زلماي هو اسم بشتوني ويعني فتى، ولد في مزار الشريف، ورأى القصر الرئاسي لأول مرة عندما كان لا يزال فتى يافعاً يزور كابل بعد مغادرته قريته، في ذلك الحين كان القصر لا يزال القصرَ الملكي للملك ظاهر شاه، لم يكن زلماي يتوقع أن يصبح ذلك القصر مقراً لمفاوضاته ولقاءاته مع السياسيين الأفغان لاحقاً.
كيف تحوّل هذا المواطن الأفغاني إلى سفير للولايات المتحدة في أفغانستان والعراق ومبعوث خاص يمثّلها في هذا الملف؟.
تبدأ القصة عندما سافر زلماي إلى الولايات المتحدة للدراسة عام 1966، وهناك تقابل مع زميله في المنحة أشرف غني وهو من عائلة أفغانية بارزة، أصبح أشرف لاحقاً رئيساً لأفغانستان قبل هروبه مؤخراً بعد سقوط كابل في يد طالبان.
حدث انقلاب على الملك ظاهر شاه عام 1973، وحصل زلماي في نفس الفترة على منحة لدراسة الدكتوراة في جامعة شيكاغو، تلك المنحة التي ستكون طريقاً ليصبح مواطناً أمريكياً بل سفيراً للولايات المتحدة في أفغانستان.
اللقاء الذي غيّر حياة زلماي جاء عندما سمع عن محاضرات للبروفيسور "ألبرت وولستيتر". أثار الأستاذ انتباه زملاء زلماي، حينما كان يحكي عن وزير الخارجية هنري كيسنجر باسمه الأول هنري، وعندما ذكر الرئيس جون كينيدي وصفه بـ"جون"، وهذا يعني معرفته الشخصية والقريبة منهما، حضر زلماي بقية المحاضرات.
كان ولستيتر أستاذاً للعلوم السياسية، وكان يملك شركة تحت اسم "بان هيوريستيكس" في كاليفورنيا تنفذ مشاريع بحثية لصالح الحكومة الأمريكية، ووصفه زادة في مذكراته بقوله: "لم يكن تحليل مؤسسات ولستيتر السياسي يتأثر بمن يدفع الفواتير"، وكان ولستيتر يعقد حلقات بحثية لطلابه عن الانتشار النووي انضمّ زلماي إليها.
استفاد زلماي من القرب من هذا الأستاذ الذي أدخله قلب السياسة الأمريكية، حتى أنّ زلماي قدّم استشارة لوزير الدفاع جيمس شليسنجر في عهد الرئيس فورد. في هذا النقاش عبّر زلماي عن توقعه مقاومة الأفغان للسوفييت وقال للوزير: "أنت لا تعرف الأفغان"، وردّ وزير الدفاع: "لن يخرج السوفييت، أنت لا تعرف الروس!".
استطاع ولستيتر تعيين زلماي مساعد باحث في هذه الشركة التي تقدّم خدمات بحثية للحكومة الأمريكية، والمفارقة أنه لم يسمح له بقراءة الأبحاث كاملة، لأن المعلومات صُنّفت على أنها سرية من الوكالة الحكومية للحد من الأسلحة النووية، ولم يكن يملك تراخيص أمنية كطالب أجنبي للاطلاع عليها.
تزوج زلماي من سيدة أمريكية مسيحية رغم أنه مسلم، وعقد قرانهما في الكنيسة، وتزوّج زميله أشرف غني من لبنانية مسيحية. وفي تلك الفترة 1978 كتب زلماي عدة مقالات عن أفغانستان تحت اسم مستعار، خوفاً على عائلته، وكانت تلك المقالات السياسية تحلل الوضع في أفغانستان بعد وصول حزب شيوعي للحكم.
اتصل أحد مستشاري بريجنسكي (مستشار الأمن القومي في فترة رئاسة كارتر) بزلماي، قائلاً له: "لقد علمنا أن المقالات تعود إليك، هل تودّ تقديم المساعدة للإدارة الأمريكية بتحليل الوضع في أفغانستان؟"، رحّب زلماي في أن يكون مستشاراً بخصوص أفغانستان وهو أستاذ مساعد في جامعة شيكاغو.
يبدو أن لعبة السياسة بدأت تغوي زلماي، ففي عام 1978 بعد انقلاب أفغانستان، قرر وزوجته زيارة باريس، وفي باريس سمع عن التظاهرات ضدّ الشاه، وهناك بحث عن شخص إيراني يُدعى إبراهيم يزيدي لينسّق معه اللقاء بالخميني. كان الخميني يعيش في قرية تدعى نوفل لو شاتو، ذهب زلماي إلى تلك القرية بالقطار، ولم يكن يعرف البيت لكنه سار بجانب الإيرانيين المتوجهين إلى إحدى الضواحي، وهناك قابل الخميني، وطلب الخميني من أحد مساعديه أن يخبر البروفيسور الأمريكي أنهم يريدون الديمقراطية وحقوق المرأة، فهذا ما يود الأمريكان سماعه، ابتسم زلماي لأنه يعرف الفارسية وفهم عبارة الخميني.
دخل زلماي في حوار مع الخميني عن شكل الحُكم المرجوّ بعد الثورة، وانتهى اللقاء بشعور زلماي أن النظام القادم في طهران استبدادي ديني، وعندما أخبر زملاءه الإيرانيين في شيكاغو بتحليله للوضع، رفضوا بسبب الرومانسية الثورية الحالمة، لكنه بعد عدة أشهر نجحت الثورة الإسلامية في إيران وعاد الخميني إلى طهران.
خرجت عائلة زلماي إلى باكستان، وهنا قرر أن يدعو للمقاومة العلنية للغزو السوفيتي في مقالات باسمه، وهنا انتبهت له وكالة المخابرات الأمريكية التي رتّبت له جولة حول العالم، لإلقاء محاضرات حول الغزو السوفيتي والردود الأمريكية المحتملة، وتلقّى دعوات من مؤسسات بحثية في واشنطن، واشترك مع برنارد لويس في حلقة نقاشية في جامعة برنستون.
أصبح زلماي مع الوقت شخصية لها رأيها في الملف الأفغاني، قدّم شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس، مفادها وجوب الموافقة على صفقة تُعطى فيها طائرات F16 إلى باكستان، مقابل تسهيلات من باكستان لوصول الأسلحة إلى الأفغان، وبسبب هذه الشهادة، دعا الجنرال إعجاز عظيم، سفير باكستان في الولايات المتحدة زلماي إلى زيارة باكستان، خصوصاً أنّ ضياء الحق رئيس باكستان أعجبه ذلك الرأي، وفي مذكراته حكايات عن حيرته من الذهاب إلى هناك بسبب اعتراضه على ملف حقوق الإنسان، لكنه غلّب المصالح السياسية ورأى أن باكستان يجب دعمها حتى لا تقع فريسة للسوفييت أيضاً.
اعتمدت الإدارة الأمريكية على زلماي حين لا تفهم التعامل مع قادة الأفغان، تحدثت معه إدارة الأمن القومي، حينما زار حكمتيار نيويورك لحضور جلسة للأمم المتحدة عام 1985، كانت المشكلة التي تواجههم أن حكمتيار يرفض مقابلة الرئيس ريجان، أتى زلماي ليقنعه وردّ حكمتيار: "تريدني أن أتصور مع ريجان وتضيّع سمعتي في العالم الإسلامي؟!"، المرة الثانية استُدعي عند زيارة يونس خالص وعدم وجود مترجم بين ريجان ويونس، جلس زلماي للترجمة، وكانت أول عبارة يترجمها دعوة يونس ريجان للدخول في الإسلام.
استمر زلماي بعد ذلك كباحث في مؤسسة راند، واستمر في تقديم المشورة والاقتراحات للإدارة الأمريكية بشأن الملف الأفغاني، انهار النظام الشيوعي عام 1992 في أفغانستان، وكان اقتراح زلماي انخراط أمريكي أكبر في أفغانستان، واستمر التواصل بينه وبين حامد كرزاي وتحالف الشمال لتقويض حركة طالبان.
عندما حدثت أحداث 11 سبتمبر/أيلول كان زلماي يعمل ضمن الفريق الرئاسي مع جورج بوش، تذكر الناس أشياء كثيرة، لكن أقلها هي أصول زلماي الأفغانية، كان أمريكياً في منصب كبير وقريب من الرئيس، لكنه شارك في كتابة خطاب بوش بعد هجمات سبتمبر/أيلول، والذي ورد فيه وصف للحياة في أفغانستان. هكذا عاد زلماي كدبلوماسي بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، واعتاد الوصول إلى أفغانستان بعد الغزو الأمريكي على طائرة C17 الضخمة، بصحبة عربات مقاتلة تشحن في طريقها إلى قاعدة باغرام الجوية أو قندهار.
شارك زلماي في كل الخطوات الخاصة بعد دخول أمريكا أفغانستان، الخلاف بينه وبين الرئيس بوش ووزير الدفاع رامسفيلد كان حول مسألة المشاركة في خطة بناء مؤسسات الدولة في أفغانستان، وكان رد بوش: "لسنا هناك من أجل حلّ مشاكلهم"، لكن زلماي ردّ بقوله: "لا يمكننا حل مشاكلنا دون مساعدتهم على حل مشاكلهم".
كانت سنوات زلماي في أفغانستان محاولة لجعله بلداً طبيعياً، لقد رأى وطنه منهكاً من الحروب، والصراع بالوكالة بين القوى الإقليمية، وتنامي تجارة الأفيون، وأعداد ضخمة من اللاجئين في دول مجاورة، لذلك كانت سنوات عمله محاولة لمساعدة القادة الأفغان على مساندة الحكومة الهشة، والتوسط في النزاعات مع أمراء الحرب، فكّر كرزاي في اعتقال دوستم أكثر من مرة بسبب تجاوزات مليشياته لكن زلماي طلب منه تأخير هذا القرار حتى لا يؤثر على تحالف الشمال.
لا نلتمس في شهادات زلماي ندماً على معالجة الإدارة الأمريكية الملف الأفغاني، أو كشف الأخطاء والسياسات النزقة أو عدم وجود رؤية استراتيجية، ونرى في قصته نفسها القدرة العالية لدولة مثل أمريكا في إدماج المهاجرين ووصولهم إلى مناصب مهمة وحساسة في الدولة.
شارك زلماي في اتفاقيات السلام بين الولايات المتحدة وطالبان، ومنذ يومين أعلن الاستقالة من منصبه كمبعوث أمريكي خاص إلى أفغانستان، تلك المهمة التي عمل فيها منذ وصل إلى الولايات المتحدة واستُفيد من معرفته اللغة ودوائر العلاقات مع القادة الأفغان.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.