تابعنا
تستثمر إسرائيل وإدارة الرئيس ترمب في بعض التجار والسياسيين الفلسطينيين لاستخدامهم كأدوات ضغط على السلطة الفلسطينية وتمرير بنود صفقة القرن، وهم الذين شارك بعضهم مؤخراً في ورشة المنامة.

بعد انفضاض قمة البحرين الاقتصادية التي عقدت يومي 25 و 26 يونيو/تموز، بنتائجها المتواضعة، والتمثيل المنخفض لجميع الدول المشاركة فيها، واصل الفلسطينيون حتى اللحظات الأخيرة مقاطعتهم لها، على الرغم من الترهيب والترغيب الذي مارسته الولايات المتحدة عليهم، سواء مباشرة أو عبر وكلائها في المنطقة.

لعلها من المرات القليلة التي يتفق فيها الفلسطينيون، كل الفلسطينيين، على موقف سياسي واحد، منذ أن حل الانقسام بينهم عام2007، إذ أعلنت السلطة الفلسطينية وحماس، وباقي القوى السياسية، مقاطعتهم لقمة البحرين، ورفضهم لها، بل طالبوا الدول العربية بعدم المشاركة فيها لإفشالها، باعتبارها أول فاعلية أمريكية هادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية.

وصدرت مواقف فلسطينية مختلفة تحذر من خطورة قمة البحرين، واعتبرتها تبنياً للرؤية الإسرائيلية الخاصة بالسلام الاقتصادي، بحيث تكون مقاطعتها قراراً وطنياً ملزماً لكل الفلسطينيين، حتى إن بعض المسئولين الفلسطينيين لم يترددوا حين وصفوا أي فلسطيني سيشارك فيها بـ"العميل" للأمريكان وإسرائيل.

وقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كتابة هذه السطور، بكلام بعيد عن الدبلوماسية أن "مؤتمر البحرين كذبة كبيرة، اخترعها كوشنر للضحك على الناس، ونحن لا أحد يضحك علينا، الكل الفلسطيني رفض المؤتمر، ولم يحضره سوى جاسوس لا أريد ذكر اسمه، وخرج برعاية إسرائيل".

مع العلم أن المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأمريكية ناثان تيك أعلن فور الدعوة إلى القمة أن واشنطن تشاورت مع رجال أعمال فلسطينيين بشأن حضورها، فيما كشفت مصادر فلسطينية أن الإدارة الأمريكية على اتصال مع رجال أعمال وأكاديميين فلسطينيين في الداخل والخارج لدعوتهم للمشاركة في المؤتمر.

كما تلقّى رجال أعمال فلسطينيون دعوات لحضور المؤتمر، فأكد رجل الأعمال إبراهيم برهم، الرئيس التنفيذي لشركة صفد لتكنولوجيا المعلومات تلقيه دعوة، لكنه لن يشارك دون قرار وطني، وكرر عرفات عصفور رئيس مجلس إدارة مركز التجارة الفلسطيني بال تريد، ذات الموقف الرافض.

وقال بشار المصري، رئيس مجلس إدارة شركة فلسطين للتنمية والاستثمار باديكو، أنه وُجهت إليه دعوة للمؤتمر، لكنه لن يشارك، وأعلن عبد الكريم عاشور، أحد شخصيات المجتمع المدني بغزة، أن دعوة وجهت للمؤتمر، فرفضها.

كان من الصعب وسط هذه المواقف الفلسطينية: الرسمية والفصائلية والشعبية والاقتصادية، الرافضة لمؤتمر البحرين، أن يخرج بينهم من يوافق على المشاركة، ويعلن ذلك على الملأ دون خوف أو خجل.

لكن ذلك تحقق، للأسف الشديد، وخرج من الضفة الغربية وفد اقتصادي فلسطيني، وذهب إلى المنامة، والتقى بالمندوبين الإسرائيليين وعلى رأسهم الجنرال يوآف مردخاي، المنسق السابق لشئون المناطق الفلسطينية بوزارة الحرب الإسرائيلية.

دار الحديث في قمة البحرين عن مشاركة فلسطينيين عدة من عالم المال والأعمال، حاولوا في بداية الأمر إخفاء أسمائهم لأسباب أمنية، لكن الأمر سرعان ما تكشف، فقد ترأس هذا الوفد رجل الأعمال من مدينة الخليل أشرف الجعبري، وبجانبه أشرف غانم، وخلدون الحسيني، وصالح أبو ميالة، ومروان الزبيدي، وجريس الطويل.

فور انتهاء مؤتمر البحرين، وعودة المشاركين إلى بلدانهم، قامت أجهزة الأمن الفلسطينية باعتقال أبو ميالة، أحد المشاركين من مدينة الخليل، لكنها أطلقت سراحه بضغط من الأمريكيين، الأمر الذي يشير إلى مدى اهتمام الإدارة الأمريكية بهم، فيما تمكن غانم من الهروب إلى إسرائيل حين داهمت المخابرات الفلسطينية منزله لاعتقاله.

حاولت أجهزت السلطة الأمنية اعتقال باقي رجال الأعمال من الضفة الغربية الذين شاركوا بالمؤتمر لكن تبين أنهم هربوا من مناطق السلطة إلى إسرائيل.

عدنان أبو عامر

زعم غانم أنه تعرض قبل المشاركة في المؤتمر وبعد انتهائه، للتهديد والاضطهاد من السلطة الفلسطينية.

وقد حاولت أجهزت السلطة الأمنية اعتقال باقي رجال الأعمال من الضفة الغربية الذين شاركوا بالمؤتمر، لكن تبين أنهم هربوا من مناطق السلطة إلى إسرائيل، ورجحت أوساط إسرائيلية أن يحاول بعضهم مغادرة إسرائيل لتجنب الاعتقال في حال عودتهم إلى المناطق الفلسطينية.

يبدو السؤال منطقياً عن هوية هذه الشخصيات التي استطاعت كسر الإجماع الوطني الفلسطيني، وشاركت في قمة البحرين التي توافق الفلسطينيون جميعاً على مقاطعتها، ورفضها، ووصف من يشارك فيها بأبشع الصفات وأقذع الألفاظ.

لقد سعت هذه المجموعة الاقتصادية الفلسطينية في الشهور الأخيرة لتنفيذ جملة من المشاريع التجارية والاقتصادية بالشراكة مع الإسرائيليين وبرعاية أمريكية، فقد نظمت في مايو/أيار خلال شهر رمضان إفطاراً جماعياً بمدينة الخليل بحضور قادة المستوطنين الإسرائيليين، ما أثار ردود فعل فلسطينية غاضبة، وطالبت بفرض العقوبات على المبادرين إلى المأدبة، وهناك من وصفهم بالخيانة العظمى التي تستوجب فرض العقوبات الصارمة.

يوسي داغان، رئيس المجلس الاستيطاني الإسرائيلي "شومرون" لم يتورع عن القول إن هذه الفعالية جاءت على طريق خلق بديل للسلطة الفلسطينية يمكن التفاهم معها من أجل التوصل إلى عيش مشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ذكرت هذه السطور في مقال سابق أن الشخصيات ذاتها شاركت في فبراير/شباط بمؤتمر عُقد في القدس المحتلة عن العلاقات الاقتصاديّة الفلسطينيّة الإسرائيليّة، برعاية السفير الأميركيّ في تلّ أبيب ديفيد فريدمان، وحضور رجال أعمال إسرائيليّين على رأسهم رامي ليفي.

وعلى هامش المؤتمر الذي حظي بتغطية إعلامية إسرائيلية واسعة، انعقد لقاء سريّ منفرد بين فريدمان ورجال المخابرات المركزيّة الأميركيّة من جهة، مع الجعبري وليفي من جهة أخرى.

يعتبر الإسرائيليون أن الجعبري شريك مقرّب من فريدمان ويقدّم نفسه كزعيم فلسطيني محلي ويهتم بالتعايش مع إسرائيل.

عدنان أبو عامر

وفي سبتمبر/أيلول 2018، أعلن أحد قادة المستوطنين آفي تسيرمان إقامة "غرفة تجارة يهودا والسامرة" لتنسيق المشاريع الاقتصاديّة في الضفّة الغربية، ويضمّ رجال أعمال فلسطينيين وإسرائيليين، وكشف أنّ الجعبري عرّفه على تجّار فلسطينيين للعمل معه، وهناك من يتحدث عن وجود أكثر من 250 رجل أعمال فلسطينياً لديه عضوية في هذه الغرفة، بجانب نفس العدد من الإسرائيليين.

يعتبر الإسرائيليون أن الجعبري شريك مقرّب من فريدمان، ويقدّم نفسه كزعيم فلسطيني محلي، ويهتم بالتعايش مع إسرائيل، ومن الشخصيات التي قد تتحدث معها واشنطن عن صفقة القرن، وأنّ الجعبري أبلغه بأنّه مستعدّ للجلوس مع الإسرائيليّين والأميركيّين ودول الرباعيّة لمناقشة خطّة بديلة لاتفاق أوسلو.

واشنطن من جهتها لديها علاقات ساخنة مع الجعبري، الذي يدعو لربط مصير الفلسطينيّين بالإسرائيليّين، ويصفه فريدمان "بالصديق"، و "باسم الولايات المتحدة لا نسعى لشريك أفضل منك"، وقد تجري دعوته مع رفاقه في الأشهر المقبلة للقاء الرئيس الأميركيّ دونالد ترمب.

لم يتوقف الأمر عند المشاركة في مؤتمرات اقتصادية، فقد شارك الجعبري ورفاقه في فبراير/شباط2017، في مؤتمر بالقدس لمناقشة السيطرة الإسرائيليّة على الضفّة الغربية، وحضره وزراء يمينيون إسرائيليّون، وقال الجعبري في المؤتمر "لا نمانع ضمّ الضفّة إلى إسرائيل، إذا أرادت إسرائيل ضمها، فلا أحد يستطيع منعها من ذلك".

هذه المجموعة من رجال الأعمال والتجار الفلسطينيين قد تستخدمها إسرائيل كي تكون حصان طروادة لتنفذ من خلالهم مخططاتها ضد الفلسطينيين.

عدنان أبو عامر

أكثر من ذلك، فقد انتقل الجعبري ورفاقه خطوة إلى الأمام، هذه المرة سياسية بامتياز، حين أعلنوا في مايو/أيار عن تشكيل حزب "الإصلاح والتنمية"، وتكوّنت هيئته التأسيسيّة من أشرف وخضر الجعبري، وعيسى علان، وخلدون الحسيني، وأشرف غانم، ونصر التميمي، ووصل عدد أعضاء مؤتمره التأسيسيّ إلى خمسة آلاف ناشط في الضفّة الغربيّة.

بعد ساعات على إعلان الحزب، صدرت مواقف فلسطينية تهاجمه، لأنه خارج عن الصفّ الوطنيّ، وتتساوق أفكاره مع إسرائيل، التي تعمل على تفريخ منظمات وأحزاب غلافها فلسطيني ومضمونها صهيوني.

على الرغم من كل ما تقدم عن علاقات هؤلاء التجار ورجال الأعمال الفلسطينيين بالأمريكان والإسرائيليين، لكنهم في الأوساط الشعبية الفلسطينية غير معروفين، ولذلك يعتبر الجعبري شخصيّة معزولة يسمع به الفلسطينيون في الإعلام الإسرائيليّ، وربّما يستخدم حزبه كأداة إسرائيليّة أميركيّة لجسّ نبض الفلسطينيّين تجاه المشاريع السياسيّة المقبلة، وقد يعتبر الحزب فزّاعة أمريكيّة للرئيس عبّاس ليقبل بصفقة القرن.

مع العلم أن تجربة الحزب الجديد الذي يترأسه الجعبري فيه محاكاة لروابط القرى التي أسستها إسرائيل في السبعينيات والثمانينيات لتكون بديلاً عن منظمة التحرير.

وعلى الرغم من أنّ قادة الحزب من متوسّطي الحال اقتصاديّاً، لكنّهم قد يحصلون على دعم أميركيّ إسرائيليّ، ما قد يؤهّل بعضهم لتولّي مواقع وزاريّة وحكوميّة فلسطينية، لأن الحزب يتحضر لخوض الانتخابات الفلسطينية القادمة، في حال حصلت فعلاً.

صحيح أن هؤلاء التجار ورجال الأعمال لا يملكون أي تأثير على الأرض بين الفلسطينيين، باستثناء قدرتهم على تسهيل معاملاتهم مع الإسرائيليين، سواء للسفر والعلاج والعمل والتعليم، وهناك تعويل من قبلهم على أن تلبية مصالح المواطنين المعيشية والاقتصادية من خلالهم قد تجعلهم يحظون بشرعية شعبية يفتقدونها بين الفلسطينيين، في ظل الواقع الفلسطيني الصعب.

ومع ذلك، فلا يحتاج أحدنا لكثير من الذكاء كي يدرك أن هذه المجموعة من رجال الأعمال والتجار الفلسطينيين، قد تستخدمها إسرائيل كي تكون حصان طروادة، أو جسراً لتنفذ من خلالهم مخططاتها ضد الفلسطينيين، وهم أشبه ما يكونون بنموذج جيش "لحد" في جنوب لبنان، الذي كان يتعامل علانية مع الجيش الإسرائيلي، على الرغم من فارق الظروف واختلاف المعطيات بين فلسطين ولبنان، لكن الحالتين قد تُعتبران وجهين لعملة واحدة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي. 

TRT عربي