تابعنا
ترسل البنية التحتية العسكرية الفاشلة في ألمانيا تحذيراً صارخاً إلى المستشار شولتز، مفاده أنه في حال وقوع الحرب، فلن تكون البلاد قادرة على الدفاع عن نفسها.

منذ نهاية الحرب الباردة اعتقدت أوروبا، إلى حد كبير، أن عصر الحروب العالمية أو الإقليمية على الأقل قد انتهى، مما دفع العديد من الدول الأوروبية إلى عدم إعطاء الأولوية للإنفاق العسكري والتركيز بدلاً من ذلك على بناء البنية التحتية المدنية.

ولكن مع احتدام الصراع بين أوكرانيا وروسيا، وتسليم العديد من دول الناتو الدبابات وأنظمة الأسلحة الأخرى إلى أوكرانيا، هناك مخاوف من انتقام روسي أوسع نطاقاً يمهد الطريق أمام الصراع لكي يتمدد. نتيجة لذلك، تنفض العديد من الحكومات الأوروبية على وجه السرعة الغبار عن آلات الحرب الصدئة الخاصة بها لتتفاجأ أنها تعاني من نقص في الأحذية العسكرية والإمدادات والقوى البشرية.

ألمانيا على وجه الخصوص متأخرة في استعداداتها. توجد مخاوف بين وسائل الإعلام الألمانية والسياسيين والقادة العسكريين من أن البلاد قد تنقصها الأسلحة الاستراتيجية والأسلحة التقليدية والذخيرة في حالة امتداد الصراع.

في مواجهة الضغوط القادمة من جميع الجهات، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز عن صندوق خاص بقيمة 106 مليارات دولار (100 مليار يورو) في يونيو/حزيران 2022 لتحديث جيش البلاد، واصفاً إياه بـ"zeitenwende" أو نقطة تحول في سياسة الجيش والأمن في البلاد بعد الحرب العالمية الثانية. وقد تعرضت خطته هذه إلى العديد من الضغوط بعد سلسلة من التقارير الإعلامية مؤخراً كشفت عن ضعف استعدادات ألمانيا للحرب.

لا رصاص ولا دبابات ولا بنادق

في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أفاد موقع Business Insider، نقلاً عن مصادر لم يسمها، أن ما لدى ألمانيا من ذخيرة إنما يكفي لمدة يومين من الحرب فقط.

تحظى تفاصيل الاستعداد العسكري هذه بسرية تامة. إذا كان هذا الكلام صحيحاً، فإن ألمانيا متأخرة كثيراً عن متطلبات الناتو للاحتفاظ بما لا يقل عن 30 يوماً من الذخيرة. هنا ومن أجل تعويض النقص، يجب استثمار ما يقدر بـ21 مليار دولار إلى 31 مليار دولار (20-30 مليار يورو) لعملية تحديث الذخيرة.

عندما طلب وزير الدفاع الألماني مبلغاً إضافياً قدره 10.6 مليار دولار (10 مليارات يورو) لزيادة الميزانية العسكرية، قيل له إن الخزانة لا يمكنها توفير سوى 3.19 مليار دولار إضافية (3 مليارات يورو).

ثم نأتي إلى "مشكلة الدبابات"، كما جرى تسميتها. ففي ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، ظهرت تقارير تفيد بأن دبابات المشاة الرئيسية في البلاد، Pumas، تعاني من مشاكل تشغيلية خطيرة.

على سبيل المثال، استغرق تطوير دبابة Pumas أكثر من 10 سنوات بتكلفة 18 مليار دولار (17 مليون يورو) لكل منها، حيث شهدت هندستها وتصميمها العديد من المشكلات الفنية، بما في ذلك فتحة سقف غير مُحكَمة وفضاء رؤية مقيد للسائق وغيرها من القضايا المتعلقة بالقضايا التقنية.

تثير المشاكل الفنية والوظيفية في دبابة Pumas إنذاراً خطيراً إذ من المفترض أن يجري إدراج الدبابات ضمن قوة المهام المشتركة ذات الاستعداد المتقدم التابعة لحلف الناتو في وقت لاحق من هذا العام.

خلال تدريبات الناتو العام الماضي، لم تتمكن أي من مركبات المشاة القتالية من طراز بوما البالغ عددها 18، من إكمال التدريبات في شكل عملياتي.

لطالما عُرفت الحالة المزرية لشؤون البوندسفير (الجيش الألماني) في الأوساط العسكرية. على مدار سنوات جرى التغاضي عن القصص التي تناولت الدبابات والمروحيات والبنادق التي تفشل في العمل أثناء الطقس الحار والجنود الذين يضطرون إلى التدريب في البرد دون ملابس داخلية حرارية.

لا تنبع العديد من مشاكل الجيش الألماني دائماً من نقص التمويل، ولكن أيضاً من العقبات البيروقراطية غير الضرورية في المشتريات وسوء التخطيط. على سبيل المثال، تنبع مسألة نقص الملابس الداخلية الحرارية من السبب الأخير.

في عام 2015، قالت إذاعة ألمانية نقلاً عن تقرير عسكري سري إن الجنود الألمان حاولوا إخفاء النقص في الأسلحة من خلال استبدال المدافع الرشاشة الثقيلة بعصا المكنسة خلال تمرين لحلف شمال الأطلسي في عام 2014. بعد طلاء العصي الخشبية باللون الأسود، ألصقها الجنود الألمان بسرعة بأعلى المركبات المدرعة.

باختصار، أثارت الحرب في أوكرانيا بشكل مقلق مسألة عدم استعداد الجيش الألماني الخطير.

الانفصال عن الواقع

من المروع الاعتقاد بأن القادة العسكريين في ألمانيا اضطروا شخصياً إلى المطالبة بمزيد من التمويل.

فقد قال الفريق ألفونس ميس مؤخراً لوسائل إعلام محلية إن "الجيش الذي من واجبي قيادته هو بشكل أو بآخر أعزل".

ومع ذلك، ثمة عدم وضوح عميق في الرؤية، بينما جرى الإعلان عن تعيين مبلغ 106 مليارات دولار من قبل شولتز لتحديث الجيش، ثمة تقارير تفيد بأنه لم تُجلَب أي مشتريات حتى الآن، ويشير أحد التقييمات إلى تأخيرات بيروقراطية وسياسات حول منح العطاءات.

يجب أن تمتثل عملية شراء الأسلحة إلى قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن المناقصات، وكذلك مع القرارات السياسية، والتي غالباً ما تكون شؤون بيروقراطية مملة للغاية.

كل هذا يأتي مع تزايد حالة الذعر بين السكان، حتى أن معظم الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا لم يجرِ تعويضها بعد في الترسانة الألمانية.

يُظهر الخبراء في مراكز الأبحاث والجنرالات السابقون بشكل مستمر في وسائل الإعلام مطالبين الحكومة والبيروقراطية بتسريع الأمر. فإذا جرى تبسيط الأطر القانونية والعمليات البيروقراطية فقد تتسارع عملية شراء الأسلحة

ولكن مرة أخرى، فإن ائتلاف شولتز ثلاثي التوجهات يعاني من تصدعات مستمرة. إن زلة لسان وزير خارجيته التي تشير إلى أن ألمانيا كانت في حالة حرب مع روسيا لم تلق الترحيب من بعض سكان ألمانيا حيث تتصاعد الرواية المناهضة للحرب الأوكرانية.

ثمة مشكلة أخرى يعانيها الجيش الألماني، هي نقص الرجال الذين هم في سن القتال، حيث يبلغ عدد البوندسوير حوالي 183000 فرد لسكان يزيد عددهم عن 84 مليون نسمة.

ثمة دعوات جديدة لإعادة التجنيد الإلزامي، لكن بالنسبة لسكان ألمانيا المسنين، سيكون هذا تحدياً. فمنذ إلغاء التجنيد الإلزامي في عام 2011، فضل الشباب الألماني طرقاً مهنية أخرى.

أثار هذا الأمر أسف وزير الدفاع مؤخراً، قائلاً "فيما مضى، كان هناك مجند على كل طاولة مطبخ، مما يعني أنه كان هناك دائماً اتصال بالمجتمع المدني بشكل واسع".

الخوف من الحرب مع روسيا هو نقطة نقاش رئيسية في غرف المعيشة للعائلات الألمانية الآن. إذا تصاعد الصراع بين أوكرانيا وروسيا إلى حرب إقليمية، فسوف تجد ألمانيا نفسها في مأزق كبير.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً