فلسطينيون يرفعون صور الرئيس التركي وعلم تركيا بالأقصى تأييداً لموقف بلاده الرافض للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل (AA)
تابعنا

في حزيران/تموز عام 2018، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريراً، أكدت فيه أن دولاً عربية على رأسها السعودية والسلطة الفلسطينية توجّهت إلى السلطات الإسرائيلية بتحذير من الوجود التركي في منطقة شرقي القدس المحتلة.

الصحيفة التي تقصّت الموضوع، نقلت في حينه عن مصدر أمني إسرائيلي مطلع تأكيده على وصول مثل هذا التحذير، مشيراً بالوقت ذاته إلى أن "إسرائيل تتابع الموضوع عن كثب منذ عام وقبل وصول هذه التحذيرات".

ويشير المصدر الأمني الإسرائيلي إلى أن ذروة الوجود التركي في القدس المحتلة كانت عام 2017، "ظهر الوجود التركي جلياً، ليس ذلك فحسب بل زار القدس آلاف المواطنين الأتراك".

الدفاع عن الأقصى يؤرّق الاحتلال 

مصدر مسؤول في الشرطة الإسرائيلية قال أيضاً إنه وخلال عام2017، رصد جهازه مشاركة مواطنين أتراك في مظاهرات ومواجهات وقعت عند المسجد الأقصى"، وهؤلاء هم مواطنون أتراك انضموا إلى صفوف الفلسطينيين المدافعين عن المسجد المبارك، رافضين الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد.

الوجود التركي المتمثل بالمواطنين الذين يزورون القدس باستمرار، بدأ يزعج إسرائيل خلال أحداث ما يعرف بـ"أحداث الأجهزة الإلكترونية" التي نصبتها إسرائيل على بوابات الأقصى وأثارت غضباً عارماً في صفوف المسلمين حول العالم، وظل الفلسطينيون يومها معتصمين أياماً طويلة قبالة المسجد حتى خضع الاحتلال وأزالها، ومن ضمن المعتصمين كان ثمة أتراك رفضوا سياسات الاحتلال بحق أولى القبلتين، وظهرت في حينه مقاطع مصورة لهؤلاء من داخل الأقصى وكان لها تأثير على مستوى العالم.

#شاهد| فيديو يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي "شاب #تركي من باحات #المسجد_الأقصى المبارك يوجه رسالة للأمة الإسلامية" ‬‬ 🔵خدمة أخبار تركيا || اشترك بقناة التليغرام telegram.me/akhbarturkiye

Posted by ‎أخبار تركيا‎ on Sunday, 10 December 2017

وترى "هآرتس" أن السياسة التركية في القدس المحتلة تسعى إلى إبراز الصبغة الإسلامية للمدينة،. "من خلال هذه السياسة تسعى تركيا أيضاً لأن تتحدث باسم القدس في المنابر الدولية وأن تكون جهة مؤثرة فيها"، وهذا ما يثير القلق في إسرائيل ودول عربية أخرى.

ويقول مصدر إسرائيلي للصحيفة إنه "وإلى جانب زيارات الأتراك المستمرة للأقصى فإن تركيا تسعى من خلال جمعيات إغاثية إلى مساندة المواطنين الفلسطينيين بالقدس ودعمهم بالأموال لترميم العقارات والحفاظ عليها"، وذلك في ظل مساع عربية تقودها دولة الإمارات عن طريق رجلها الفلسطيني المُلاحق من قبل تركيا والسلطة الفلسطينية بتهم مختلفة "محمد دحلان" وأذرعه لبيع عقارات فلسطينية لليهود كما كشف مواطنون فلسطينيون بالوثائق والأدلة الواضحة.

السعودية تُؤلّب الاحتلال على تركيا

ولم تدّخر إسرائيل جهداً في حينه، واستجابت للنداء، إذ اتخذت سلسلة قرارات، دعمها وزير الخارجية في جينه يسرائيل كاتس، وصفت بـ"المجحفة" بحق المواطنين الأتراك وكذلك الجمعيات الإغاثية التركية في القدس المحتلة ولاحقتها، ومنذ ذلك الحين بدأت سياسة تشديد إجراءات الحصول على الفيزا للأتراك كما وجّهت أذرعها كافة لملاحقة الدعم التركي للمقدسيين وإيقاف نشاطات الجمعيات التي تقدم المساعدات لنحو 300 ألف فلسطيني يسعى الاحتلال إلى تهجيرهم من خلال سياسة التضييق عليهم وهدم منازلهم وإلغاء إقاماتهم.

وتشير الدلائل والتطورات كافة إلى أن التنسيق السعودي-الإسرائيلي بغرض "تحجيم" الدور التركي بالقدس المحتلة مستمر منذ 2018، فبعد أشهر قليلة فقط من التوجه السعودي للاحتلال، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه يسرائيل كاتس أن وزارته بدأت في "بلورة إجراءات وسياسات لوقف النشاط التركي" في القدس الشرقية.

وذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" المقربة من دوائر صنع القرار في تل أبيب إن "التأثير التركي على السكان الفلسطينيين بالقدس بدأ يثير القلق لدى المستويات الأمنية والسياسية في إسرائيل"، مشيرة إلى أن الأعلام التركية صارت تٌشاهَد من حين إلى آخر منصوبة على مواقع عدة في القدس، وأن مطاعم هناك بدأت تغير أسماءها إلى أسماء تركية على غرار مطعم "إسطنبول".

الصحيفة أشارت في حينه أيضاً إلى أن "ما يقلق المسؤولين الإسرائيليين هو أن الهدف التركي من هذا الوجود المكثف في نهاية المطاف هو منع تهويد هذه المدينة، ومساندة ودعم الفلسطينيين فيها"، لافتة إلى أن العديد من المدارس في القدس الشرقية بدأت تعلم اللغة التركية، وكذلك في مراكز تركية متخصصة".

إسرائيل تواجهُ تركيا بالقدس.. ماذا فعلت؟

الخطة الإسرائيلية بدأت بإلغاء وظائف المعلمين الأتراك الذين يعلمون الفلسطينيين بمدارس القدس، ومعاقبة كل مدرسة تحصل على دعم تركي، ولعل الأهم هو السعي إلى الحد من نشاط جمعية التعاون والتنسيق التركية "تيكا" في القدس الشرقية، والتي تقول إسرائيل إنها تقدم حوالي 12 مليون دولار سنوياً في القدس الشرقية، وخاصة في مجال الترميم في البلدة القديمة من مدينة القدس إضافة إلى تقديم الطرود الغذائية للفقراء وتقديم المساعدة للتجار في البلدة القديمة".

وزير الخارجية يسرائيل كاتس، قال في حينه إن المسؤولين في إسرائيل "سيتخذون خطوات لاستئصال القاعدة السياسية للأنشطة التركية في القدس الشرقية ولتعزيز السيادة الإسرائيلية في جميع أنحاء المدينة، انتهت أيام الإمبراطورية العثمانية، وليس لدى تركيا ما تبحث عنه في القدس".

وأضاف كاتس إن" إعلان الرئيس أردوغان بأن القدس ملك لجميع المسلمين، مبالغ فيه ولا أساس له من الصحة، لإسرائيل السيادة في القدس، مع الحفاظ على حرية العبادة الكاملة لجميع الأديان، لن نسمح لأي جهة بالمس بهذه السيادة".

وقالت مريم قايا رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في جمعية "وعي القدس" التركية إن إسرائيل فعلياً بدأت في فرض سياسة التضييق على الأتراك،مشيرة إلى أن تقييد إسرائيل، زيارات الأتراك للقدس عبر تخصيص زيارة واحدة فقط لكل شخص خلال العام، أمر غير مقبول ولا يمكن تفهّمه".

وأشارت إلى أن السلطات الإسرائيلية بدأت تجبر الأتراك في المطار على الانتظار ساعات طويلة، ووضعت عراقيل تهدف من خلالها إلى عرقلة زيارة القدس وحرية التجوّل فيها".

وفي خضم الحديث المتزايد عن بدء تنفيذ "صفقة القرن" الأمريكية والتي ستكون أولى خطواتها هي ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، وكشف وسائل إعلام إسرائيلة تواطؤ عدد من الدول العربية مع الولايات المتحدة والاحتلال على تنفيذ الخطة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، زاد الحديث الإسرائيلي عن الوجود التركي في الأراضي الفلسطينية وخاصة القدس والمسجد الأقصى.

مخطط سعودي-إسرائيلي

ورصدتTRT عربي تزايداً ملحوظاً في تسليط الضوء على الدور التركي في المسجد الأقصى بشكل متجدد في الإعلام الإسرائيلي مذ نهاية شهر أبريل/نيسان2020، ولعل أهم ما نُشر حول الموضوع هو تقرير لصحيفة "يسرائيل هيوم"، قالت فيه إن السعودية وإسرائيل تجريان مباحثات سرية حثيثة في الآونة الأخيرة في ظل بلورة إسرائيل لمخططات صفقة القرن، مشيرة إلى أن المباحثات تسعى إلى التوصل لمخطط تسمح فيه إسرائيل للسعودية بوضع موطئ قدم بالقدس المحتلة على حساب الوجود التركي.

وتقول الصحيفة إن الحديث يدور عن مباحات سرية جداً تجري بين الرياض وتل أبيب برعاية أمريكية، "وهي جزء من مساعي التقدم بصفقة القرن".

وتشير إلى أن "إسرائيل وافقت على هذه المباحثات في ظل ازدياد الحضور التركي في القدس والمسجد الأقصى"، لافتة إلى أنه "وبعد أحداث باب الرحمة في القدس نجحت تركيا في أن تكون جزءاً من إدارة المشهد بالأقصى، بل وبدأت في تحويل ملايين الدولارات للفلسطينيين وهذا ما دفع باتجاه التفكير بالسماح للسعودية بدخول هذا الميدان وبسط حضورها هناك".

وفي ظل تقارير أشارت إلى أن إسرائيل مارست العنصرية ضد أهالي القدس خلال انتشار وباء كورونا ولم تقدم لهم الرعاية اللازمة، بدأت وسائل إعلام إسرائيلة بانتقاد الدعم التركي المقدم لأهالي القدس لمواجهة الوباء، إذ شككت إسرائيل بهذا الدعم ورأت أن الهدف منه هو "تعميق الوجود التركي بالقدس والأقصى وزيادة الحضور هناك".

تقويض الوجود الإسرائيلي

وذكر موقع "ماكور ريشون" الإسرائيلي أن "جمعية ميراثنا التركية قدمت مساعدات لأهالي القدس خلال أزمة كورونا، مسلطً الأوضاع على تصريحات تركية قالت إن الهدف هو "مساعدة الفلسطينيين خلال الأزمة والذين يعيشون تحت نير الاحتلال".

ونقل الموقع عن ماؤر تسيماح وهو رئيس جمعية "القدس لك" اليهودية قوله "السيادة الإسرائيلية على القدس أمام اختبار في هذه الأثناء، لأن الجمعيات التركية تبسط نفوذها هناك، وتقوم بممارسات تهدف إلى تقويض الوجود الإسرائيلي".

ونشر الموقع إعلانات تركية تدعو إلى دعم أهالي القدس في ظل انتشار وباء كورونا، منتقداً إياها ومشيراً إلى أن الوجود التركي هناك عبر جمعية "ميراثنا" هو "عمل ضد إسرائيل".

مواجهة ثقافة الأسرلة والتهويد

في السياق ذاته، يشير "مركز القدس لشؤون المجتمع والدولة" في إسرائيل إلى أن الحضور التركي في القدس بات واضحاً "والهدف هو تكثيف زيارة المسلمين إلى هذه المدينة التي تحظى بأهمية بالغة لدى تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان".

ونشر المركز صوراً لمطاعم في أسواق القدس العتيقة تحمل أعلام تركيا، وأحدها يسمى بـ"مطعم إسطنبول"، وعلّق على رمز الهلال والنجمة بالقول "ما يجري في القدس يثبت أن هناك مساعي تركية لوقف عملية أسرلة الثقافة في القدس الشرقية".

ويقول المركز إن "مواقع أثرية إسلامية عثمانية جرى تعميرها وترميمها مؤخراً في القدس أيضاً من خلال جميعة "تيكا" التركية التي تلاحق من قبل إسرائيل بتهمة "تمويل الإرهاب".

ويضيف "تركيا تتعاون مع الهيئة الإسلامية العليا التي يديرها الشيخ عكرمة صبري وكذلك مع الحركة الإسلامية المحظورة التي يقف على رأسها الشيخ رائد صلاح من أجل تكثيف الوجود في القدس والأقصى، بل وبدأت بتسيير رحلات كبيرة إلى هذه المدينة مؤخراً".

وأوضح المركز أنه جرى رصد مشاركة مواطنين أتراك في مواجهات مع شرطة الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من أبواب المسجد الأقصى مؤخراً.

صباح الأربعاء 3 حزيران/تموز 2020، نشرت "القناة السابعة الإسرائيلية" ذات التوجهات الدينية اليهودية المتزمتة، تقريراً تزعم فيه أن تركيا وضعت لها وتداً إضافياً مؤخراً على مقربة من المسجد الأقصى.

ونشرت القناة صوراً لما يعرف بـ"خان أبو خديجة" الأثري، والذي انتهت أعمال ترميمه مؤخراً بدعم من جمعية "تيكا" التركية، وفق الأنباء.

ضربة تركية للسيادة الإسرائيلية

وتقول القناة إن "الخان تحول إلى مركز ثقافي ويحتوي على مطعم ومقهى وعُلقت فيه صور السلطان العثماني عبد الحميد الثاني وصور للرئيس رجب طيب أردوغان، ويتم عرض مشاهد للرئيس التركي وأجزاء من الخطابات التي يتحدث فيها عن احتلال إسرائيل للقدس".

ويرى المستشرق الإسرائيلي مردخاي كيدار أن "الخان مثل مواقع أخرى بدأت تعكس الوجود التركي الإسلامي الذي يتزعمه أردوغان في مقابل السعودية وغيرها من الدول العربية التي يمكن وصف حضورها بالضعيف بالقدس".

في السياق ذاته، وعقب افتتاح الخان المذكور، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مصادر إسرائيلية القول "على إسرائيل أن تعمل فوراً على وقف نشاط جمعية ميراثنا التركية في القدس، لأن هذا النشاط يهدف إلى توجيه ضربة قاصمة للسيادة الإسرائيلية وللقدس الموحدة، يجب وضع سياسة واضحة لوقف النشاط التركي وعدم السماح لها ببسط حضورها وسط المواطنين الفلسطينين".

وفي ورقة بحثية نشرها مركز "القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية" في تل أبيب، يشير الباحث في شؤون الشرق الأوسط ديفيد كورون إلى أن "تركيا ترصد عشرات ملايين الدولارات في مجالات الثقافة والاقتصاد والتعليم والرياضة لدى الفلسطينيين بالقدس الشرقية"، مشيراً إلى أن الهدف هو "تعزيز الوجود التركي الدفاعي عن الفلسطينيين في القدس في وجه التهويد".

ويشير الباحث إلى أن "تعزيز هذا الوجود من شأنه أن يوجه ضربة إلى السيادة الإسرائيلية على القدس".

تركيا تهدف من خلال نشاطاتها إلى إضعاف الوجود الإسرائيلي في القدس الشرقية

نائب رئيس مركز القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية – ديفد فينجر
التهديد التركي

وفي تقرير "تقدير موقف" يقول نائب رئيس المركز ذاته البروفيسور ديفد فينجر إن "الأتراك يستثمرون ملايين الدولارات من أجل ترميم مواقع إسلامية في القدس، كما ينشطون في توزيع المؤن والغذاء والمساعدات المالية على العرب خلال الأعياد الرسمية، بل ويقودون حملات ترويج داعمة لقضية الفلسطينيين في وسائل التواصل الاجتماعي ويدعمون معارضي إسرائيل".

ويضيف "القنصلية التركية في القدس الشرقية لها علاقة مباشرة بهذه التحركات، من خلال توزيع الأموال على المحتاجين وكذلك دعم التواصل بين الأتراك والعرب من خلال تشجيع العرب على زيارة تركيا والمشاركة في مؤتمرات حول القضية الفلسطينية من جهة، ودعم زيارات الأتراك للقدس من جهة أخرى".

ويرى أنه يجب إطلاق مسمى "التهديد التركي" على ما يجري في القدس، مشيراً إلى أن تركيا تهدف من خلال نشاطاتها هناك إلى "إضعاف الوجود الإسرائيلي في القدس الشرقية".

صورة الرئيس التركي في خان أبو خديجة الأثري المحاذي للمسجد الأقصى (مواقع التواصل الاجتماعي)
وزير خارجية إسرائيل يقول إن: تصريحات أردوغان بأن القدس عاصمة لكل المسلمين لا أساس لها من الصحة (AA)
مطعم إسطنبول بالقدس الشرقية يزعج إسرائيل (مركز القدس لشؤون الدولة والمجتمع)
كتاب إسرائيليون يرون أن تعزيز الوجود التركي بالقدس هدفه الدفاع عن الفلسطينيين في القدس في وجه الأسرلة والتهويد (AFP)
تقرير تحت عنوان: "إسرائيل، السعودية والمفاوضات السرية" (يسرائيل هيوم)
مساعدات قدمتها تركيا لسكان القدس العرب خلال أزمة كورونا في شهر رمضان المنصرم  (AA)
يسرائيل كاتس قال إن: ليس لدى تركيا ما تبحث عنه في القدس (Reuters)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً