يهدف البرنامج إلى تشجيع الأولاد على التنافس في القوة البدنية داخل المدارس لتعزيز قيم الرجولة الآخذة في التراجع  (CNA)
تابعنا

تنشغل الصين في السنوات الأخيرة بأزمة آخذة في التزايد، تُعرّفها السلطات بأزمة "تناقص الرجولة" في المجتمع، وهو ما دفعها إلى وضع خطط جديدة تهدف إلى تعزيز القيم الرجولية في المدارس، ما أثار جدلاً مجتمعياً واسعاً داخل الصين وخارجها.

فقد أقرّت وزارة التعليم الصينية في يناير/كانون الثاني الماضي برنامج "رعاية القيم الرجولية" لدى الأولاد في المدارس، بدءاً من صفوف رياض الأطفال حتى المدرسة الثانوية.

ويتضمن البرنامج المزمع تطبيقه تدريب المزيد من مدرّبي النشاطات الرياضية الذكور وتوظيفهم، وتشجيع الطلاب على التنافس في الرياضات المعتمدة على القوة البدنية، وتحويل الثقافة الصحية إلى مادة إلزامية.

كما يتضمن البرنامج تعزيز البحث في قضايا راهنة تؤثر على الأطفال والناشئين مثل "تأثير ظاهرة المؤثرين في الإنترنت ووسائل التواصل على قيم المراهقين"، بسبب الشعبية المتزايدة لنجوم البوب الصينيين الذكور الذين يرتدون ملابس أنثوية براقة ويضعون الماكياج، متأثرين بثقافة البوب الكورية.

"ذكور ضعفاء وخجولين"

القرارات الصينية الأخيرة لم تكن مفاجئة، فقد شغل هذا النقاش الداخلي أطيافاً واسعة من المجتمع، في ظلّ ازدياد ظاهرة "التخنّث" أو "الميل الأنثوي لدى الذكور".

وتأتي الخطة التعليمية استجابةً لمقترح قدّمه سي زيفو أحد كبار المستشارين في اللجنة الدائمة للمؤتمر السياسي للشعب الصيني في مايو/أيار العام الماضي، دعا فيه لدعم القيم الرجولية بتضمينها في المناهج الدراسية، من خلال وسائل عديدة من بينها "ضرورة تعيين معلمين تربية بدنية من الذكور في المدارس لتعزيز التأثير الرجولي" على الأطفال.

ووصف زيفو الأولاد الصينيين بـ"ضعفاء ودونيين وخجولين"، مُرجعاً السبب وراء ذلك إلى "انتشار المعلمات الإناث في صفوف رياض الأطفال والمدارس الابتدائية، وشعبية (الأولاد الجميلين) في الثقافة المعاصرة".

وحذّر المستشار الصيني من خطورة تنامي ذلك "الميل الأنثوي" الذي قد يهدد "بقاء الصين وتنميتها"، معرباً عن أسفه أن الأولاد "لم يعودوا يرون في البطولات الحربية أي ميزة".

افتقاد نموذج الأب

لم تقتصر تلك الرؤية لـ"أزمة الرجولة" على السلطات الصينية بل تتعداها إلى شرائح مختلفة من المجتمع الصيني.

فقد انتشرت المعسكرات الرياضية في بكين ومدن صينية أخرى خلال السنوات العشر الأخيرة، وتتضمن برامج قاسية لتعليم الأولاد الاستقلالية والمبادرة والثقة وتحمُّل المسؤولية والقوة البدنية، من خلال أنشطة متعددة من بينها "إجبارهم على غسل ملابسهم يدوياً".

يقول تانغ هايان مؤسس نادي "بكين بويز" للرياضات البدنية: "أحد العوامل الرئيسية المساهمة في تعميق أزمة الرجولة الحالية، هو نشأة الأولاد في بيئة بها عدد قليل جداً من الرجال الذين يقتدى بهم"، وفق حديثه للصحيفة الصينية CAN.

وتابع تانغ: "الأمهات والمعلمات لا يعرفن كيف يعلّمن الأولاد أن يكونوا رجالاً، بإمكانهم فقط نقل المعرفة، وإذا نشأ الأولاد بطريقة مماثلة للفتيات فلن يعرفوا أبداً كيف يكونوا أقوياء وشجعان ومستقلين".

ويرى تانغ أن سياسة الطفل الواحد الإنجابية في الصين كان لها دور كبير في تعميق الأزمة، مضيفاً: "إذا كنت طفلاً وحيداً في الصين فسيكون لديك 6 أشخاص بالغين (الوالدين والأجداد) يدورون حولك، والنشأة في بيئة مماثلة لا تكون صحية".

تؤكد حديثه السيدة تشاو إحدى الأمهات التي ألحقت طفلها بمعسكر "بكين بويز" الرياضي لأنه "خجول ويفتقر إلى الثقة، ومن النوع الذي يتعرض للتنمر بسهولة لأنه لا يعرف المواجهة" على حد وصفها.

وأوضحت السيدة تشاو أن غياب والد طفلها في رحلات عمل مستمرة جعل الابن "مفتقراً إلى الشخصية الأبوية في حياته، وبالتالي مفتقراً إلى الرجولة"، إذ يقضي معظم وقته مع والدته وجدّته فقط.

"قضية أمن قومي"

يرى بعض الخبراء أن القرارات الصينية الأخيرة لها بعد سياسي وعسكري أيضاً، وهو ربما ما دفع المستشار سي زيفو إلى وصف الأزمة بأنها "تهدد الأمن القومي".

فقد حذرت وسائل الإعلام الحكومية الأعوام الماضية من تأثير ظاهرة "نقص الرجولة" على نمط الحياة، الذي يجعل العديد من الشباب "غير لائقين للجيش".

قال جوشوا أيزنمان المسؤول عن دراسات الصين في مجلس السياسة الخارجية الأمريكية إن "أسباباً سياسية استراتيجية تقف وراء مخاوف الحكومة الصينية من تراجع الذكورة".

وأوضح أيزنمان أن الصين انشغلت بالبراعة الجسدية لشعبها خلال حقبة "قرن الذل" التاريخية (1839-1949) التي تعرضت فيها الصين لاستعمار وهزيمة متكررة من كل القوى الدولية الكبرى مثل روسيا واليابان وألمانيا وبريطانيا.

وهذا ما دفع الحزب الشيوعي لاحقاً إلى ترسيخ أهمية القوة البدنية مجتمعياً بوصفها "سلاح الصين في مقاومة الغرب والتغلب عليه"، على حد وصف أيزنمان، إلا أنه يحذر أيضاً "أكثر ما يقلقني بشأن هذه السياسة الجديدة، هو طرحها الفضفاض لمفهوم رجولة هدفه الوحيد خدمة الدولة".

وهذا ما عبر عنه بعض مؤيدي برنامج "تعزيز الرجولة" على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، فقد كتب أحد المستخدمين على منصة Weibo: "من الصعب تخيل أن مثل هؤلاء الأولاد المخنثين بإمكانهم الدفاع عن بلادهم عندما يلوح غزو خارجي في الأفق"، في حين رأى آخرون أن البرنامج "يعزز التمييز الجنسي" بين الذكور والإناث.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً