تجري في العاصمة البلجيكية بروكسل بين 17 و18 فبراير/شباط الجاري فعاليات النسخة السادسة للقمة الإفريقية-الأوروبية بمشاركة أكثر من 50 دولة (Others)
تابعنا

ورغم التفاؤل بإمكانية أن تمثل هذه القمة فرصة لتعزيز الشراكة بين الجانبين، فبدلاً من ذلك، توجد مخاوف من أن تتسبب في تراجع في علاقات الطرفين. إذ تتولى فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي في الستة أشهر الأولى من العام الجاري (2022)، فيما تمر علاقاتها الثنائية مع بعض دول الساحل بأسوأ مراحلها، كما تعيد بعض الدول الأوروبية، التي كانت تشارك في الجهود الأوروبية لمكافحة الإرهاب ومعالجة بعض تحديات الساحل، النظر في انخراطها وسحب جنودها من هناك. مما يعني المزيد من التنافس الأوروبي على إعادة النفوذ في القارة.

انقسام إفريقي أمام أوروبا

وبينما تتحدث أوروبا، رغم خلافات دولها، بصوت واحد تجاه القارة. في المقابل نجد أن جُل دول القارة الإفريقية تتبع نهجاً ثنائياً بالأساس في التعاطي مع القوى الكبرى، مما يضعف من مكانة القارة الإفريقية ككتلة، والاتحاد الإفريقي على وجه التحديد، رغم تواتر "المقررات" بشأن أهمية العمل على جعل القارة "تتحدث بصوت واحد" لا سيّما عند تمثيل القارة في المحافل المتعددة الأطراف.

وفي خطوة تعكس الشراكة غير المتكافئة بين الجانبين، وبدلاً من إظهار القارة ككتلة موحدة أمام الشركاء الدوليين وتعزيز وزنها الدولي، أقر مجلس الشؤون السياسية والسلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي مؤخراً خطوات من شأنها أن تسمح للاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم للأطراف الإفريقية بصورة ثنائية.

كما أن الطرفين، باعتبارهما تكتلين يبحثان عن تعزيز الشراكة بينها، ظلا يواجَهان ببعض التحديات التي تطفح على السطح تلقي بظلال سالبة على صيرورة تعاونهما. كما حدث مؤخراً للقوى الأوروبية في صراعها مع روسيا حول أوكرانيا، أو بالنسبة لإفريقيا ما وقع من خلاف بين فرنسا وبعض دول الساحل.

وعليه، وباعتبارها ديموقراطية مستقرة نسبياً في القارة، فمن المتوقع أن يلعب كل من غانا، التي تتولى رئاسة التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا (إيكواس) والسنغال، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي للعام 2022، ورواندا خلال قمة بروكسل دوراً مهماً في رأب الصدع المتزايد بين أوروبا أو فرنسا من جهة وبعض دول الساحل من جهة أخرى.

شراكة صعبة وهواجس متبادلة

من خلال انخراط أوروبا في الساحل الكبير نجحت، نسبياً، عبر العديد من المبادرات والمشاريع المتنوعة في إرساء أسس للتعاون والشراكة، ولكن على الهواجس الأمنية. وتقوم الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا على ركائز أساسية تشمل الهجرة، ومكافحة جائحة كوفيد–19 وتغيير المناخ، فضلاً عن الديون الدولية. والتي تشكل هواجس لقادة الدول والحكومات بالقارة السمراء. وتتعالى أصوات من داخل القارة بأن تعاطي أوروبا مع القارة الإفريقية لا يرقى إلى معنى الشراكة "الحقيقية".

في المقابل، ينطلق الأوروبيون من رؤية تجاه الساحل تقوّم التعامل معه باعتباره إقليماً يعج بالتهديدات العابرة للحدود كالإرهاب وشبكات الجريمة المنظمة التي تهدد أوروبا، وأيضا كساحة لمواجهة القوى المنافسة الصاعدة كالصين وروسيا وتركيا.

ورغم التوتر الذي يخيم على أجواء القمة، يسود تفاؤل لدى بعض الدوائر، بأن المصالح العليا للجانبين تحتم عليهما تنحية خلافاتهما جانباً وأن الكفة تميل إلى صالح أوروبا، لا سيّما وان الجانب الإفريقي ليس على قلب رجل واحد، سواء على صعيد مواقف بعض الدول منفردة في نظرتها إلى أوروبا، أو على الاتحاد الإفريقي، أو التجمعات الاقتصادية الفرعية بالقارة.

الفشل الفرنسي في الساحل الكبير

كان الانخراط الأوروبي المكثف في الساحل الكبير قد جاء عقب صعود الجهاديين في شمال مالي أواخر العام 2012، ليشكل أحد نماذج النجاح الأوروبي في تنحية الخلافات والتعاون في التصدي لتهديدات مشتركة خارج حدود القارة، بيد أن كل تلك الجهود تذهب أدراج الرياح حالياً، ليغدو الساحل الكبير أحد أكثر التحديات التي تواجه أوروبا خلال المراحل المقبلة، ليس فقط على الصعيد الأمني ولكن على الصعيد الدبلوماسي والسياسي مع بدء تراجع النفوذ الفرنسي مؤخراً.

