تل أبيب ستعرض على أبو ظبي، بناء ممر بري يربط إسرائيل ودول الخليج، ليكون حلقة وصل لنقل نفط الخليج وغازه إلى أوروبا  (Reuters)
تابعنا

تمتد تداعيات التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل لتطال مصالح دول أخرى مثل مصر، وتؤثر على مصالحها الاقتصادية بشكل سلبي، إذ تعتزم إسرائيل أن تقترح على دولة الإمارات بناء ممر برّي يربط بينها وبين دول الخليج، بما فيها المملكة السعودية، حسب صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية المختصة بالشأن الاقتصادي.

وقالت الصحيفة على موقعها الإلكتروني الأربعاء، إن "تل أبيب ستعرض على أبو ظبي، بناء ممر بري يربط بين إسرائيل ودول الخليج، ليكون حلقة وصل لنقل نفط الخليج وغازه إلى دول أوروبا وأمريكا الشمالية"، مشيرة إلى أنّ "السعودية سيكون لها محطة ضمن الممر، على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية علنية بينها وبين إسرائيل".

خسارة مصر

وسيُنقل النفط والغاز الطبيعي عبر الأنابيب من دول الخليج إلى مدينة إيلات جنوبي فلسطين ثمّ إلى مدينة عسقلان، جنوب غرب، لنقلها إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.

واحتوى توقيع اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والإمارات، على إشارة ضمنية إلى المشروع، إذ نص الاتفاق على مادة تقول إن "الأطراف ستعزز وتطور التعاون في المشاريع بمجال الطاقة، بما في ذلك أنظمة النقل الإقليمية بهدف زيادة أمن الطاقة"، حسب الصحيفة.

ويهدف هذا المشروع إلى تقليل وقت نقل النفط والغاز الطبيعي ونواتج التقطير من المملكة السعودية ودول الخليج إلى الغرب.

ووفقاً للتقديرات التي سُمعت في المناقشات بشأن المشروع، فإنه سيدر عائدات تصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنوياً للحكومة الإسرائيلية.

وحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإنه بالنسبة إلى دول الخليج، يتمتع المشروع بميزة استراتيجية، إذ إنّ إنشاء طريق بري سيجعل من الممكن تقليل استخدام الطريق البحري لتصدير النفط إلى الغرب الخطير بسبب الوجود الإيراني واليمني في "مضيق هرمز"، بالإضافة إلى خطر هجمات القراصنة من الصومال في منطقة مدخل البحر الأحمر.

ومن هنا، تظهر آثار المشروع السلبية على مصر، على الرغم من كونها حليفة استراتيجية للإمارات، وهو ما يمكن اعتباره طعنة في الظهر، من أبو ظبي للقاهرة، إذ يشكل الأمر انحيازاً واضحاً إلى المصالح الإسرائيلية على حساب مصر، إذ سيتوقف مرور النفط عبر قناة السويس وسيوفر سداد عبور السفن عبر القناة المصرية، ليمر عبر إسرائيل بدلاً منها، فتكسب الأخيرة عائد المشروع المالي.

معضلة الغاز وانهيار الحلم المصري

ولطالما حلمت مصر بأن تكون بلداً مصدراً للغاز إلى أوروبا، إذ سبق أن وقعت مع اليونان اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لكن الأمر لن يستمر طويلاً، بخاصة بعد الاتفاقية التي وُقعت بين تركيا وليبيا، وعدم اعتراف تركيا بغيرها.

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره اليوناني في القاهرة، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري: "إن الاتفاق يفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي مع اليونان وجرى توقيعه بعد استيفاء كل جوانبه".

وفي هذا الشأن، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد صرح سابقاً، بأن ما يسمى اتفاقية ترسيم مناطق الصلاحية البحرية بين مصر واليونان لا قيمة لها، مشيراً في الوقت ذاته، إلى التزام بلاده الاتفاق المبرم مع حكومة الوفاق المعترف بها دولياً في ليبيا، حسب وكالة أنباء الأناضول.

وأعلنت وزارة الخارجية التركية رفضها للاتفاقية، لأنها تنتهك الجرف القاري التركي، وأكدت أن أنقرة لن تسمح لأي أنشطة ضمن المنطقة المذكورة، وستواصل بلا شك الدفاع عن الحقوق المشروعة لتركيا وللقبارصة الأتراك شرقي المتوسط.

وعلى الرغم من كل تلك الإشارات وخسارة مصر، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رفض توصيات وزارة الخارجية وجهاز المخابرات العامة المصرية اللذين يضغطان عليه لقبول الاتفاق البحري بين تركيا وليبيا في هدوء، إذ سيمنح القاهرة امتيازاً بحرياً ضخماً في المفاوضات البحرية المتعثرة مع اليونان، حسب تصريحات أدلى مسؤول مصري لموقع مدى مصر، وهو منصة إعلامية مقرها القاهرة.

وقال الباحث والمحلل السياسي علي باكير في مقال له على TRT إنه في العام الماضي، سُرِّبَت إلى وسائل الإعلام ما يُزعَم أنها وثائق رسمية عدة خاصة بعملية المفاوضات بين مصر واليونان. وأشارت إحدى وثائق الخبراء إلى أنَّ الفريق اليوناني "يفتقر إلى المصداقية ويلجأ إلى أساليب ملتوية" في المفاوضات.

ووفقاً للوثيقة، استمرت اليونان في تقديم "مزاعم زائفة ومغالطات، واستغلت التفاهم السياسي بين الحكومتين لإحراج الفريق القانوني المصري الذي يتولى التفاوض".

النفط السعودي

على الجانب الآخر، قالت مصادر مطلعة إن السعودية ترسل كميات كبيرة من النفط الخام لتخزينها في المستودعات بمصر، استعداداً لبدء زيادة الصادرات السعودية من النفط إلى أوروبا قبل عدة أشهر، وذلك في ظل الانخفاض المستمر في أسعار النفط، وهو ما يعني أن السعودية تُصدِّر نفطها عبر مصر، وذلك ما ستفقده القاهرة بسبب المخطط الإسرائيلي.

وحسب بيانات وكالة بلومبرج للأنباء، صدَّرت المملكة العربية السعودية نحو 1.3 مليون برميل يومياً إلى مصر، وهو أعلى مستوى في ثلاث سنوات على الأقل، للتخزين المسبق للخام لإعادة التصدير إلى أوروبا.

ويجري تنزيل هذه الكميات من النفط الخام في ميناء العين السخنة، قبل أن تُضخ عبر خط أنابيب داخل الأراضي المصرية إلى مستودعات التخزين وميناء التصدير على ساحل البحر المتوسط.

ونقلت وكالة بلومبرج عن مصدرين مطلعين القول إنه سيعاد تصدير النفط السعودي عبر ميناء سيدي كرير المصري على ساحل البحر المتوسط إلى أوروبا، كجزء من خطة المملكة العربية السعودية لزيادة صادراتها من النفط الخام إلى أقصى مدى ممكن، مع تخفيض الأسعار نتيجة تراجع الطلب على الخام بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا.

وفي تقرير آخر لوكالة بلومبرج، قالت الوكالة إن السعودية أوفت بتعهدها بزيادة صادرات النفط في أبريل/نيسان، مع وصول الموجة الأولى من الخام بالفعل نحو أوروبا والولايات المتحدة، في إشارة واضحة إلى أن حرب الأسعار لا تزال على قدم وساق.

وحسب بيانات تتبع السفن، حمَّلت المملكة العديد من الناقلات العملاقة التي استأجرتها في وقت سابق من هذا الشهر لتعزيز قدرتها على زيادة الصادرات. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت الرياض الأسابيع القليلة الماضية لنقل كميات كبيرة من الخام إلى مخازن في مصر، وهي نقطة انطلاق للسوق الأوروبية.

وتؤشر هذه المعطيات على مدى أهمية أن تكون مصر المحطة الوسطى بين السعودية وأوروبا، لكن بعد الاتفاقية بين الإمارات وإسرائيل، ستقف مصر متفرجة على تصدير النفط والغاز إلى أوروبا، وقد خسرت باتفاقية التطبيع كل ما كان لديها.

في سياق متصل، يقول المحلل السياسي لصحيفة هآرتس الإسرائيلية تسفي بار إيل إنه "يوجد ما يدعو للقلق بالنسبة إلى مصر من الاتفاق الإسرائيلي-الإماراتي، إذ تمسك مصر بملفات هامة للغاية بشكل حصري تعطيها ثقلاً ووزناً دولياً، وتخشى أن تسحب منها".

ويضيف: "مصر تعد أهم دولة فيما يتعلق بالصراع بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، كما تعد وسيطاً في العلاقات بين إسرائيل ودول عربية مختلفة، وهذا ما زاد خلال فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وما دفع تل أبيب إلى تقديم مساعدات عسكرية لمصر، في حين استفادت أيضاً من احتضان الرئيس الأمريكي لها".

ويشير إلى أن السلام بين الإمارات وإسرائيل من شأنه أن ينقل مركز الثقل من القاهرة إلى الخليج وأن يساهم في تقليص نفوذ مصر وأهميتها، بخاصة في حال انضمام دول خليجية أخرى إلى قطار التطبيع.

ويرى المحلل السياسي أن الخشية في مصر هي أن يصبح محمد بن زايد الأقرب إلى الإسرائيليين والأمريكيين ويسحب البساط من تحت السيسي.

من جانبها، تشير صحيفة معآريف الإسرائيلية في مقال تحت عنوان "مصر قد تفقد أسبقيتها حال تهافت دول خليجية أخرى إلى السلام"، إلى أنه ومع توقيع الإمارات اتفاق تطبيع مع إسرائيل، فإن مصر قد تفقد الأسبقية في قضايا مختلفة، وسيزيد ذلك في حال انضمت دول عربية أخرى إلى هذا التطبيع.

وتقول: "قد تفقد مصر الكثير من قدرتها على التأثير مقابل إسرائيل، إذ إن اللاعبين العرب الجدد سيتسابقون فيما بينهم على من سيدعم الفلسطينيين، وقد ينتقل التأثير فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية من مصر إلى الخليج في ظل الجمود الذي يعتري المشهد حالياً".

وتتوقع الصحيفة أن "قدوم المصلين المسلمين للصلاة في المسجد الأقصى عن طريق الإمارات سيزيد من قوة الإمارات ونفوذها في الوطن العربي على حساب مصر".

والثلاثاء الماضي، وقَّعت الإمارات والبحرين اتفاقين للتطبيع مع إسرائيل، وهو الحدث الذي وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأنه "تاريخي"، على الرغم من الرفض والإدانة الفلسطينية الواسعة له رسمياً وشعبياً.

أما السعودية، فلا تربطها علاقات علنية مع إسرائيل، إذ صرح وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان في 20 أغسطس/آب الماضي، بأن" بلاده لن تقوم بالتطبيع مع إسرائيل أسوة بالإمارات، ما لم يُتوصَّل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً