يعدّ اللجوء إحدى المسائل السياسية المهمة التي نُقلت من القرن الماضي إلى القرن الحالي، ومسألة عالمية تهمّ كل جغرافيا العالم تقريباً؛ نظراً لكثافته المتزايدة باستمرار، ولمعالجة هذه القضية وإجراء مناقشات تركز على اللاجئين، خصصت الأمم المتحدة تاريخ 20 يونيو/حزيران (اليوم العالمي للاجئين).
إنّ ظاهرة اللجوء -وهو مفهوم يحدّد الأشخاص الذين يضطرون إلى مغادرة بلادهم بسبب الحرب والقمع- ومساره ونتائجه وتأثيراته في البلدان والمجتمعات والأفراد، من أكثر المواضيع التي تُناقش في السياسة الدولية، ولكن يمكن القول إنّ هذا النقاش يهيمن عليه التصورات لا الحقائق، ولا يستند إلى الحقوق ولكن إلى نهج استهدافي.
تُقدّم المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بانتظام إحصاءات عن اللاجئين وغيرهم من السكان النازحين قسراً في التقارير السنوية، ووفقاً للتقرير الذي صدر الأسبوع الماضي، غادر 108.4 مليون شخص حول العالم ديارهم العام الماضي لأسباب مختلفة -أي إنّ 1 من كل 74 شخصاً في العالم مهاجر- منهم 35.3 مليون أُجبروا على مغادرة بلادهم.
مقارنةً بالسنوات السابقة، نرى أنّ عدد النازحين قسراً يزداد كل عام، كما تُضاف دول جديدة إلى البلدان المتأثرة بالهجرة القسرية، وبالنظر إلى المناطق الجغرافية المختلفة في العالم، اضطر 15.7 مليون شخص في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، و11.7 مليون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، و9 ملايين في أوروبا و6.1 مليون في الأمريكتين إلى مغادرة بلادهم قسراً.
ورغم أنّ هذه البيانات تُظهر أنّ قضية اللاجئين قضيةٌ عالمية، فحقيقةً إنّ نصف اللاجئين في العالم ينحدرون من 3 دول فقط (سوريا وأفغانستان وأوكرانيا)، وهذا يكشف أنّ بعض المناطق أكثر تأثراً بهذه القضية من غيرها، أمّا فيما يتعلق باستضافة اللاجئين، فنرى أنّ تركيا وإيران وكولومبيا وألمانيا وباكستان كانت على رأس هذه القائمة منذ سنوات.
كما تكشف هذه البيانات، أنّ قضية اللجوء تحتاج إلى إرادة عالمية لحلها، ومع ذلك، نرى أنّ الخطاب المعادي للاجئين انتشر على نطاق واسع؛ بسبب أنّ الإرادة العالمية المطلوبة ليست قوية ومستعدة، وأنّ القضية لا تزال من دون حل.
يُظهر التقرير أنّ 87% من اللاجئين موجودون في 10 دول توفر الحماية الذاتية لهم، و70% من اللاجئين تستضيفهم دول مجاورة، وذلك يبيّن أنّ هناك مشكلة هيكلية في تقاسم الأعباء، ويفرض هذا التوزيع غير المتكافئ ضغوطاً على الموارد المحلية في البلدان المضيفة، ويثير توترات اجتماعية توفّر أرضاً خصبة للسياسيين الذين يتلاعبون بمشاعر الناس.
والأهم من ذلك كلّه، أنّ الأطفال الذين أُجبروا على الهجرة كانوا ضحايا حروب ونزاعات وأزمات، وليسوا جزءاً منها أو طرفاً فيها بأي حالٍ من الأحوال، وهذه الظاهرة التي يمكن تعريفها على أنّها حالة "الطفل اللاجئ" أو "الطفولة النازحة"، وهي إحدى المسؤوليات المهمة لأصحاب الضمير من صانعي السياسة.
المشكلات التي يواجهها اللاجئون في جميع أنحاء العالم، يأتي في مقدمتها الحرمان من الحقوق والخدمات الأساسية، مثل التعليم والغذاء والصحة والظروف الإنسانية اللائقة، ومشكلات الحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة، وفوق كل هذا، فإنّ التمييز الذي يتعرضون إليه وتجريدهم من حقّهم أن يكونوا أصحاب حقٍّ، هو قضية مهمة نحتاج إلى التركيز عليها اليوم.
السياسات الخاصة باللاجئين الذين يُنظر إليهم كـ"مهاجرين غير مقبولين" لا تعني فقط سياسات لضحايا الهجرة القسرية، في الواقع لا تتعلق القضية بدعم مجموعة من الناس في مجالات مثل الإسكان والتعليم والصحة فقط، فالطريقة التي نتعامل بها مع اللاجئين تعبّر عن رؤيتنا للإنسان والعالم من حولنا، كما تؤشر إلى نوع العالم الذي نرغب فيه.
بعبارةٍ أخرى، الموضوع الرئيسي في مناقشات اللاجئين هو نحن وليس الشخص الذي أمامنا، إضافة إلى ذلك، فإنّ عصر الأزمات والكوارث الذي نعيشه يذكرنا بحقيقة أنّنا سنضطر إلى مغادرة منازلنا في أي لحظة، لهذا السبب من المهمّ تذكر أنّ الجميع مرشح محتمل للهجرة القسرية.
كما يجب الإشارة إلى أنّه تُطبّق معايير صارمة للتمييز بين اللاجئين والمهاجرين الآخرين، ومن الجيد النظر في المعايير المستخدمة لتعريف اللاجئين مرّة أخرى، بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، وفقاً للقانون الدولي يُعرفُ اللاجئون بأنّهم أشخاص لا يستطيعون العودة إلى بلادهم؛ بسبب الاضطهاد العرقي أو الديني أو جنسيتهم، أو بسبب انتمائهم السياسي أو الاجتماعي.
وكما يتّضح، لا يشمل هذا التعريف أولئك الذين اضطروا إلى مغادرة بلادهم بسبب الكوارث أو الذين أُجبروا على الهجرة بسبب الجوع.
إضافة إلى ذلك، فإنّ المعاني الأخرى المنسوبة إلى تصنيف اللاجئ لها أيضاً آثار سلبية في حياتهم، وبالقطع معاملتهم على أنّهم "مشكلة" تُجسّد رؤيتهم بأنّهم أشخاصٌ غير عاديين.
وبالتوازي مع ذلك، فإنّ الطريقة التي نعرّف بها اللاجئين تؤثر بشكل مباشر في السياسات تجاههم، فمن الممكن تعريف اللاجئين بأنّهم كائنات مؤهلة ونشطة وذات موهبة وخبرة وإمكانيات، لضمان مساهمتهم في المجتمع الذي يعيشون فيه اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، أو من الممكن تعريفهم على أنّهم "طفيليون وغير مستحقين، وبأنهم إجراميون وكيانات سلبية تشكل خطراً على المجتمع الذي يعيشون فيه ويجب طردهم".
ولكن للأسف عندما يتعلق الأمر بالحقوق نرى أنَّ اللاجئين مُتجاهَلون، وعند البحث عن المسؤولين عن المشكلات الاجتماعية، يظهر اللاجئون في المقدمة.
إضافة إلى ذلك، من المهم جداً مراعاةُ مطالب وحساسيات الجمهور المحلي، وخاصةً في البلدان التي استضافت اللاجئين لسنوات عديدة، واتخاذُ خطوات دولية لحل المشكلات التي يُنتَج عنها لاجئون.
ولأنّه لا توجد حالياً تطورات كافية في قضايا الاندماج المحلي في بلد اللجوء، وإعادة التوطين في بلدٍ ثالث، والعودة الطوعية إلى بلد المنشأ، وهي الحلول الرئيسة الثلاثة لقضية اللاجئين، فلا بدّ من حلول تحافظ على حقوق اللاجئين كما المجتمعات المضيفة.
وبالتزامن مع غرق القوارب المطاطية التي تضم أطفالاً ونساء، يمكننا اعتبار اليوم العالمي للاجئين فرصة مهمة للتفكير في خلفية هذا الحدث الذي يعدُّ مأساةً من أكبر المآسي في عصرنا، لأنّه لطالما لم تُحلّ هذه القضية، سينتج عنها أزمات ومشكلات أخرى.
وفي الختام، من المفيد التذكّر والتذكير بأنّ اللجوء حقّ من حقوق الإنسان، ويعدّ ضمان استخدام هذا الحقّ وتلبية الاحتياجات التي يستدعيها، أمراً ضرورياً لتحقيق الرخاء الوطني والعالمي بقدر ما هو مسؤولية إنسانية.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.