"ديمقراطية استبدادية".. هل تشعل إصلاحات القضاء حرباً أهلية في إسرائيل؟ / صورة: AP (AP)
تابعنا

بمرور 10 أسابيع على الاحتجاجات الشعبية في إسرائيل بسبب ما تسميه الحكومة "إصلاحات قضائية"، وتصفه المعارضة بأنه "انقلاب"، فإن الشرخ في المجتمع يزداد على نحو غير مسبوق.

تكفي متابعة تغريدات المسؤولين في الحكومة والمعارضة لإدراك الانقسام الواضح بين من يصفون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه "محق"، ومن باتوا يطلقون عليه "ديكتاتور ومنقلب".

حتى المسؤولين في الحكومة، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، لا يتوانون عن وصف المتظاهرين بـ"الفوضويين".

وتشهد إسرائيل تظاهرات مستمرة، منذ إعلان وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين في 4 يناير/كانون الثاني الماضي، خطة الحكومة لتعديل قانون السلطة القضائية التي تشمل أربعة بنود أساسية.

والبنود هي: الحد من مراجعة القضاء لتشريعات الكنيست، وسيطرة الحكومة على تعيينات القضاة، وإلغاء تدخل المحكمة العليا في الأوامر التنفيذية، وتحويل المستشارين القانونيين للوزارات إلى معينين سياسيين.

قوة مطلقة

يقول أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة تل أبيب البروفيسور رونين أفراهام: "لدينا زعيم قوي جداً وشعبوي (نتنياهو)، وهو يحاول أن يدمر كل التوازنات في النظام، بحيث يمتلك القوة المطلقة".

ويضيف أفراهام، لوكالة ابلأناضول: "حقيقة، هناك انقسام في الشارع الإسرائيلي، وليس صحيحاً ما يقال عن المتظاهرين بأنهم لا يقبلون نتائج الديمقراطية، على العكس إنهم يدافعون عن الديمقراطية".

ويستدرك: "لكن يوجد انقسام كبير الآن، الحكومة فازت من خلال انتخابات ولا أحد يشكك في هذا، وحتى المتظاهرون لا يطالبون باستبدال الحكومة، وإنما يطالبونها بوقف عملية تغيير النظام وقتل الديمقراطية".

ويتابع: "المحتجون يعارضون محاولة تغيير قواعد اللعبة، وتحويل إسرائيل من ديمقراطية ليبرالية إلى ديمقراطية استبدادية، هذا هو جوهر الخلاف".

وفي 28 فبراير/شباط الماضي، صادق الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) بالقراءة الأولى، على مشروع "قانون الإصلاح القضائي" الذي يحتاج للمرور بثلاث قراءات في المجلس حتى يصبح نافذاً.

وتعتمد الحكومة على أغلبيتها البرلمانية، في محاولة لتمرير تعديل قانون السلطة القضائية، لكن المعارضة ترى في هذه التشريعات محاولة لإضعاف القدرة الرقابية للسلطة القضائية على السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وفي 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، منح الكنيست الثقة لحكومة نتنياهو التي توصف بأنها "الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل"، عقب اتفاق لتشكيلها بين حزب "الليكود" اليميني بقيادة نتنياهو، وأحزاب يمينية أخرى داعمة للتعديلات.

حرب أهلية

وللمرة الأولى في إسرائيل، باتت تسمع عبارات مثل "حرب أهلية" و"عصيان مدني"، وعن هذا يقول أفراهام: "لست متأكداً مما ستكون عليه العواقب بعيدة المدى، ما زلنا في منتصف حرارة الموقف، لذا فالأمور ليست واضحة".

لكنه حذر من أن إسرائيل "أقرب من أي وقت مضى إلى اضطرابات مدنية، ولا سمح الله ربما حرب أهلية، وأنا بنسبة 90% متأكد من أننا لن نصل إلى هذه المرحلة، ولكنني لست متأكداً بنسبة 100%".

ويتابع: "حتى لو كانت هناك فرصة بنسبة 5-10% باندلاع حرب أهلية، فهذه نسبة عالية، فأنت لا تتحدث عن فرصة صغيرة، آمل أن لا تحدث، وأنا متأكد نوعاً ما من أنه لن يكون هناك قتال".

وفي وقت تزداد فيه أعداد المشاركين في الاحتجاجات التي بدأت أسبوعية ثم تحولت إلى يومين بالأسبوع، فإن الحكومة الإسرائيلية ما زالت ترفض التراجع عن مشاريع قوانين تدفع بها للحد من سلطة القضاء.

وثمّة مسؤولون في الحكومة الإسرائيلية يدفعون باتجاه المضي قدماً واستكمال تمرير مشاريع القوانين في الكنيست، على أمل أن يفضي ذلك إلى وقف الاحتجاجات والتسليم بالأمر الواقع.

لكن أفراهام يؤكد رداً على ذلك، أن "الاحتجاجات ستتواصل وسيجري إغلاق البلد، وحتى لو مرّرت الحكومة القوانين، فإن المحكمة العليا ستلغيها وستعتبرها غير دستورية، ومن ثم ستكون هناك أزمة دستورية".

ويضيف: "ستكون فترة دستورية خطيرة جداً، إن الأمر الوحيد الذي سيوقف الاحتجاجات هو توصل السياسيين إلى تسوية مقبولة من قبل المعارضة، وإذا لم يتوصلوا إليها فإن الاحتجاجات لن تموت، بل ستزيد قوة كل أسبوع".

الجيش والشرطة

وتقف الشرطة الإسرائيلية ما بين متظاهرين غالباً ما يوجهون التحية لها في كلماتهم، وبين حكومة يمثلها بن غفير الذي لا يُخفي رغبته بأن تستخدم القوات الأمنية القوة ضد المحتجين.

ويرى البروفيسور الإسرائيلي أفراهام، أنه "سيتعين على الجيش والشرطة أن يقررا إلى مَن يستمعان، هل إلى رئيس الوزراء، أم إلى رئيس قضاة المحكمة العليا (ميريام ناؤور)؟".

والمحكمة العليا الإسرائيلية، تترأس الجهاز القضائي، وهي الهيئة الأعلى في إسرائيل، ويخدم فيها خمسة عشر قاضياً، ورئيس المحكمة العليا هو رأس النظام القضائي برمته.

وعن مشاركة عدد من قوات الاحتياط بالجيش الإسرائيلي في الاحتجاجات، يقول البروفيسور: "حتى الآن فإن الاحتجاجات تقتصر على الاحتياط، وليس الجيش نفسه، وهو أمر مهم ولكنه ليس بأهمية مشاركة الجيش".

ويضيف: "إنها المرة الأولى في تاريخ إسرائيل التي تشارك فيها قوات الاحتياط في مثل هذا الأمر، أعتقد أن هذا يغير قواعد اللعبة".

ويتابع: "فإذا ما قال كل الطيارين الاحتياط، على سبيل المثال، إنهم لن يكونوا مستعدين للقدوم إلى التدريب، فإن الأمر على المدى البعيد سيكون وخيماً، واستمراره يزيد الضغوط على الحكومة".

وفي 5 مارس/آذار الجاري، أعلن 37 طياراً احتياطياً من أصل 40 في سرب "المطرقة" الذي ينفذ عمليات ضد ما تسميه إسرائيل "التموضع الإيراني" في سوريا، أنهم لن يحضروا بعض التدريبات، حسب صحيفة "هاآرتس" العبرية.

وفي اليوم التالي، أعلن 200 طبيب يخدمون في الاحتياط، أنهم سيرفضون الحضور لأداء الخدمة إذا لم تتوقف حكومة نتنياهو عن عملية سن القوانين "فوراً وبدون شروط مسبقة"، على حدّ تعبيرهم.

والخميس، كتب اللواء المتقاعد ومدير "معهد دراسات السياسات والإستراتيجيات" في إسرائيل (غير حكومي) عاموس جلعاد، إن "رفض الخدمة في أوساط جنود الاحتياط، حتى لو لم تكن خطوة مقبولة، فهو بمثابة صرخة".

وأضاف جلعاد، في مقال له بموقع القناة "12" العبرية: "الحديث هنا لا يدور حول رفض قرار سياسي أمني، إنما حول عدم استعداد للعيش في دولة تمنح جهات سياسية الحرية كي تسيطر على الدولة من دون كوابح".

تأثر الاقتصاد

وكعادة الاحتجاجات السياسية فهي تلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية، وعن هذا يقول أفراهام: "بالتأكيد، فالشيكل (عملة إسرائيل) يفقد قوته، والمستثمرون يهربون من البلد، وإذا لم يوجد حل حقيقي وسريع للأزمة، فإن العواقب طويلة المدى ستكون رهيبة".

ويضيف: "لم نصل إلى مرحلة التأثيرات الكبيرة اقتصادياً بعد، فإذا ما توصلوا إلى تسوية الأسبوع القادم أو الذي يليه فإن التأثير لن يكون كبيراً، ولكن إذا ما استمرت هذه الأوضاع لعدة أشهر فإن التأثيرات بعيدة المدى ستكون رهيبة".

"هناك مزيد من القطاعات التي تضغط على الحكومة، بما فيها قطاع الصناعة الفائقة (الهاي تك) والأكاديميون، والمجتمع الدولي، ولن تكون الحكومة قادرة على مواجهة الضغوط"، يؤكد البروفيسور الإسرائيلي.

والأربعاء، حذر منتدى الأعمال في إسرائيل (غير حكومي)، الذي يقول إنه يضم رجال أعمال ومديرين لما يزيد عن 500 ألف موظف في الاقتصاد الإسرائيلي، من "تداعيات استمرار الحكومة في ما تسميه الإصلاح القضائي".

وقال المنتدى، في رسالة نشرها موقع "غلوبس" الاقتصادي العبري: "نتيجة للإصلاح المذكور (لقانون القضاء)، ستتضرر إسرائيل بالكامل اقتصادياً، وسيتوقف الاستثمار في إسرائيل من قبل المستثمرين المحليين والأجانب".

وأضاف: "سيزداد انخفاض قيمة الشيكل سوءاً، وسيتراجع التصنيف الائتماني لإسرائيل، ونتيجة لذلك ستستمر أسعار الفائدة في إسرائيل في الارتفاع بسرعة".

وتابع: "في رأينا فإن نتيجة كل هذه الأحداث ستلحق ضرراً جسيماً بالاستقرار الاقتصادي لدولة إسرائيل، الأمر الذي سيؤدي، للأسف، إلى تسريح جماعي للعمال وبطالة لعشرات الآلاف من العمال في جميع قطاعات الاقتصاد المحلي".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً