السعودية تبسط سيطرتها على ميناء المهرة سنة 2017  (AP)
تابعنا

في العام 2015، فرّ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى الحدود اليمنية-العُمانية حين قرر الحوثيون، إلى جانب حليفهم السابق علي عبدالله صالح، اجتياح عدن لاعتقاله. قصد الرئيس محافظات بعيدة في الصحراء، إلى أن وصل إلى محافظة المهرة التي عبر من خلالها الحدود وصولاً إلى عُمان. في هذه الأثناء، بدأ التحالف بقيادة السعودية عملياته العسكرية لاستعادة الشرعية التي أمسك الحوثيون بناصيتها.

في أغسطس 2018، عاد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى محافظة المهرة، لكن الغريب في الأمر أن من استقبله هناك السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، الذي كان يدشن مجموعة مشاريع موّلتها بلاده، في ثاني كبرى محافظات اليمن المضطرب بالأزمات، والذي يشهد حرباً تدور رحاها منذ ما يقارب الأربعة أعوام.

السعودية مولت ثمانية مشاريع في قطاعات التعليم والصحة والنقل والبنى التحتية، وتحمل مدينة طبية تعليمية حديثة اسم العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، إلى جانب ذلك تبرز جامعة المهرة، وفي قطاع الصحة هناك المستشفى الكبير الذي تصل سعته السريرية في المرحلة الأولى إلى 200 سرير، بالإضافة إلى مشروع إعادة تأهيل المطار الدولي في الغيضة، عاصمة المحافظة.

رغم ذلك، تشهد المحافظة منذ أشهر اعتصامات وإضرابات ضد التواجد السعودي-الإماراتي فيها، إذ ينادي المواطنون بخروج القوات المتواجدة على أرضهم، الأمر الذي طرح عشرات الأسئلة حول أهمية هذه المحافظة جغرافياً وسياسياً، والصراعات السياسية التي تدور حولها.

صفقة القرن السعودية

بدأ التواجد السعودي فعلياً في الجنوب اليمني، عام 2017 عندما قررت الرياض إرسال قوات تابعة لها إلى محافظة المهرة وإلى المنافذ البحرية في البلاد، وكذلك إلى ميناء نشطون ومطار الغيضة الدولي، بعد تقارير تحدثت عن عمليات تهريب للسلاح من هناك إلى الحوثيين.

إلى جانب ذلك، كشفت صحيفة ناشيونال انترست، أنه اعتباراً من مارس 2019، تم إرسال لواءين يتألفان من 2500 جندي سعودي إلى المهرة، فيما عدد القوات التي تصل يومياً يتزايد.

وبذلك تصبح القوات الموالية للسعودية منقسمة للشكل التالي؛ قوات "خفر السواحل اليمني" التي يبلغ عدد أفرادها 1300، والقوات الخاصة التي تشكل 1500 فرد من المقاتلين، فيما وصل أفراد قوات، قالت الصحيفة أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، إلى المهرة بعد اتفاق مع الإمارات في حضرموت عام 2017، بينما جاء آخرون من محافظة أبين التي تعتبر ملاذاً لعناصر تنظيم القاعدة.

ورغم عدم تصريحها بشكل واضح بذلك، إلا أن السعودية تعتقد أن المنافذ البرية التي تربط المهرة بسلطنة عُمان، هي أحد أهم مراكز تهريب السلاح إلى الحوثيين وبالتالي فإن عُمان بطبيعة الحال هي المقصود بتعزيز المملكة لتواجدها في المنافذ الحدودية.

لكن لا يبدو فعلياً أن هذا السبب هو الوحيد الذي تتواجد فيه السعودية هناك، فالمسؤولون في المحافظة أكدوا أكثر من مرة أن المملكة بدأت في بناء خط أنابيب سيسمح لها بنقل نفطها مباشرة إلى بحر العرب، متجاوزة بذلك مضيق هرمز وباب المندب، حيث الصراع محتدم مع إيران، ليصبح خط النفط السعودي الجديد مصافي المهرة عبر صحراء الربع الخالي.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن ممراً نفطياً في المهرة سيقدّم ميزة إستراتيجية كبيرة وهي عدم التقيد بمضيق هرمز أو مضيق باب المندب؛ نقاط الاختناق الإستراتيجية التي تؤثر على طرق شحن النفط الحالي.

بالعودة إلى سفير السعودية لدى اليمن محمد آل جابر، والذي قاد بنفسه الاستثمارات السعودية في المدينة وأهمها الموانئ المهمة وإعادة بنائها، تلقّى هذا الأخير خطاباً من شركة البناء البحرية المعروفة باسم HUTA GROUP، والتي يقع مقرها في جدة، قالت فيه إنها ستتخذ الترتيبات اللازمة لزيارة المهرة وإجراء المسح اللازم وجمع البيانات المطلوبة لإعداد تقدير لبناء الميناء الذي تدمر في أواخر عام 2017.

يبدو هذا الحلم ليس جديداً، إذ أفاد تقرير لمركز "أبعاد" اليمني للدراسات، بأن الرياض تسعى إلى "إنشاء ميناء نفطي في المهرة على ساحل البحر العربي، وهو الحلم الذي ظل يراود السعودية للتنفس جنوباً عبر المحيط الهندي من دون قلق من تهديدات إيران حول مضيق هرمز".

وتابع "بعد خمس سنوات من تحويل محافظة خرخير التابعة لمنطقة نجران جنوب السعودية إلى مخزن للنفط الخام وإجلاء جميع سكانها، يمكن مد أنبوب نفطي وإنشاء ميناء في المهرة بتكاليف أقل، وفي وقت قياسي مقارنة بميناء المكلا الذي كان ضمن إستراتيجية السعودية القديمة".

وأضاف التقرير "بقراءة واقعية لدراماتيكية الحرب في اليمن، فإن التحالف لا يبحث عن انتصار سهل وسريع في اليمن، وإنما يريد أن يحقق مصالح إستراتيجية، على رأسها منع نشوء دولة يمنية قوية منافسة إقليمياً في المنطقة".

عُمان في الضفة الأخرى

في الناحية الثانية من الجغرافيا، تستند سلطنة عمان في تحركاتها داخل المهرة على أرضية مهيئة للنجاح، ذلك أن علاقاتها بالسكان المحليين وزعماء القبائل هناك متوغلة منذ القدم، وتُعَدّ ورقة رابحة في صراع النفوذ مع السعودية.

ويعود النفوذ العماني في المهرة إلى ستينيات القرن الماضي وما قبل ذلك، ولكن الدولة القوية التي كانت تسيطر على جنوب اليمن، قبل الوحدة، لم تكن تساعد مسقط على توطيد علاقاتها الاجتماعية والثقافية مع محافظة المهرة كما هو الوضع الآن.

ويَعبُر التقارب بين عمان والمهرة الحدود في الماضي والحاضر، لأن التلاقي الثقافي والاجتماعي بين الدولة والمحافظة اللتين ترتبطان بحدود برية طولها 288 كيلومتراً.

فالمهرة صديقة لعمان وحدث ما يشبه تداخلاً في الهويات بين أبنائهما، وحصل عدد كبير من زعماء قبائل المحافظة على الجنسية العمانية العام الماضي، أبرزهم الشيخ عيسى بن عفرار الذي يحتفظ بمنصب تقليدي قديم هو سلطان المهرة ويُعَدّ أحد أقوى حلفاء السلطنة في المهرة.

وفي سياق سباق النفوذ داخل المهرة، ليس هناك من ورقة تناور بها عمان سوى التأييد الشعبي الكبير لها في المحافظة والاعتماد على أصدقائها من زعماء القبائل والقادة المحليين.

استطاعت السلطنة أن تبقي على استمرارية حضورها داخل المهرة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ولكن لم يكن هناك وجود لمنافس إقليمي لها، وكانت الدولة اليمنية في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح تراقب ما يحدث وأعطت عمان ضوءاً أخضر للتحرك في إطار مربع دعم الخدمات والتنمية.

ومن هذه النقطة انطلق الآلاف من سكان المهرة في احتجاجهم وتظاهرهم ضد التواجد السعودي- الإماراتي في المدينة، إذ نفذوا اعتصاماً طويل الأمد انتهى بالجلوس مع التحالف من أجل التفاوض، وكان المطلب الوحيد هو الانسحاب من المنشآت الحيوية للمحافظة.

حرب بالوكالة

شكّل اعتماد التحالف في اليمن على قوات أمنية إماراتية في المهرة، وهي ما تعرف بقوات النخبة، بمثابة العداوة المباشرة لمسقط، التي تعاني من خلافات تاريخية مع أبو ظبي حول ترسيم الحدود.

ففي عام 2011 تأزّمت العلاقات الثنائية بين مسقط وأبو ظبي بشكل أكبر عندما كشفت عُمان النقاب عن شبكة تجسس إماراتية زُعم أنها كانت تخطّط للإطاحة بنظام السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد، على الرغم من نفي الإمارات وجود أي صلة لها بهذه الشبكة.

لكن يبدو أن هناك أسباباً أخرى كانت المحرك الأساس للمعركة حسب معهد كارلينغ للدراسات، أهمها عدم ثقة الرياض في عُمان، التي تعدها حليفاً لإيران في الخليج، وممراً كبيراً لصواريخها للحوثيين، رغم نفي السلطات العمانية لهذه الادعاءات مرات عديدة.

انطلاقاً من هذه النقطة، ووفق مصادر قبلية في المهرة، فإن "التأثير العُماني المتنامي على قبائل المهرة دفع التحالف بقيادة السعودية إلى التحرّك، وكان أحد الأسباب الرئيسة الكامنة وراء إرسال السعودية تعزيزات عسكرية إلى المنطقة".

قامت السعودية بالضغط على هادي من أجل إقالة محافظ المهرة السابق عبد الله كده، عازياً السبب إلى أنه وقف في وجه الوجود السعودي في البلاد. وعيّن مكانه راجح باكريت الذي تربطه علاقات وثيقة مع الإمارات.

إضافة إلى ذلك، رُفعت الرسوم الجمركية على العديد من الواردات، في آب/أغسطس 2018، بنسبة 80% في المعدل، وصدرت تعليمات تقضي بعدم قبول المستندات الجمركية الصادرة في منطقة التجارة الحرة العُمانية. وفسّر معهد كارلينغ هذه الإجراءات بأنها تهدف إلى إضعاف اعتماد القطاع الخاص اليمني على عُمان، إذ أن رجال الأعمال اليمنيين يفضّلون إرسال شحناتهم عبر ميناء صلالة في سلطنة عُمان، بعد عبورهم منفذ شحن.

ويبقى المحرك الأساسي، هو خطة بناء قناة تصل الخليج، الذي تطل عليه إيران ودول الخليج العربي، ببحر العرب وتمرّ عبر المهرة، وتهدف إلى إنشاء منفذ بديل لصادرات النفط السعودية عن مضيق هرمز، الذي يمكن أن تعيق إيران الأعمال فيه في أي وقت. أما بالنسبة إلى سكان المهرة، فتكشف هذه المشاريع عن أن الوجود السعودي في المحافظة يتعدّى مجرد التصدّي للتهريب والأنشطة الإرهابية كما أكّد سابقاً متحدث باسم التحالف.

سكان المهرة يرفضون التواجد السعودي في المنشآت الحيوية للمحافظة (AFP)
جنود سعوديين في مدينة المهرة اليمنية (AFP Archive)
TRT عربي
الأكثر تداولاً