمعة، استقدام تعزيزات للمشاركة "في عمليات منطقة الخرطوم المركزية".
وأشارت المحللة السودانية خلود خير من مركز كونفلوانس أدفايزوري، ومقره الخرطوم، إلى أن الجيش يعتزم "شن هجوم واسع قريباً (ضد قوات الدعم)، ولهذا انسحب" من المفاوضات في جدة.
أعلن الجيش، الأربعاء، تعليق مشاركته في المحادثات المستمرة منذ أسابيع، متهماً قوات الدعم بعدم الإيفاء بالتزامها احترام الهدنة والانسحاب من المستشفيات ومنازل السكان.
وأعقب ذلك تأكيد الوسيطين السعودي والأمريكي تعليق المحادثات رسمياً.
وأكد الجيش السوداني في بيان، الجمعة، أنه "فوجئ" بإعلان الوسيطين.
وأوضح أن وفده تقدم باقتراح لتشاور "غير رسمي"، لكن "الوساطة فاجأتنا ببيان تعليقها للمحادثات دون الرد على مقترحاتنا التي تجاهلتها تماماً".
مكاسب قبل التفاوض
الجمعة، أعلنت الخارجية الأمريكية أن الوزير أنتوني بلينكن سيزور السعودية بين السادس من يونيو/حزيران والثامن منه، وسيتطرق مع المسؤولين إلى "التعاون الاستراتيجي" بين البلدين في القضايا الإقليمية والثنائية.
وبعدما حمّلت طرفي النزاع مسؤولية انهيار الهدنة والمحادثات في جدّة، أعلنت واشنطن، الخميس، فرض عقوبات على شركات وقيود على تأشيرات الدخول لمسؤولين على ارتباط بطرفي النزاع.
ويشكك محللون في جدوى العقوبات الأمريكية على الطرفين اللذَين يمسكان بمفاصل التحايل عليها كما جرى في ظل العقوبات الدولية خلال حقبة الرئيس السابق عمر البشير، الذي حكم البلاد ثلاثة عقود قبل أن يطيح به انقلاب عسكري عام 2019.
منذ بدء العنف، لم يحقق أي من الجانبين تقدماً ميدانياً ملموساً على حساب الآخر أو خرقاً في موازين القوى.
ورأت المحللة خير أن الجيش يرغب في تحقيق "بعض المكاسب العسكرية قبل التزام أي محادثات مستقبلية بهدف تحسين موقعه" على طاولة المفاوضات.
وبُعيد إعلانه تعليق مشاركته في محادثات جدة، قصف الجيش بالمدفعية الثقيلة، الأربعاء، مواقع لقوات الدعم جنوبي الخرطوم.
وطال القصف سوقاً شعبية، ما أدى الى مقتل 18 مدنياً، وفق ما أفاد به محامو الطوارئ، الأربعاء.
استهداف هاربين
هدفت محادثات جدة إلى توفير ممرات آمنة تتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال وإيصال مساعدات إنسانية.
فرّ مئات الآلاف من السودان إلى دول الجوار، منها تشاد الحدودية مع إقليم دارفور.
ونقلت منظمة "أطباء بلا حدود"، الجمعة، عن لاجئين إلى تشاد قولهم إنّ "مسلحين كانوا يطلقون النار على الأشخاص الساعين إلى الفرار... وإنّ قرى تعرضت للنهب، وإنّ جرحى تُوفّوا جرّاء إصاباتهم".
وحذّر منسق الطوارئ في المنظمة كريستوف غارنييه من أن بدء موسم الأمطار يهدد بمصاعب إضافية.
وتواجه أعمال الإغاثة مصاعب جمّة، منها غياب الممرات الآمنة، وعرقلة الجمارك المساعدات التي تصل جوّاً، وعدم منح العاملين الأجانب تأشيرات دخول لتعويض نقص المحليين الذين اضطروا إلى النزوح أو الاحتماء في منازلهم.
كما تستمر أعمال النهب والسرقة، خصوصاً لمقار المنظمات الأممية ومخازنها.
وأدانت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، الخميس، "أعمال نهب أصول وأغذية برنامج الأغذية العالمي، التي تجري الآن في الأبيض (شمال كردفان)"، مضيفة عبر تويتر: "تعرضت مستودعاتنا للهجوم، والغذاء الذي يكفي 4,4 مليون شخص معرض للخطر".
حسب الأمم المتحدة، بات السودان الذي كان من أكثر دول العالم معاناة حتى قبل النزاع، أمام وضع "كارثي"، في ظل خروج ثلاثة أرباع المستشفيات عن الخدمة، فيما يحتاج 25 مليون نسمة (أكثر من نصف السكان) إلى مساعدات إنسانية.