وشكلت التحديات في جمهورية مالي، نموذجاً للتعاون الأوروبي في تطوير سياسيات متماسكة في التعامل مع التحديات عابرة الحدود، كان يمكن تطويرها لتشمل ليس فقط عموم منطقة الساحل الكبير وحوض بحيرة تشاد، لا سيّما الإرهاب والتنمية، وإنما أيضا القارة الإفريقية التي تواجه تحديات مماثلة.

في هذا الصدد، فإن إعلان فرنسا في تشرين الأول/أكتوبر 2021م، سحب قواتها من مالي، وتبعتها دول أوروبية أخرى، سيتسبب في فراغ أمني كبير وذلك بالنظر الى ضعف الأجهزة الأمنية المحلية نتيجة لعدم تركيز الشركاء الدوليين على بناء قدرات هذه القوات بشكل حقيقي.

كانت الجهود الغربية والأوروبية بقيادة فرنسا تهدف إلى إرساء الاستقرار من خلال سياسات مكافحة الإرهاب، ومع ذلك فشلت تلك الجهود بشكل كبير، فبدلاً من تحقيق نجاحات أمنية ملموسة، وخاصة بالنسبة إلى السكان المحليين، انتهت إلى نتائج عكسية أدت إلى تراكم الغضب الشعبي تجاه السياسات الفرنسية، وبالتالي خلق أرضية ملائمة لموجة الانقلابات التي تعصف حالياً بدول الساحل الكبير وصعود أنظمة جديدة تبحث عن شركاء جدد كالصين وروسيا وتركيا، بعيداً عن أوروبا.

وعطفاً على ما سبق، تجدر الإشارة إلى القمة التي عُقدت في مونبيليه (جنوب فرنسا) في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي (قمة إفريقية-فرنسية) تهدف إلى "الخروج من الصيغ والشبكات البالية" حسب الرئيس ماكرون حينها، والاستماع إلى أصوات أخرى غير الرسميين: المجتمع المدني والشباب، والأكاديميين.

وتبدو أوروبا غير قادرة على التحرر من التحالف مع الأنظمة غير الديمقراطية الهشة، إذ تخشى من نتائج الديمقراطية على مصالحها، كما لا تثق البتة في شعوب المنطقة! بيد أن ذلك فتح الأبواب أمام قوى أخرى منافسة لأوروبا، وتحديداً وروسيا لدعم موجة الانقلابات الأخيرة ببعض دول الساحل.

تحديات الشراكة في عالم يتغير

وبينما تكافح أوروبا من أجل إرساء نهج تعاوني وشراكة ناضجة بينها وبين القارة السمراء، لم يمنع ذلك صعود نفوذ فاعلين آخرين كالصين وروسيا، بجانب تركيا، على حسابها في القارة السمراء والذي تجلى بوضوح في الخلافات بين فرنسا والشركاء الأوروبيين الآخرين وبعض دول الساحل مما ينعكس سلباً على الشراكة الإفريقية-الأوروبية.

كذلك، وفي ظل موجة التكالب الجديدة على القارة السمراء، تشكّل هذه القمة أيضاً فرصة أمام أوروبا لتأكيد التزامها بالشراكة مع إفريقيا من خلال تقديم نهج جديد لإعادة الارتباط مع القارة الإفريقية على أسس المساواة والكرامة والاحترام المتبادل، واحترام خيارات القارة في البحث عن مصالحها من خلال تنويع الشراكات مع أطراف أخرى ليست بالضرورة على حساب أوروبا، أو ضدها.

عطفاً على ما سبق، وفي وجه آخر للحرب الباردة الجديدة في القارة السمراء، ولمواجهة تنامي الصين من خلال مبادرتها الحزام والطريق، إذ بلغت الاستثمارات الصينية نحو 46.4 مليار دولار أمريكي، أعلن الاتحاد الأوروبي في 1 فبراير/شباط عن خطة لتخصيص ما يعادل 340 مليار دولار كاستثمارات في البنية التحتية لمواجهة نفوذ الصين في إفريقيا ضمن ما أطلق عليه "بوابة الاتحاد الأوروبي العالمية".

بشكل عام، فإن التوتر المتصاعد بين فرنسا وأوروبا من جهة، وبعض دول الساحل، خاصة مالي، من جهة أخرى، سوف يلقى بظلال سالبة على كافة الجهود التي بُذلت في العقود الماضية من الشراكة والتعاون المتعدد الأطراف، وبالتالي تُشكّل هذه القمة اختباراً لتجاوز تحديات العلاقات بين الطرفين.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي