تابعنا
المزيج السامّ من القوميين اليمينيين المتطرفين وأنصار PKK الإرهابي يزرع بذور الكراهية في أوروبا ضدّ كل من المسلمين وتركيا، والسويد جالسة على برميل بارود.

أحرق يميني متطرف دنماركي سويدي معروف بنشر الكراهية ضد المسلمين، نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في ستوكهولم في 21 يناير/كانون الثاني تحت حماية الشرطة السويدية.

لم يلقَ الحادث إدانة من المسلمين في جميع أنحاء العالم فحسب، بل أعرب عديد من القادة غير المسلمين أيضاً عن عدم موافقتهم عليه. لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، إذ دافعت شريحة كبيرة من الأوروبيين، بما في ذلك عديد من الأصوات القوية داخل السويد، عن هذا العمل الدنيء، بحُجَّة حرية التعبير.

جلست سلطات الدولة السويدية عن عمد على مقاعد المتفرجين، مما مكّن سياسياً يمينياً متطرفاً من إحراق القرآن الكريم خارج السفارة التركية. على الرغم من أن الحكومة السويدية توصلت إلى بعض البيانات التي تحفظ ماء الوجه، إذ أدانت تدنيس الكتاب المقدس للإسلام ووصفته بأنه محاولة لتخريب محاولة البلاد دخول حلف شمال الأطلسي، إلا أن قرارها السماح بهذا المشهد المقزِّز أرسل رسالة واضحة إلى المسلمين في جميع أنحاء العالم مفادها: الدولة الإسكندنافية لا تحترم أتباع الإسلام.

بعيداً عن كونها حادثة "معزولة" و"استثنائية"، فإنها تعبّر عن نمط مقلق شهدته السويد على مدى العقود العديدة الماضية. على المرء أن يتذكر أن السويد أصبحت ملاذاً آمناً لأنصار PKK المصنَّف لدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا تنظيماً إرهابيّاً. تتغاضى الدولة السويدية عن طيب خاطر عن اللغة اللا إنسانية التي استخدمها أنصار PKK في شوارع ستوكهولم لتشويه سمعة تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان.

إن أي دولة قومية تتجاهل النظام الدولي القائم على القواعد، وتقوّض الأمن القومي لدولة أخرى محكوم عليها أن تتعرض لكارثة من صنع يديها. تسير السويد ببطء ولكن بثبات في هذا الاتجاه. من خلال السماح لنفسها بأن تصبح واحدة من ساحات إيواء PKK، تكون قد فتحت "صندوق باندورا"، إذ ستعمل الجماعات المتطرفة الأخرى على استغلال الفضاء الاجتماعي غير المنظَّم في البلاد.

في الحقيقية، إن اليمين المتطرف السويدي قد استغله بالفعل، ونفّذ أعمالاً ضارَّة تحت ستار حرية التعبير. إن الخليط من اليمين المتطرف وأنصار PKK قد أسفر عن هجين خطير يشبه وحش فرانكنشتاين.

نظراً إلى أن الحرب الروسية-الأوكرانية أجبرت السويد على إعادة النظر في سياستها المضللة التي اتبعتها لسنوات وسمحت لأنصار PKK واليمين المتطرف بحرية العمل في أراضيها، فقد تعهدت ستوكهولم لأنقرة في الخريف الماضي بأنها ستعالج مخاوف تركيا الأمنية لكي تفوز بموافقة أنقرة على انضمامها إلى حلف الناتو.

أثارت مذكرة التفاهم الثلاثية بين السويد وفنلندا وتركيا، التي وُقّعَت في قمة الناتو في مدريد العام الماضي، حفيظة PKK، ولأن السويد تبنّت حالة من الإنكار، فقد أخذت الراديكالية مساراً بلا رادع مما شجّع كلّاً من أنصار PKK والمتطرفين من اليمين على متابعة أجندات مثيرة للانقسام.

على الرغم من أن PKK واليمين السويدي قد نموا حجماً ونفوذاً، فإن ستوكهولم تواصل اتباع سياسة غضّ الطرف، إذ تسير إلى الحفرة بقدميها، الأمر الذي يعرّض البلاد لتحديات أكبر بكثير ناشئة عن حقائق جيوسياسية جديدة. أدّى التوغل الروسي في أوكرانيا إلى خروج السويد من سنوات الدعة، وكشف نقاط الضعف الدفاعية والعسكرية، ودفعها إلى طلب حماية الناتو. في ضوء مساهمات تركيا الهائلة في تحالف شمال الأطلسي العسكري، لم يكن أمام السويد خيار سوى إصلاح العلاقات مع أنقرة. لذا في الخريف الماضي، عندما تعهدت ستوكهولم بكبح جماح أنصار PKK، بدا أن أرضية التطرف ستتقلص قريباً في البلاد.

لكن الاحتجاجات المتفشية المناهضة لتركيا التي اتسمت بالشعارات المهينة، وما تلاها من إحراق القرآن، قوّضَت موقف السويد أمام الناتو، في الوقت الذي تفقد فيه السويد الاحترام بسرعة في أعين المسلمين، فإن تعهدها لتركيا يبدو أنه قد انهار.

يوجد تصور واضح وراء إحراق الكتاب المقدَّس للإسلام أمام السفارة التركية: نفّذه راسموس بالودان، وهو سياسي مسعور كاره للمسلمين وسياسي يميني متطرف، في وقت طالبت فيه أنقرة ستوكهولم باتخاذ إجراءات حاسمة ضد أنصار PKK وأذرعه وقاعدته الداعمة مقابل موافقة تركيا على طلب السويد الانضمام إلى الناتو.

يمكن للمرء أن يصف تزامُن فعل بالودان الخبيث والاحتجاجات المناهضة لتركيا التي قادها أنصار PKK بأنها مجرد مصادفة، ولكن عند الفحص الدقيق يمكن رؤية أنهما يلعبان على تناغم قائم على العداء للمسلمين وتركيا، الأمر الذي يعرّض بدوره انضمام السويد إلى الناتو للخطر.

تحتاج السويد إلى التحلّي بالحكمة والتصدي للتطرف المتنامي في البلاد. القوتان المعرقلتان الرئيسيتان اللتان تحتاج إلى مواجهتهما هما PKK وأنصاره والجماعات اليمينية المتطرفة في البلاد.

على جميع الأوروبيين ذوي التفكير الصحيح أن يدركوا مخاطر ترويج أعمال الكراهية باسم حرية التعبير. إن فعلوا ذلك فإنهم يخاطرون بفقدان أصدقاء يتمتعون بحسن النية.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً