تابعنا
لم ينجح تمويل السعودية للحكومة المصرية في إثناء القاهرة عن التقارب مع الأسد، والتمويل الأمريكي للقوات المسلحة اللبنانية، لم ينجح على الإطلاق، في إضعاف حزب الله في بيروت, ومن الواضح أنه لا يمكن تحقيق أي استفادة من الأسد بالمال.

كان هناك مساعي من قبل لتحويل الرئيس السوري بشار الأسد إلى حصن إقليمي ضد إيران، لكنها فشلت. ويوجد أدلة ضئيلة أو تكاد أن تكون معدومة بأن الأمر سينجح هذه المرة.

أوشك النظام السوري بقيادة بشار الأسد على الانهيار مرتين بسبب الضغط الذي فرضته عليه الجماعات المسلحة في أواخر 2012 وبدايات 2015. وفي المرتين، أنقذت قوى خارجية بشار الأسد: فكانت إيران هي من أنقذته في المرة الأولى، ثم العمليات المشتركة بين روسيا وإيران في المرة الثانية. وقد تكرر وهمٌ مفاده أنَّ انقساماً استراتيجياً يحدث الآن -أو سوف يحدث- بين روسيا وإيران.

ويستمر هذا الاحتمال في إغراء الولايات المتحدة ودول أخرى، إذ تُقدَّم الاختلافات العرضية بين طهران وموسكو باعتبارها دليلاً على أن ديناميكيات الوضع الحالي تتحول بهذه الطريقة. ويجري في الوقت الحالي تناول جولة أخرى من مثل هذه التكهنات.

تشتت نظام الأسد بصورة جوهرية، إذ تُنتدب الميليشيات وقادة الحرب في مناطق عدة باعتبارها ممثلاً عن "الدولة". ويتنافس هؤلاء الممثلون الطامعون فيما بينهم. بل يتصارعون في بعض الأحيان، مثلما حدث مؤخراً مع الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد شقيق الديكتاتور بشار الأسد، وقوات النمر، التي يقودها سهيل الحسن.

يُعرف عن ماهر قربه من إيران، أما الحسن فهو الأداة الرئيسية التي تستخدمها روسيا برّاً، بعيداً عن قواتها المسلحة الأخرى التي تنكر وجودها. ومن ثم فسر البعض هذا على أَّنه أول مسمار في نعش محور إيران-روسيا. فبعد إنقاذ دولة الأسد، سيتنافس الطرفان من أجل الهيمنة على هذه الدولة، حسبما تشير هذه النظرية.

جاء تتبعٌ آخر لـ"الأدلة" التي تشير إلى زوال التحالف الروسي الإيراني من حدث علني وذي حيثية صدر عن موسكو مباشرة. ففي الأسابيع الأخيرة، طمأن الروس دول الخليج بأن النفوذ الإيراني سوف يُكبح جماحه ضمن عملية "تطبيع" نظام الأسد، وطمأنوا إسرائيل بأن روسيا وإيران ليسا حليفين أصيلين، بل إنهما "عملا معاً" وحسب.

لا تدل المشاجرات العرضية بين الفصائل المؤيدة لإيران والفصائل المؤيدة لروسيا إلا على عجز النظام وتعطله. تبدو هذه المشاجرات غير ذات صلة بالاتجاهات العامة، لكن ذلك يصادف في هذه الحالة أنها بعيدة تماماً عن كونها مسألة تتورط فيها روسيا وإيران. فالوحدات التي ترعاها لديها وكالة خاصة بها.

ومثل هذه المشاجرات -مثل التنافس على عقود "إعادة الإعمار"- تبدو هامشية، وأفضل ما يمكن وصفها به أنَّها حروب بيروقراطية بين الفصائل. يعتمد الروس والإيرانيون على بعضهم في سوريا ويعتمدون على نظام الأسد. سوف تنتصر هذه الحقائق الاستراتيجية دائماً، لتحدّ من اتساع رقعة أي تنافس على السلطة أو الموارد.

لطالما لعبت الإمارات دور القناة المالية الأساسية لكل من الأسد وإيران عن طريق دبي. أما السعودية، فلا يبدو أنها ستنضم إلى حلفائها في استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الأسد في الوقت الحالي.

كايل أورتن

وفي ضوء هذا، يجب أن يكون واضحاً وضوحاً منطقياً أن الرسائل الروسية حول الاختلاف مع طهران ليست إلا حملة تضليل تأتي في وقتٍ تعمل فيه موسكو جاهدة من أجل إعادة اندماج الأسد في المنطقة وفي النظام الدولي. الحكومة الروسية بكل بساطة ليست قادرة على الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، فما بالكم بإقصائها، وليس هناك مؤشر يدل على رغبتها في القيام بذلك.

يجب ألا يتأثر الإسرائيليون بمثل هذه الحملة الدعائية، ولأسباب ليس أقلها أنهم ارتأوا شيئاً كهذا مؤخراً: فقد أقنع الكرملين إسرائيل بوقف إطلاق النار بينما يستولي الإيرانيون على المنطقة الحدودية بين إسرائيل وسوريا خلال الصيف. ولكن بالنظر إلى سياسة إسرائيل تجاه سوريا حتى الآن، يبدو أن هذ المسألة غير واضحة. تبدو دول الخليج على وفاق مع روسيا.

تقف دول الخليج، وتحديداً السعودية وقطر، على النقيض من روسيا داخل سوريا. بدأت الحكومتان في دعم الجماعات المناهضة للأسد في 2012، لكن سرعان ما تحول هذا الأمر إلى منافسة داخلية فرقت وأضعفت المعارضة. يتجلى البديل المحتمل لهذا المسار فيما حدث في 2015، عندما عملا معاً لتوحيد المعارضة المسلحة وجماعات المعارضة، وقد أحرزت هذه الخطوة تقدماً استلزم تدخلاً روسياً مباشراً لإيقافه.

بعد نجاحهم في عكس مسار الأحداث، يحاول الروس دعوة الداعمين السابقين للمعارضة السورية إلى الطاولة السياسية لسوريا من خلال تجديد حكم الأسد. على سبيل المثال، تعمل موسكو حالياً على تعزيز التعاون بين الأسد وتركيا عن طريق مقترح بإعادة تنشيط اتفاقية أضنة المحتضِرة، فيما يتعلق بالتعامل مع إرهابيي حزب العمال الكردستاني. لا تزال أنقرة -حتى الآن- عنصر المقاومة الرئيسي، بين الأطراف الداعمة للمعارضة، الذي يرفض التعامل مع الأسد. وعلى النقيض من ذلك، تسير دول الخليج على الطريق إلى دمشق.

في ظل ريبتها الدائمة من الثورات، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق في ديسمبر/كانون الأول. وأعلنت البحرين أنَّها ستحذو حذوها. وفي وقت سابق من هذا الشهر، حاول منتدى أعمال في أبوظبي أن يجمع سوياً ما يزعم أنها القطاعات الخاصة في سوريا والإمارات.

لطالما لعبت الإمارات دور القناة المالية الأساسية لكل من الأسد وإيران عن طريق دبي. أما السعودية، فلا يبدو أنها ستنضم إلى حلفائها في مسعى استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الأسد في الوقت الحالي، وقد استبعدت قطر -منافسة السعودية الخليجية- هذه الاحتمالية.

إن أي استثمارات في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا في الوقت الحالي ليست بكل بساطة إلا تقديم دعم مالي إلى المشروع الإقليمي الإيراني.

كايل أورتن

تقول التبريرات التي يطرحها المسؤولون الخليجيون حول عودة التعامل مع دمشق، إنه نظراً لعدم وجود خطة لإجبار إيران على الخروج كلياً من سوريا، فهذه هي أفضل البدائل التالية للبديل الأول. ويجادل هؤلاء بأنها تُنوع إيرادات الأسد ومصادر الدعم، وهو ما سيضعف بمرور الوقت قبضة إيران ويمنحها نفوذاً عليه. وقد جُرِّب هذا من قبل.

عُزل نظام الأسد في منتصف العقد الأول من القرن الجديد بسبب استخدامه للإرهاب في السياسة الخارجية، وبرز ذلك من خلال التعاون مع داعش ضد القوات الأمريكية والحكومة العراقية. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في عام 2005 بالتعاون مع مليشيا حزب الله المدعومة إيرانياً.

غير أنه بعد مدة وجيزة من اغتيال الحريري، قررت دول الخليج -بقيادة السعودية وفي حضور قطر- تجربة استراتيجية مختلفة من خلال التعامل مع أقرب حلفاء إيران بين الدول العربية: لتمنح الأسد فرصة الخروج من حالة الإقصاء كي يتمكن من الابتعاد عن الإيرانيين. لم تنجح هذه الاستراتيجية. إذ إن مثل هذه الاستراتيجيات التي تعتمد على المشاركة الاقتصادية تكون أقرب إلى الفشل.

لم ينجح تمويل السعودية للحكومة المصرية في إثناء القاهرة عن التقارب مع الأسد، والتمويل الأمريكي للقوات المسلحة اللبنانية، لم ينجح على الإطلاق، في إضعاف حزب الله في بيروت.

وفي السنوات التي أعقبت آخر جهود اضطلعت بها دول الخليج لإغراء الأسد كي يبتعد عن طهران، صار الأسد أكثر اعتماداً على إيران. لا يمكن تحقيق أي استفادة من الأسد بالمال. لذا فإن أي استثمارات في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا في الوقت الحالي ليست بكل بساطة إلا تقديم دعم مالي إلى المشروع الإقليمي الإيراني.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي

TRT عربي