لقد اعتمد تنظيم داعش الإرهابي كثيراً على منصات التواصل الاجتماعي في عمليات التجنيد ونشر دعايته (Others)
تابعنا

فلا غرابة أن تكون الشبكات الاجتماعية والإعلام الجديد منابرَ ومحطات المستقبل بالنسبة إلى الجماعات الإرهابية للتواصل مع الشركاء والأعداء والعالم بأسره. قدم الإعلام الجديد خدمة لا مثيل لها للجماعات الإرهابية، فسهولة الولوج إلى المنابر والمحطات والتطبيقات على الشبكة وسرعتها وانتشارها عالمياً سهل مهمة هذه الجماعات في تحقيق أهدافها.

لا يخفى على أحد أن الإرهاب بدون إعلام يموت وينقرض وأن الهدف الأسمى لأي عملية إرهابية الوصول إلى الرأي العام والحصول على العلنية، وبذلك التأثير في الجماهير. ومن هنا نلاحظ أن الجماعات الإرهابية استثمرت في الإعلام الجديد لتحقيق هدفها الأسمى وهو الدعاية التي تعتبر إلى جانب الحرب النفسية من أهم الاستراتيجيات التي تستعملها الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها. ويعتبر الإعلام الجديد بمختلف تطبيقاته ومنصاته ومنابره وسيلة تؤدي الغرض على أحسن وجه حيث حرية التصرف والتواصل واستخدام الصوت والصورة والنص والتفاعلية لتحقيق الغرض.

الإعلام الجديد وسيلة تتيح للإرهابين أن يكونوا مثل غيرهم لديهم حضور ومتابعين وجمهور يتفاعل معهم. تستخدم الجماعات الإرهابية الإعلام الجديد لكونه واسع الانتشار والاستعمال من قبل الجمهور بمختلف فئاته وشرائحه. كما يتميز الإعلام الجديد وخصوصاً الشبكات الاجتماعية بكونه مجاني ولا يكلف شيئاً كما يتيح الفرصة للجماعات الإرهابية لتتواصل مع الجماهير الافتراضية وتذهب إليها بأفكارها وآيديولوجيتها وتخبرها بالمستجدات بطريقة آنية ومتواصلة.

تُعدُّ خدمة اليوتيوب من أهم المنابر التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لنشر ثقافة الإرهاب ونشر الدعاية وتجنيد الشباب عبر العالم. من جهة أخرى يستخدم اليوتيوب لبناء شبكات التواصل بين أعضاء ومنتسبي ومناصري ومتتبعي الجماعات الإرهابية مما يسمح بإرسال رسائل خاصة للمستخدمين وكذلك التعرف على بعضهم البعض مما ينتج في الاخير مجتمع إرهابي افتراضي. تشير آخر الإحصائيات إلى وجود أكثر من2.5 مليار مستخدم لليوتيوب في العالم يشاهدون 10 مليارات ساعة من الفيديوهات كل شهر، وتُحمّل 100 ساعة من الفيديوهات كل دقيقة. وحسب إحصائيات يوتيوب شوهد ألف مليار فيديو في سنة 2011. وحسب يوتيوب فتوجد مواقع في 16 دولة بـ 61 لغة وأن 70% من محتوى اليوتيوب يأتي من خارج الولايات المتحدة الأمريكية.

يُعدُّ فيسبوك الشبكة الاجتماعية الأضخم والأكبر بـ 2مليار و900 مليون مستخدم. يبلغ معدل عمر مستخدمي فيسبوك 30 سنة وتبلغ نسبة انتشاره في الشرق الأوسط 67%. اهتمت الجماعات الإرهابية باستخدام فيسبوك ودعت إلى "غزوه" وذلك لفعاليته وتحقيق الأهداف المختلفة من خلاله كتقديم المعلومات الخاصة بصناعة القنابل وتنفيذ العمليات الإرهابية وتوفير مختلف المعلومات للمنتسبين والدعاية واستعماله كذلك بنكاً للمعلومات.

في سنة 2014 كان ما يقدر بـ 90.000 حساب على تويتر يمجد "داعش" أو يدار من أنصار الحركة. ويُعدُّ تويتر أحد أشهر الشبكات الاجتماعية ووسائل التواصل الاجتماعي، يقدم خدمة التدوين المصغر والتي تسمح لمستخدميه بإرسال تغريدات عن حالتهم أو عن أحداث حياتهم أو إبداء آراءهم. وذلك مباشرة عن طريق تويتر أو عن طريق إرسال رسالة نصية قصيرة SMS أو برامج المحادثة الفورية أو التطبيقات التي يقدمها المطورون مثل فيسبوك و Twit Bird و Twit terrific و Twhirl و twitter fox.

وأصبح تأثير داعش بعيد المدى، كما لم يعد جمهوره يقتصر على المسلمين وحدهم، فأشرطة الفيديو الخاصة بالتنظيم تُبث على شاشات التلفزيون في كامل المعمورة، بالإضافة إلى حساباته على إنستغرام، فيسبوك وتويتر. ولم يعد بالإمكان تجاهل فكر وسلوك داعش نتيجة للبيئة المترابطة عالمياً، إذ إنّ استخدامهم لوسائل الإعلام الاجتماعي كوسيلة لنشر الرسائل الراديكالية والهجمات العنيفة ليس شيئاً جديداً في حد ذاته، لكن الطريقة التي تبناها داعش الإرهابي في استعمال وسائل الإعلام كأداة لتجنيد المقاتلين الأجانب وإحداث الخوف والهلع على مستوى عالمي هو الجديد الذي أتقنه هذا التنظيم، والذي أسس جيشاً من الكتاب والمدوّنين وغيرهم من الناس والذي أصبح تركيزهم على رصد وسائل الإعلام الاجتماعي يتزايد يوماً بعد يوم.

فعلى سبيل المثال لا الحصر استخدم داعش الإرهابي فيسبوك في سنة 2016 لنشر 1021 خبراً و850 فيديو و1091 صورة و86 مقالاً. والهدف من هذا الاستخدام هو التجنيد والتدريب والاتصال والتمويل والوصول إلى المعلومات والإعلان عن تنفيذ العمليات الإرهابية والدعاية المضللة وتكوين رأي عام مناهض لبعض الدول والأنظمة وتأجيج النزاعات والصراعات السياسية وإثارة الفتن والنعرات الطائفية.

ومن أهم الأهداف التي يحققها الإرهاب الإلكتروني تجنيد الشباب فتبدأ عملية التجنيد بغرس الأفكار التي تستغرق وقتاً متفاوتاً يعتمد على ما توفره وسيلة نقل المعلومات من مواد سمعية وبصرية، ثم بعدها تبدأ مرحلة تبادل الحوارات من خلال غرف الدردشة التي تتيح للمدير كشف شخصية من يتحاور معه ومدى إمكانية اختياره وتجنيده. وخطر ذلك أنه يجرى بسرعة شديدة وبتكلفة زهيدة. وأخطر أنواع الشباب الذين تحرص عليهم المنظمات والخلايا الإرهابية، كما ورد في بعض الدراسات، هو الشاب المتفوق ولكنه منطوٍ على نفسه إذ يحاول الهروب من المجتمع لأن لديه سخط على كل شيء، ولذلك يمكن اجتذابه بسهولة ويكون لديه الاستعداد النفسي لتنفيذ ما يُطلب منه.

من خلال الإعلام الجديد تمارس الجماعات الإرهابية مختلف تقنيات وأساليب الإقناع للتأثير في النشء واستمالتهم واستقطابهم للالتحاق بها من خلال فيسبوك وتويتر وإنستغرام وواتساب ويوتيوب وغيرها، حيث توجد هناك عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من المشاركين والمتفاعلين مع النصوص والصور والأفلام التي توظفها الجماعات الإرهابية للوصول إلى عقول الشباب والتأثير في عواطفهم ومشاعرهم مثل فيلم flames of war (داعش) وموقع "خلافة بوك" وتطوير تطبيقات على جوجل بلاي وألعاب الفيديو الإلكترونية وموقع Ask FM.

ولا يزال خطاب التنظيم الإرهابي موجهاً إلى الجيل الرابع أو الخامس من المهاجرين المسلمين الشباب، ويتمتع بسهولة ومرونة الحركة مع التقنية والمعلومات والتطبيقات الفنية على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، باستغلال المقاتلين الأجانب الموجودين داخل التنظيم أكثر من المقاتلين المحليين، وهذا ما كشفته اعترافات المنشقين والمعتقلين من التنظيم بأن داعش لا يُدخل الأجانب في القتال الميداني بقدر ما يستفيد منهم في الخطوط الخلفية والدعم اللوجستي وبخاصة في الإعلام والدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي عرف كيف يستغلها لأقصى حد لمصلحته.

ولقد كشفت استخبارات دول الاتحاد الأوروبي عن وجود شبكات تواصل اجتماعي متخصصة أو موجهة لاستهداف شريحة معيّنة كالنساء، تكون معنية باستهداف تجنيد النساء من أوروبا كي يلتحقن بصفوف التنظيم في سوريا والعراق وليبيا. وما يهدف إليه إعلام داعش الإرهابي هو الاستقطاب، أي استقطاب الشباب لغرض الالتحاق بالتنظيم أو أن يكونوا من أنصار التنظيم في دولهم، خصوصا في الغرب وغالبيتهم من الشباب بين 18 و26 سنة، وذلك لإدارة نشاطاته الإعلامية الالكترونية لتظهر للمتابع بإنتاج ذات مواصفات وتقنية مذهلة. وكذلك يركز التنظيم على إظهار العنف والتمرد والسطو الذي يعتبر في بعض الأحيان من الحاجات الهامة عند بعض الشباب خصوصاً الذين يعانون من الشعور بالتهميش سواء كان حقيقياً أو وهمياً، فيجدون في التنظيم وسيلة للانتقام والثأر. الوحشية أبرز سمات هذه الجماعة التي فاقت "القاعدة" وتنظيمات أخرى بوحشيتها الدموية.

من الأهداف التي يحققها الإرهاب الإلكتروني كذلك جمع الأموال. لقد استخدمت الجماعات الإرهابية مواقع التواصل الاجتماعي لتسهيل التحويلات الماليّة فيما بينها، بجانب الحصول على التبرعات المالية، في ظل سهولة استخدام تلك المواقع لتحويل التبرعات والدعم المالي، مع عدم إمكانية التحقق من هوية متلقّي تلك التبرعات في بعض الأحيان.

وقد اعتمد التنظيم الإرهابي على بعض الفتاوى التي تبث من بعض الدعاة المغرر بهم على تويتر للتضحية بالأموال والأنفس، خصوصاً منذ أن انتقلت القاعدة إلى سوريا، فكان بعض التبرعات لحسابات مجهولة تحت دعاوى مساعدة الشعب السوري يصل إلى التنظيم، الأمر الذي أدى بسلطات عدة دول إلى التحذير من التبرع للجهات غير المصرح بها رسمياً من الدولة.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي