تابعنا
في صباح يوم 20 فبراير/شباط، نفذت السلطات المصرية حكم الإعدام بحق 9 من الشباب، على خلفية اتهامهم بالضلوع في اغتيال النائب العام المصري السابق المستشار هشام بركات، وكانت محكمة النقض أصدرت حكما نهائياً في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 يقضي بإعدام التسعة.

إن ما يحدث الآن من تجريف مرافق العدالة، والقضاء على كل ضمانات المحاكمة العادلة سيحيل بين الدولة وقيامها بالدور المنوط بها؛ وهو الحفاظ على السلام الاجتماعي، فهذا الاعتداء الصارخ على قواعد المحاكمات، لا يؤدّي فقط إلى توقيع العقوبات بشكل ظالم على المواطنين، ولكنه يفتح الباب لتجاوز المواطنين لسّلطة القانون التي لا يحترمها النظام من الأساس.

فتنفيذ الحكم سلّط الضوء على الاستخدام السياسي للقضاء في مصر، لا سيما في ظل هذه القضية التي شهدت مراحل المحاكمة الخاصة بها العديد من الانتهاكات الموثّقة، فمن بين 52 متهماً، تعرّض 40 للإخفاء القسري لفترات تراوحت بين 10 إلى 120 يوماً، كما تم انتزاع الاعترافات من 38 متهماً تحت التعذيب، وعلى الرغم من إصدار النيابة لقرارات بإحالة 14 متهماً إلى الطب الشرعي، فإن أوراق القضية لم تحتوِ إلا على تقرير واحد.

إن ما يحدث الآن من تجريف مرافق العدالة والقضاء على كل ضمانات المحاكمة العادلة سيحيل بين الدولة وقيامها بالدور المنوط بها وهو الحفاظ على السلام الاجتماعي.

محمد عادل سليمان

كما خلت لائحة الإثبات في الدعوى من أي دليل مادي سوى تحرّيات الشرطة، واعترافات المتهمين الذين أدلوا بها تحت وطأة التعذيب، وبينما اعتمدت المحكمة على هذه الشهادات فإنها لم تفتح تحقيقاً فيما تعرّض له المتهمون من تعذيب وحشي.

بذلك يكون الحال في هذه القضية، كما في كل قضايا الإرهاب، تتمّ محاكمة المتهمين؛ بناءً على تحريات أعدتها جهات أمنية، واعترافات يتم انتزاعها منهم بالقوة بمعرفة الجهات أمنية، وعقدت جلسات المحاكمة في مقرات أمنية، وقام بمحاكمتهم قضاة يتم تزكيتهم أيضاً عن طريق تقارير الجهات الأمنية.

توضح هذه القضية عدم حيادية القضاء المصري، وكذلك جهات التحقيق الممثلة في النيابة العامة، وتعدّ النموذج الأكثر وضوحاً على تحوّل أهداف النظام القضائي المصري من تحقيق العدالة، إلى التماهي مع الدولة وأجهزتها الأمنية في منهجها القائم على الانتقام لمن يُقتل من رجال النظام، وليس تحقيق العدالة لصالح الدولة والمواطنين.

تعديل القوانين والإطاحة بضمانات المحاكمة العادلة

بدأت التحقيقات في القضية في ظلّ ظروف عدائية تجاه المتهمين، وصلت إلى حدّ تصريح رأس السلطة التنفيذية ورئيس الدولة، إن السبب في انتشار الإرهاب واغتيال النائب العام يعود الي خلل في القوانين وإجراءات المحاكمات، وليس قصوراً أمنياً، ففي كلمة مقتضبة ألقاها السيسي خلال مراسم تتشيع الجثمان، وفي حضور أفراد من أسرة النائب العام السابق، قال فيها: "أيدي العدالة مغلولة بالقوانين ... أيدي العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين، واحنا مش هنستني على ده، احنا هنعدل القوانين اللي تخلينا ننفذ القوانين والعدالة بأسرع وقت ممكن، خلال أيام تتعرض القوانين، إحنا بنقابل الإرهاب، يبقي فيه قوانين بتجابه ده يبقي فيه محاكم تجابه ده".

توضح هذه القضية عدم حيادية القضاء المصري وكذلك جهات التحقيق الممثلة في النيابة العامة وتعدّ النموذج الأكثر وضوحاً على تحوّل أهداف النظام القضائي المصري من تحقيق العدالة إلى التماهي مع الدولة.

محمد عادل سليمان

وبالفعل تم إدخال عدة تعديلات على قوانين الإجراءات الجنائية، فمنح للمحكمة حقّ اختيار الشهود التي ترى لزوم سماع شهادته، كما أعطاها الحق في تقرير استبعاد من ترى عدم أهميتهم من الشهود، وتم تعديل قانون الكيانات الإرهابية ليسمح للمحكمة بالاكتفاء بالتحريات الأمنية لإدراج الكيانات والأشخاص على قوائم الإرهاب، كما أُدخلت تعديلاتٌ أخرى على قانون الإرهاب قلّصت من ضمانات المتهمين.

لم يكتفِ نظام عبد الفتاح السيسي بتقليص ضمانات المتهمين أثناء المحاكمة، فأصدر قانوناً يسمح له بتعيين رؤساء الجهات القضائية المختلفة؛ ليحكم سيطرته على مرفق العدالة بشكل كامل.

بين إرساء العدالة والانتقام

لم تتوقف تصريحات السيسي على انتقاد القانون، واعتبار أن السبب في الإرهاب هو احترام الدولة للقانون، ولكن ذهب إلى أكثر من ذلك عندما تحدّث عن عدم تقديمه لواجب العزاء إلا بعد ما اسماه "تحقيق العدالة، وإنهاء الإجراءات، فقال أثناء حديثه مع اسرة النائب العام السابق مخاطباً الشعب المصري: "إحنا عايزين نعزّيهم لكن مش بالكلام بالفعل، عايزين نعزّي كل المصريين بجد، مش بالكلام بالفعل، فعل ايه؟…. دولة بتقوم، بتطلع قدام .... إرهاب بيتم السيطرة عليه مضبوط، أحكام ناجزة للعدالة في أسرع وقت ممكن ده اللي احنا عايزين نعمله .. يحيا الشهيد يحيا الشهيد يحيا الشهيد".

لم يكتفِ نظام عبد الفتاح السيسي بتقليص ضمانات المتهمين أثناء المحاكمة فأصدر قانوناً يسمح له بتعيين رؤساء الجهات القضائية المختلفة ليحكم سيطرته على مرفق العدالة بشكل كامل.

محمد عادل سليمان

ومن المعرف قِبلياً في مصر أن إرجاء العزاء لا يكون إلا للأخذ بالثأر والانتقام من القتلة، وجاء ردّ الأجهزة الأمنية متواكباً مع تصريحات الرئيس؛ حيث أعلنت في مطلع شهر يوليو/تموز وزارة الداخلية عن تصفية 9 من قيادات جماعة الإخوان متهمين بتشكيل الخلايا النوعية المسؤولة عن تنفيذ العمليات الإرهابية، ويلاحظ ان بيان وزارة الداخلية ووسائل الاعلام كافةً استخدمت كلمة تصفية، ما يدلّ على اعتماد الوزارة منهج القتل خارج إطار القانون، وبدون محاكمات، وادّعت الأجهزة الأمنية انها تعرّضت لتبادل إطلاق نار، الأمر الذي نفته كل الأطراف وشهود العيان وكذلك الصورة التي روّجتها وزارة الداخلية وظهر فيها القتلى مقيدين، ما يعني أنهم قُتلوا بعد السيطرة عليهم وتقييدهم وليس أثناء تبادل لإطلاق النار.

إضفاء الشرعية على عمليات التصفية

ما حدث من خروقات قانونية وتعسف تجاه المتهمين الذين تم إعدامهم على خلفية اغتيال النائب العام لا يختلف كثيراً عن مشهد التصفية الذي تلا عملية الاغتيال، ففي هذه المحاكمة اقتصر دور النيابة العامة والقضاء على إضفاء صفة الشرعية القانونية على جميع الخروقات القانونية، التي تقوم بها الجهات الأمنية، والتي تمثل ذراع البطش للدولة ليصبح المشهد العام بعيد كل البعد عن تحقيق العدالة، ويكون أقرب إلى رد الفعل والانتقام.

ومن المفارقات أن الانتقام في هذه الحالة لا يُوجّه إلى مرتكبي أحداث العنف، بل يكون الانتقام على خلفية سياسة وأيدلوجية، بمعنى أن جماعه الاخوان متهمة بقتل النائب العام، إذاً سنقوم بإعدام عدد من أعضاء الجماعة، وهو نفس منطق الثأر في المجتمعات القبلية، التي سبقت نشوء الدولة بشكلها الحالي.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي