ثقافة الإضراب استقرت بالفعل في أوروبا وتساهم برفع أجور العمال وتحسين ظروف عملهم / صورة: AP (AP)
تابعنا

منذ بداية جائحة كورونا في ديسمبر/كانون الأول 2019، واجه الاقتصاد الأوروبي أعباء خطيرة على ميزانيته بسبب التدابير المالية المتخذة لمواجهة الفيروس.

ومع بدء التعافي من الوباء قلبت حرب روسيا على أوكرانيا جميع خطط التعافي رأساً على عقب.

وفرض الاتحاد الأوروبي حزماً من العقوبات ضد الحكومة الروسية إثر حربها على أوكرانيا. ولكن العقوبات لم تؤثر في روسيا فحسب، بل امتد أثرها السلبي إلى أوروبا أيضاً، حيث أدت إلى اختناقات اقتصادية خطيرة.

وساهم التضخم، الذي ارتفع إلى مستويات قياسية في أنحاء أوروبا، وارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم قدرة الحكومات على زيادة الأجور إلى المستوى المطلوب، في تأجيج الإضرابات في القارة العجوز.

واتخذت النقابات العمالية في مختلف القطاعات قرارات إضراب جماعي لزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل وحقوق التقاعد في عديد من البلدان الأوروبية.

وانتشرت الإضرابات لاحقاً في قطاعات مختلفة، مثل عمال مترو الأنفاق والممرضات وسائقي الحافلات وسيارات الأجرة والمدرسين وعمال المواني والمحامين وعمال الرعاية الصحية وعمال الصرف الصحي وعمال الطيران والبريد.

ما تأثير الإضرابات على الوضع الاقتصادي؟

بدأ العمال في عدد من دول الاتحاد الأوروبي إضرابات خلال عامَي 2022 و2023 للمطالبة بشكل أساسي بتحسين الأجور والمعاشات التقاعدية وظروف العمل.

ورغم أن ثقافة الإضراب قد استقرت بالفعل في أوروبا وتساهم برفع أجور العمال وتحسين ظروف عملهم، فإنها تكلف البلدان الكثير.

وعلى سبيل المثال في 27 يوليو/تموز 2022 دعا اتحاد "فيردي" في ألمانيا الموظفين الميدانيين في شركة الطيران "لوفتهانزا" للإضراب بهدف المطالبة بزيادة الأجور، ما أدى إلى إغلاق مطاري ميونيخ وفرانكفورت.

وكلف الإضراب نحو 35 مليون يورو، إثر إلغاء أكثر من ألف رحلة، وتأثر 134 ألف مسافر، ما دفع "لوفتهانزا" إلى التوصل إلى اتفاق مع اتحاد فيردي.

ورغم أن الإضرابات تكلف البلاد كثيراً فإنها تسمح للنقابات والعمال بالحصول على ما يريدونه، كما تبقى النقابات قوية وموثوقة لدى العمال وأصحاب العمل في آن واحد.

ما السيناريوهات المستقبلية المحتملة؟

في ثقافة العمل الأوروبية تلعب الإضرابات والنقابات دوراً مهماً. فبالنظر إلى تاريخ التصنيع الأوروبي نجد العمال الأوروبيين حصلوا على عديد من حقوقهم بعد الإضرابات والمظاهرات الطويلة.

وبالمقارنة مع عديد من البلدان فإن ظروف العمل في أوروبا لا تزال أفضل بكثير، وهذا نتيجة إضرابات العمال والنقابات في القرون القليلة الماضية.

وبدأت الإضرابات الأخيرة بعدد من الدول الأوروبية بدعوة من النقابات مثل اتحاد التعليم والعلوم (GEW) واتحاد فيردي في ألمانيا، والكلية الملكية لاتحاد التمريض في المملكة المتحدة.

كما تسبب الإضرابات العمالية اضطرابات في الحياة اليومية، حيث تؤثر إضرابات المعلمين سلباً في الدراسة، كما تضررت خدمات الصحة والنقل وامتلأت الشوارع بالقمامة على خلفية إضراب عمال النظافة.

وبشكل عام تعتبر الإضرابات جزءاً أساسياً من ثقافة العمل في أوروبا، ويزداد عددها مع تدهور ظروف العمل والأجور.

كما أن الدعم الجماهيري للإضرابات قوي أيضاً، إذ تعتبر خسارة المال والاضطرابات في الحياة اليومية التي تسببها الإضرابات جزءاً طبيعياً من الحدث.

ولذلك يبدو أن النقابات ستبقى قوية في المستقبل الأوروبي لحماية حقوق أعضائها.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً