رئيس الوزراء الإسرائيلي / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

منذ تشكيله الحكومة السابعة والثلاثين في إسرائيل، برز عديد من المؤشرات على أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد يسعى للتعاطي مع ملف إيران النووي بطريقة مغايرة لما كانت عليه سياسته في السابق.

أول هذه المؤشرات يتمثل في التعيينات الحكومية والوزارية، التي جاء على رأسها تعيين وزير الحرب يوآف غالانت الذي يقف على يمين رئيسه في ضرورة استخدام كل الخيارات اللازمة لمنع إيران من حيازة القنبلة النووية، وفي مقدمتها الخيار العسكري. إلى جانب تعيين تساحي هنغبي رئيس مجلس الأمن القومي المقرب من نتنياهو، الذي أعلن فور فوز نتنياهو أنه "سيشنّ هجوماً على إيران خلال ولايته الحكومية القادمة من أجل تدمير سلاحها النووي، بزعم أنه لن يكون أمامه خيار آخر، لأنه إذا لم يفعل ذلك فستواجه إسرائيل تهديداً وجودياً"، فضلاً عن تعيين رون دريمر وزير الشؤون الاستراتيجية المكلف تحديداً ملفات المشروع النووي الإيراني والعلاقات مع الولايات المتحدة والتطبيع مع السعودية.

هذه التعيينات لا تُبقي كثيراً من الشكوك في أن نتنياهو يحضّر البيئة الداخلية والخارجية لإمكانية تنفيذ تهديداته القديمة الجديدة ضدّ إيران، وهو ما كشفه خلال لقائه الأخير مع قادة منظمة الإيباك الخاصة باللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، مع العلم أنه يتسلّم مهامه الحكومية وهو يستقبل رئيس أركان جديد للجيش هو هآرتسي هاليفي، وبجانبه رئيس الموساد الحالي ديفيد بارنياع، وهما المسؤولان العسكريان الأمنيان الأكثر اضطلاعاً باتخاذ قرار الهجوم على إيران.

النووي الإيراني (AA)

حتى إن أفيف كوخافي قائد الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته في هذه الأيام أعلن أنه "إذا لم تنضم الولايات المتحدة لمهاجمة إيران، فيجب أن يكون لدى إسرائيل القدرة على تنفيذها، ولو بمفردها"، وعند الحديث عن وجود خلافات إسرائيلية شديدة حول أساليب العمل ضدّ إيران، زعم وجود اتفاق إسرائيلي راسخ على عدم السماح لطهران بحيازة قدرات نووية.

لم يعد سرّاً أن نتنياهو يسعى في ولايته الحالية، وربما هي الأخيرة، لتنفيذ حلم حياته بمهاجمة إيران، ولو انفرادياً، لأنه سيواجه في الفترة القادمة ما واجهه سلفاه الأسبقان مناحيم بيغن عام 1981 مع المفاعل النووي العراقي، وإيهود أولمرت في 2007 مع المنشأة النووية السورية، ووفق تقديره فإنه مع توقف المفاوضات النووية الإيرانية مع المجتمع الدولي، وعدم التوصل إلى اتفاق على صيغة الاتفاق السابق في 2015، ولم تتصرف الولايات المتحدة باستقلالية، فإن التقديرات تذهب باتجاه أن يعمل نتنياهو على تدمير المنشآت النووية في إيران.

هذا يعني أن إسرائيل قد تذهب إلى مثل هذا الخيار العسكري ضد إيران منفردةً، أي دون إشراك الولايات المتحدة التي تُبدي تحفظات كثيرة على مثل هذا الخيار، بسبب المخاطر العديدة التي تكتنفه، على الصعيدين الإقليمي والدولي، فضلاً عن التوقيت الحالي الحرج إذ تنخرط واشنطن في الحرب الأوكرانية، ولا تريد لأي حدث آخر أن يطغى عليها.

في السياق ذاته كشفت خبيرة الشئون الحزبية الإسرائيلية مازال معلم، في كتاب صدر قبل أشهر، عن معلومات يُعلَن عنها لأول مرة تتعلق بنيّة نتنياهو قصف المفاعلات النووية الإيرانية ثلاث مرات، لكن رؤساء الأجهزة الأمنية، بمساعدة رئيس الدولة الراحل شمعون بيريز والحاخام الأكبر، وضعوا ثقلهم كله لمنعه من تنفيذ تهديداته خلال ولاياته السابقة الممتدة بين عامي 2009 و2021.

كثيرة هي الأسباب التي تدفع نتنياهو إلى الذهاب نحو "خيار شمشون" باتجاه إيران، ولو انفرادياً، بعيداً عن موافقة وتصديق ومشاركة الولايات المتحدة، لعلّ أولها أن إيران بنظر نتنياهو تقترب من نقطة اللا عودة في امتلاك القنبلة النووية، مما يجعله مصمماً على القرار، وثانيها استخدمه مبررات تاريخية يهودية، بزعم أن إيران نفسها حاولت تدمير شعب إسرائيل سابقاً، وثالثها أنه كانت لليهود محرقة واحدة، وهو لن يسمح بأخرى، ورابعها أنه كلما اقتربت اللحظة سيكون الهجوم أكثر جدوى، وإلا فسيكون الوقت فات.

كثيرة هي التفنيدات المتاحة لعدم الأخذ بجدية مبررات وذرائع نتنياهو في المسارعة إلى مهاجمة إيران، ولو كان ذلك يعني أن يذهب بعيداً عن الإجماع الدولي الذي لا يرى مبرراً مقنعاً لهذه الخطوة الكفيلة بخلط الأوراق في الإقليم والعالم، بل إن تزامن تسلُّم نتنياهو مقاليد رئاسة الحكومة مع وجود إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض يضع أمامه جملة من الكوابح التي تعوق المضي قدماً بتنفيذ مخططاته العسكرية، في ظل العلاقة بينهما التي لا تبدو في أحسن أحوالها، رغم انسحاب واشنطن الضمني من مفاوضات الاتفاق النووي.

على الصعيد الداخلي، وفيما واجه نتنياهو معارضة قوية وشرسة داخل حكوماته السابقة لشنّ هجوم انفرادي على إيران، فإن الوضع يبدو مختلفاً هذه المرة، لأن الحكومة التي شكّلها تبدو "ملك يديه"، وهو كفيل بتطويعها ونيل موافقتها التلقائية على قراره المتوقع ضد إيران، بعد أن كان يحصل في كل مرة سابقة على فيتو من النخبة السياسية والأمنية والعسكرية التي تضع أمامه عقبات كأْداء، وتمنعه الاصطدام مع الولايات المتحدة بسبب قرار انفرادي ذاتي ضد إيران، لا يحصل على إجماع الحلفاء الموثوقين.

في الوقت ذاته، يعوّل نتنياهو في قراره المحتمَل مهاجمةَ إيران انفرادياً، على أن المجتمع الدولي عموماً، وحلفاءه الكبار خصوصاً، يشهد حالة من الاستعداء ضد إيران، بسبب انخراطها الكامل في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وتزويدها موسكو بمسيَّرات انتحارية، أسهمت كثيراً في استهداف البنى التحتية في كييف، وترجيح كفة الجيش الأحمر في الحرب الجارية، مما ألّب الرأي العام الغربي على طهران، وفي هذه الحالة تتوهم إسرائيل أن شنّ هجوم على إيران، ولو كان انفرادياً، لن يجد بالضرورة معارضة غربية وأمريكية كبيرة، فضلاً عن كونه قد يجد إسناداً ودعماً سياسياً على الأقلّ.

مع العلم أن الاندفاع الذي يبديه نتنياهو تجاه مهاجمة إيران قد تكبح جماحه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي دأبت في السابق على عرقلة تطلعاته الشخصية، وهي تطرح في ذلك جملة عوامل تبدو مقنعة أكثر من مسوغات نتنياهو التي يطرحها.

فالجنرالات الإسرائيليون يعتقدون أن مهاجمة إيران ليست قراراً يُتّخذ بسرعة، فالحالة مختلفة عن غيرها من مناطق عمليات الجيش الإسرائيلي، لبعد المسافات بين طهران وتل أبيب، وهنا تظهر أسئلة عديدة حول مدى موافقة العواصم المحيطة على أن تكون جزءاً من مهاجمة إيران.

كابح آخر يطرحه الجنرالات الإسرائيليون أمام نتنياهو يتمثّل في عدم قدرتهم على تشخيص ردّ الفعل الإيراني على مثل هذا الهجوم الإسرائيلي "الانفرادي"، سواء بإطلاق صواريخ باليستية باتجاه الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي لا يبدو أنها تحتمل مثل هذا الردّ، أو الإيعاز إلى أذرعها في المنطقة مثل حزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية في سوريا والحوثيين في اليمن، باستهداف إسرائيل من الداخل، وهذا سيناريو إسرائيلي يشبّهونه بأنه "يوم القيامة".

نقطة أخرى قد لا تبدو مرئية للعيان تتعلق بالعلاقات الوثيقة التي تربط النخبة العسكرية الإسرائيلية بنظيرتها الأمريكية، وهما لا تتحمسان كثيراً لهذه القرارات الانفعالية التي يفكّر بها نتنياهو.

هذه الموانع وغيرها يرفعها الضباط الإسرائيليون أمام نتنياهو الطامح إلى مهاجمة إيران، لأنهم يعتقدون أن القرار يتجاوز "نزوة" عابرة له، ورغبة منه بتدوين اسمه بجانب سلفيه بيغن وأولمرت اللذين دمّرا المشاريع النووية للعراق وسوريا. صحيح أن النخبة العسكرية والأمنية اليوم تبدو "مطواعة" له، لكن ذلك لا يمنع ظهور معارضات في اللحظات الأخيرة، وهو أمر متوقع، وحصل في محاولاته الثلاث الماضية.


جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً