رئيس حركة حماس في غزة قال إن لدى حماس 500 كلم من الأنفاق تحت الأرض لم تُلحق إسرائيل ضرراً سوى بـ5% منها (أرشيف)
تابعنا

قد يبدو قطاع غزة الذي يتربع على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً، بيئة ساحلية مفتوحة يَسهُل على أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية مراقبة كل ما يجري على ظاهرها، لكن ما يدور في باطن الأرض يُخفي تفاصيل كثيرة.

تحت تلك المدينة الصاخبة المكتظة بالسكان ترسو شبكة من الأنفاق المُعقدة التي طوّرتها حركة "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية خلال السنوات الماضية، في إطار استعداداتها للمواجهة مع الجيش الإسرائيلي.

وقد مثّلت "الأنفاق" أحد أبرز محاور التصعيد العسكري الأخير في قطاع غزة، وأعلنت إسرائيل أن القضاء على "مترو حماس" (وفق التسمية الإسرائيلية) أحد أهداف عمليتها العسكرية التي أطلقت عليها "حارس الأسوار".

ابتكار فرضته الحاجة

لجأت المقاومة الفلسطينية إلى حفر الأنفاق لأول مرة إبّان الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى" عام 2000، إذ استخدمتها في تهريب السلاح عبر الشريط الحدودي لقطاع غزة مع مصر (جنوب)، الذي كانت تُسيطر عليه إسرائيل قبل انسحابها من القطاع عام 2005.

ولم تكن الأنفاق -في ذلك الحين- بتلك الجودة والإتقان التي عليها الآن، فكانت بدائية من حيث عمقها وطولها والآليات المستخدمة في حفرها، ولم يتجاوز أطولها 600 متر.

وتمكنت المقاومة الفلسطينية من ابتكار الأنفاق أسلوباً تكتيكياً جديداً في المواجهة مع إسرائيل، عبر مهاجمة المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية (ما قبل عام 2005)، ما شكّل تهديداً أمنياً أسهم في دفع إسرائيل نحو الانسحاب من غزة.

وفي أغسطس/آب 2005 انسحبت إسرائيل بشكل كامل من قطاع غزة وفق خطة أحادية الجانب، في وقت اعتبر فيه الفلسطينيون الخطوة انتصاراً لهم، وأنها جرت بفعل ضربات المقاومة.

فقد نفذت المقاومة عبر الأنفاق عدداً من العمليات العسكرية الكبيرة ضد المواقع الإسرائيلية بين عامَي 2001 و2004، التي شكّلت أحد أبرز ملامح الانتفاضة المُسلحة وأشدها ضراوة.

وبفضل الأنفاق تمكّنت المقاومة الفلسطينية من أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في يونيو/حزيران 2006 وإخفائه 5 سنوات، إلى أن جرى إطلاق سراحه في صفقة تبادل للأسرى أفرجت إسرائيل بموجبها عن 1027 أسيراً فلسطينياً في أكتوبر/تشرين الأول 2011.

تطور لافت

ومع مرور السنوات أخذ بناء الأنفاق وتطويرها منحى متصاعداً في استراتيجية المقاومة وتكتيكاتها، إذ تنوعت استخداماتها في مختلف الخطط العسكرية، في محاولة للتغلب على التفوق العسكري الإسرائيلي ميدانياً، وبخاصة سلاح الطيران.

ووفّرت الأنفاق ميزة التخفي عن مختلف أجهزة المراقبة الإسرائيلية براً وجواً وبحراً، ما منح عناصر المقاومة الفلسطينية أريحية نسبية في تنفيذ خططهم العسكرية دفاعياً وهجومياً، بعيداً عن أعين إسرائيل.

في هذا الصدد قال الخبير العسكري اللبناني والعميد متقاعد أمين احطيط إن "إرادة القتال" لدى المقاومة الفلسطينية وابتكار الأساليب القتالية بالاستفادة من تجارب سابقة على مستوى العالم، وجّهها نحو اللجوء لحل "الأنفاق" للتغلب على العجز أمام الطيران الإسرائيلي.

وأوضح احطيط في مقابلة مع وكالة لأناضول أن إسرائيل تمتلك السيطرة الجوية على قطاع غزة الذي هو منطقة مفتوحة سهلية تمثل ميداناً نموذجياً لعمل الطيران في التتبّع والمراقبة.

وأضاف أنه "باستخدام الأنفاق عالجت المقاومة ثغرات مهمة في بيئتها الدفاعية وعطّلت على الاحتلال إمكانات واسعة كان يلجأ إليها بالطيران وتمكنت من الثبات في المواجهة".

وخلال الحرب على غزة، صيف 2014، أحدثت الأنفاق مفاجأة عسكرية كبيرة للجيش الإسرائيلي، عبر عمليات "الإنزال خلف الخطوط" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد المواقع العسكرية الإسرائيلية أثناء دخول القوات برياً على حدود القطاع.

واعترف عدد من قيادات الجيش وضباطه في استخلاصاتهم للحرب التي استمرت 51 يوماً بفشل استخباري كبير وإخفاق وسوء تقدير لحجم شبكة الأنفاق التي بنتها حماس خلال سنوات ما قبل الحرب وقدراتها.

وقدّر العسكريون الإسرائيليون أن الجيش أنهى عمليته العسكرية حينها بلا دلائل دامغة على تدمير الأنفاق.

ويُعتقد أن الجنديين اللذيْن فقدهما الجيش الإسرائيلي في حادثين منفصلين بغزة خلال الحرب "شاؤول أرون" و"هدار جولدن" أُسرا عن طريق الأنفاق إلى داخل القطاع، ولا يزال مصيرهما مجهولاً حتى اليوم.

مدينة تحت الأرض

ويرى احطيط أن شبكة الأنفاق في غزة تمثل مدينة كاملة تحت الأرض تتضمن جميع العناصر التي تلزم العملية القتالية بأوجهها كافة.

وأشار إلى أن الأنفاق تضم "منظومة القيادة والسيطرة" التي تعدّ الركن الرئيسي في إدارة أي معركة بما تشمله من مفاصل قيادية وغرف إدارة العمليات التي (برأيه) لو كانت مكشوفة لإسرائيل لدمرتها بشكل كامل.

وحسب احطيط فإن مخازن السلاح والذخيرة ومستودعاتها ومعامل إنتاجها ومنصات إطلاق الصواريخ، كل ذلك يجري عبر شبكة الأنفاق تحت الأرض، فضلاً عن شبكة اتصالات خاصة بإدارة العمليات يتعذر على إسرائيل مراقبتها.

وبفعل ما سبق يرى الخبير اللبناني أن الأنفاق عطّلت على الجيش الإسرائيلي استعمال سلاحه بشكل فعال ومنحت المقاومة القدرة على الثبات في المعركة الطويلة.

إفشال "خطة كوخافي"

وإبان العدوان الإسرائيلي في مايو/أيار خرج رئيس أركان الجيش الإسرائيلي "أفيف كوخافي" بالقول إنه جرى تدمير معظم قدرات حماس الصاروخية عبر غارات استهدفت ضرب المصالح تحت الأرضية "مترو حماس".

وأضاف كوخافي حينها: "توجد ضربة قوية لكيلومترات عديدة من الأنفاق في شمال قطاع غزة".

من جانبه نفى يحيى السنوار رئيس حركة حماس في غزة مزاعم الجيش الإسرائيلي، وذلك في لقاء عقده مع صحفيين عقب انتهاء العدوان على غزة.

وقال السنوار إن حركته أفشلت "خطة كوخافي" التي أعدها منذ سنوات للقضاء على الأنفاق تحت اسم "رياح الجنوب" التي هدفت -حسبه- لقتل 500 مقاتل من حماس.

وأضاف أن "لدى حماس 500 كلم من الأنفاق تحت الأرض لم تُلحق إسرائيل ضرراً سوى بـ5% منها".

لا دلائل دامغة

وتعقيباً على ذلك اعتبر احطيط أن إسرائيل تصرفت بنوع من "العنجهية والخفة" حينما أعلنت أنها دمرت أنفاق حماس ولم تقدم الدليل على ذلك.

وقال إن إسرائيل "قد تكون دمّرت أجزاء معينة من الأنفاق، أما أن تكون قد دمرت الشبكة برمّتها وهي لم تدخل إلى القطاع برياً، ولم تُحدد أماكنها بدقة، فهذا أمر مردود عليه".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً