تابعنا
لا شكّ أنّ ذهاب العصفور الأزرق مع كلّ ما يحمله من حنين وارتباط عاطفي لملايين المستخدمين يعدّ ضربة موجعة، إلّا أنّه يتماشى مع محاولة إيلون ماسك إحداث اختراق في السوق الأمريكية لم تشهد له مثيلاً من قبل.

يعتبر كثيرون أن استبدال إيلون ماسك بشعار شركة تويتر "العصفور الأزرق"علامة إكس X ما هو إلا تغيير للعلامة التجارية أو Rebranding فحسب، أو ربّما هو لعبة تسويقية من ماسك الذي اعتاد على إحداث ضجّات إعلامية مثيرة للجدل بين الفينة والأخرى.

ولكن بالنسبة إلى ماسك فالأمر مختلف كلياً إذ تُشكّل هذه الخطوة إجراءً في غاية الأهميّة لتحقيق حلمه المتمثّل بإنشاء سوبر آب Super App أو Everything App كما يحلو له أن يصفه.

لا شكّ أنّ ذهاب العصفور الأزرق مع كلّ ما يحمله من حنين وارتباط عاطفي لملايين المستخدمين يعدّ ضربة موجعة، إلّا أنّه يتماشى مع محاولة إيلون ماسك إحداث اختراق في السوق الأمريكية لم تشهد له مثيلاً من قبل، ورغم أنّ الإجراء جاء مفاجئاً، فإنّه كان متوقعاً لكثير من المراقبين.

تطبيق سوبر آب

في وقت سابق من هذا العام وتحديدا في 18 إبريل/نيسان أبلغت تويتر مستخدميها بأنّ الاسم التجاري لشركة Twitter. Inc قد تحول ليصبح X Crop، وتزامنت هذه الأنباء مع تقارير تشير إلى شراكة تويتر مع شركة eToro لتداول الأسهم والعملات المشفّرة، كما أسّس ماسك شركة xAI المتخصصة بالذكاء الصناعي، والتي قد تكون جزءاً من خطّته لإنشاء التطبيق الفائق (سوبر آب).

وأكّدت الرئيسة التنفيذية لتويتر، ليندا ياكارينو أنّ تطبيق X سيكون مدعماً بالذكاء الصناعي دون أن تخوض في التفاصيل، هذا فضلاً عن توسيع نطاق الخدمات التي تقدمها تويتر أو (إكس) لتشمل النصوص الطويلة، ومحتوى الفيديو، وتمكين المشتركين من تحصيل أرباح على محتواهم الذي يشاركونه على المنصّة.

وتستدعي هذه الخطوة الجريئة من إيلون ماسك النظر إلى ما تعنيه "التطبيقات الفائقة أو "تطبيقات كل شيء" (كما أشار إليها إيلون ماسك نفسه).

التطبيقات الفائقة هي التطبيقات المركزية والشاملة التي تقدم عديداً من الخدمات للمستخدمين بما يشمل أنظمة المدفوعات عبر الإنترنت، وبشكل عام تحظى هذه التطبيقات بشعبية كبيرة في آسيا على وجه الخصوص بالرغم من أنّها بدأت تتسرّب إلى مناطق أخرى مثل أمريكا اللاتينية وإفريقيا في حين لا تحظى هذه التطبيقات بوجود أو شعبية (حتى الآن) في الولايات المتحدة وأوروبا.

هنا تأتي رؤية ماسك، فمن الواضح أنّ الرجل الأغنى في العالم يحاول أن يقود قاطرة التغيير في هذا المضمار ويُدخِل السوق الغربية النموذج "الآسيوي" في المنصّات الرقميّة الشاملة والفائقة في الآن ذاته من خلال تحويل تويتر إلى إكس.

خبراء يقدّرون خسارة شركة تويتر عقب تغيير شعارها إلى إكس (TRT Arabi)

ولكن تبقى بطبيعة الحال تساؤلات تثار حول إن كانت شركة إكس قادرة بمواردها الضئيلة (مقارنة بشركات أخرى مثل ميتا) ورصيدها المتدنّي من الثقة قادرة على إحداث هذا التغيير الجوهري في نموذج المنصات الرقمية.

منصّة رقميّة شاملة

في كثير من مناطق العالم، لم يسمع المستخدمين ربما بمصطلح التطبيقات الفائقة فضلاً عن استخدامها، ففي الولايات المتحدة على وجه التحديد، بدأ هذا المصطلح يأخذ زخماً متواصلاً بعد أن درج إيلون ماسك مؤخراً على ترديده في مناسبات عدّة.

وعلى العكس، تكتسب التطبيقات الفائقة شهرة واسعة النطاق في الصين، فتطبيق WeChat للمراسلة والذي حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب حظره جنباً إلى جنب مع تطبيق تيك توك في عام 2020 يعدّ مثالاً واضحاً على السوبر آب، ولدى التطبيق ما يقرب من 1.26 مليار مستخدم في جميع أنحاء العالم وذلك اعتباراً من سبتمبر/أيلول 2021.

منذ إصداره عام 2011، أصبح WeChat (المملوك لشركة Tencent العملاقة) أكثر من مجرّد تطبيق مراسلة عادي للأجهزة المحمولة، فقد توسّعت استخداماته بسرعة لتشمل المدفوعات والألعاب وخدمات التوصل، وأضافت الشركة لاحقاً برامج مصغّرة Mini apps، أو تطبيقات تابعة لأطراف ثالثة مستفيدة من البنية الرقميّة للتطبيق وهو الأمر الذي أسهم في تنويع استخداماته بشكل كبير.

ويمكن للمستخدمين فعل كل شيء تقريبًا على تطبيق WeChat، إذ يمكنهم استدعاء سيارة أجرة وطلب الطعام ودفع الفواتير ومشاركة مقاطع الفيديو وحتى مشاركة معلومات بطاقة الهوية الحكومية الخاصة بهم، لذلك فإنّ تطبيق WeChat للصينيين يعتبر بمثابة الإنترنت.

ومع مرور الوقت، ألهم نجاح WeChat تطبيقات أخرى لتحذو حذوه في مناطق عدّة في العالم، على سبيل المثال تطبيق Grab الذي بدأ تطبيقاً لنقل الركاب (مثل أوبر) ويحظى بشعبية في منطقة جنوب شرق آسيا، وتطبيق Gojek لخدمة التوصيل، كما نجد في إفريقيا تطبيق M-Pesa وتطبيق Temtem، وفي أمريكا اللاتينية على سبيل المثال تطبيق Rappi، ولا ننسى أنّه حتى في الصين بدأ عديد من التطبيقات اتّباع نفس النموذج الفائق مثل شركة علي بابا عندما استحدثت خدمة AliPay.

تسريع عملية التحوّل

وأظهرت الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع أوروبا وكندا، ممانعة لهذا النموذج من التطبيقات الرقميّة الفائقة حتى الآن على أقلّ تقدير، وهذا لم يمنع توسّع بعض التطبيقات في تقديم خدمات أخرى مثل شركة أوبر التي أضافت إلى خدمة توصيل الركاب خدمات أخرى من قبيل توصل الطعام ومنتجات البقالة الأساسية.

كما أطلقت Paypal نسختها من التطبيق الفائق في سبتمبر/أيلول 2021 ولكن بقي مقتصراً على الجانب المالي والمصرفي، لذلك فإنّ إيلون ماسك، وبالرغم من أنّه ليس الشخص الوحيد الذي يفكّر في التحوّل إلى التطبيقات الفائقة، فإنّه ربّما الأكثر جرأة في محاولة تبنّي هذا النموذج على نطاق واسع.

أبدى ماسك رغبته في التحول إلى هذا النموذج حتى قبل استحواذه على شركة تويتر، ففي مايو/أيار 2022 قال عبر برنامج بودكاست إنّ التطبيقات الفائقة "يجب أن تصبح أمراً واقعاً" في الولايات المتحدة وأنّه يمكن في هذا السياق "تحويل تويتر إلى ذلك"، مستشهداً بتجربة WeChat بالقول إنّه النموذج الذي يرغب في تطبيقه.

حسب ماسك يبدو هذا منطقيّاً لتشابه التجربة، فتطبيق WeChat لم يصبح سوبر آب إلّا عندما نجح في البداية تطبيقَ محادثة مثله مثل تويتر، وكرّر ماسك قناعته هذه أمام موظّفي تويتر في أول لقاء جمعه معهم بُعيد استحواذه على الشركة (بصفقة بلغت 44 مليار دولار)، واعتبر أنّ تحويل تويتر إلى سوبر آب في حال تحقّق سيكون "نجاحاً هائلاً".

لاحقاً كان ماسك أكثر وضوحاً عندما غرّد في أكتوبر/تشرين الأول أنّ "شراء تويتر هو تسريع لإنشاء X، تطبيق "كل شيء" مشيراً إلى أنّ تويتر سوف يخدم فكرة عدم البدء من الصفر، فالشركة ومن خلال حضورها وعدد مستخدميها قد يسرّع من عملية التحوّل إلى X سوبر آب "من 3 إلى 5 سنوات".

تحديّات عديدة

لكن سيبرز أمام ماسك عديد من التحديّات أبرزها يمكن أولاً في التغلّب على تدهور ثقة الجمهور بمنصّات التواصل الاجتماعي بشكل عام وبمنصّة تويتر على وجه التحديد خصوصاً منذ أن استحوذ عليها ماسك وبدأ في مسلسل التغييرات التي أثّرت بشكل كبير في سمعة الشركة ومصداقيتها أمام المستخدمين والمعلنين.

أمّا ثانياً، فتبرز قضيّة المخاوف الحقوقيّة المتعلّقة بالخصوصيّة وتخزين البيانات وسوء استخدامها وهي القضيّة التي أصبحت الشغل الشاغل بين المشرّعين وصنّاع القرار والحقوقيّين من جهة، والمديرين التنفيذيين للشركات التكنولوجية من جهة أخرى.

وتوجد مخاوف حقيقية من أنّ إعادة تركيز التطبيقات في تطبيق فائق سوف يؤدّي إلى استغلال أوسع للبيانات الشخصيّة وبالتالي تآكل الخصوصيّة أكثر من ذي قبل.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي