أقر الكونجرس الأمريكي مساعدات عسكرية إضافية لليونان. (Others)
تابعنا

وقد قدم المشروع الديمقراطي بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والجمهوري ماركو روبيو في 9 يونيو/حزيران 2021.

ومن المرجح أن مشروع القانون الذي يحمل عنوان الدفاع والشراكة البرلمانية بين الولايات المتحدة واليونان لعام 2021 يثير تحفظاً لدى الجانب التركي، في ظل حالة التنافس بين تركيا واليونان في منطقة شرق المتوسط، وعدم احترام اليونان للمطالب التركية ببعض الحقوق المتعلقة بسيادة تركيا وبامتلاكها للثروات الهيدروكربونية الموجودة في المنطقة.

وذلك بالإضافة إلى دخول اليونان خلال الفترة الماضية في تحالفات مع دول معادية لتركيا، مع رفضها لكل تحركات تركيا الدبلوماسية على مستوى السياسة الخارجية لحلحلة الخلافات، أو تلك التي تضمن لها حقوقها مثل اتفاقيتها البحرية والدفاعية مع ليبيا.

وتحصل اليونان على عدد من المزايا استفادة من مشروع القرار المقدم والذي ينتظر مصادقة الرئيس جو بايدن، حيث يسمح القرار بعمليات نقل جديدة للمعدات العسكرية الأمريكية اليونانية، ويعزز الشراكة بين اليونان وأطراف أخرى عملت على عزل تركيا، كما يسمح بالتسليم العاجل لطائرات F-35 التي تم إخراج تركيا من برنامجها في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. كما يمنح القرار اليونان الأولوية لتسليم المواد الدفاعية الإضافية.

ومع أن تركيا قامت بدور كبير في تهدئة التوتر مع اليونان قبل قمة الناتو الأخيرة في بروكسل، وربما تحت ضغط الرغبة في إصلاح العلاقة مع إدارة بايدن الجديدة وقبل اللقاء الأول بين بايدن وأردوغان، وبالإضافة إلى قيام وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو بزيارة تاريخية إلى أثينا مؤخراً، حيث وقّع خلالها على بعض اتفاقيات التفاهم، إلا أن المنافسة الجيوبوليتكية بين تركيا واليونان والتي تعتبر تركيا فيها أكثر تفوقاً، خاصة في القوة البحرية، تجعل اليونان دائماً في سعي للدخول في تحالفات لتعويض الفرق وفي محاولة لمراكمة أصول قوة أكثر.

وقد رأينا ذلك في إعلان رئيس الوزراء اليوناني خلال السنة الماضية عن عزم بلاده شراء 18 مقاتلة فرنسية من طراز رافال وتعزيز صفوف الجيش بـ15 ألف جندي، وقد لخص الموقف بعبارة واحدة عندما قال: "آن الأوان من أجل تحقيق التوازن بين الإمكانات والاحتياجات".

وفيما وراء الخلاف التركي اليوناني فإن هذه الخطوات الأمريكية الداعمة المصاحبة لهذا القرار تشير إلى أن واشنطن تزيد من دعمها لليونان، في سياق يمكن اعتبار أحد دوافعه هو تهيئة اليونان لتكون بديلاً لتركيا في المرحلة القادمة، في ظل احتمالية حصول خلافات أكثر بين تركيا والولايات المتحدة.

وقد كانت بعض الأوساط التركية ألمحت، عندما قام بايدن في أبريل/نيسان الماضي بالاعتراف بمذابح الأرمن، بإمكانية وجود رد من تركيا قد يشمل عقوبات وحرمان الولايات المتحدة من بعض المزايا الدفاعية التي تقدمها تركيا من خلال بعض القواعد العسكرية على أراضيها، ولكن ما حدث هو أن القيادة التركية تجنبت هذا المسار واختارت تهدئة العلاقة وفتح صفحة جديدة من خلال التعاون في أفغانستان وليبيا، بالإضافة إلى تهدئة التوترات وتطبيع علاقاتها مع بعض الدول الإقليمية، وفي هذا السياق تم تقييم لقاء قمة بايدن أردوغان على هذا الأساس.

ولكن مع كل ذلك يعد الدعم الأمريكي لليونان في حد ذاته سبباً للانزعاج التركي، وتوسيع فجوة الثقة المتدهورة مع واشنطن منذ انقلاب 15 تموز 2016 الذي يُعتبر أن الإدارة الأمريكية التي كان بايدن جزءاً منها متورطة فيه، وخاصة في حال عملت واشنطن على تغيير ميزان القوى لمصلحة اليونان بشكل خطير ممَّا يهدد الأمن القومي التركي.

ومن الجيد الإشارة إلى أن هذه الخطوات ليست جديدة، وأن واشنطن رفعت من دعمها الدفاعي لليونان خلال العامين الأخيرين من عهد ترمب، وقد وقّع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اتفاقية للتعاون المشترك في مجال الدفاع بين اليونان والولايات المتحدة خلال زيارته أثينا في 2019، فضلاً عن تقديم العديد من المعدات العسكرية وخاصة في سياق تحديث القوات اليونانية البحرية والجوية، ممَّا يعني أن هذه الخطوات قد تكون ضمن استراتيجية أمريكية بمعزل عن تغير الإدارات.

ولكن إن كانت عمليات الدعم الأمريكي في عهد بايدن مجرد خطوة عادية لا تصب إلا في إرسال رسائل طمأنة لليونان، ورسائل سياسية لأنقرة بأن واشنطن تدعم جزئياً الموقف اليوناني رغبة في تهدئته وثنيه عن الوجود في تحالفات تهدد استقرار المنطقة، فقد تكون واشنطن أمام خيارين أكثرهما ترجيحاً هو تكريس التهدئة الحالية والمساهمة في إيجاد حل، خاصة في ظل توجه عام لإدارة بايدن يمكن قراءته بوضوح يميل لخلق حالة استقرار في منطقة الشرق الأوسط وتجنب أي خلافات.

وبالتالي فإن واشنطن قد تنوي توسيع حضورها بشكل أكبر في مناطق التوتر لتمنع تدهور الاستقرار، وذلك لأن سلبية الولايات المتحدة في عدة أماكن سابقاً وبين حليفي الناتو كانت تزيد من فرص المواجهة بينهما، خاصة مع تغذية أطراف ثالثة لموقف اليونان المعادي لتركيا، ومن المعروف أن واشنطن لم تلق بثقلها خلال السنوات الأربع الماضية في منطقة شرق المتوسط وليبيا وغيرها.

من المتوقع أن تركيا ستراقب عن كثب تطور عمليات الدعم الدفاعي الأمريكي لليونان، ولن تقبل بقلب موازين القوى ضدها، ولهذا سيعتمد السلوك التركي على عملية تقييم الموقف الأمريكي، إن كان يصب في سياق دعم الاستقرار فستعمل تركيا على الاستفادة من هذه الحالة في زيادة التعاون وتحسين الوضع الاقتصادي لديها، والذي تشتد الحاجة إلى تحسينه تحديداً في هذا التوقيت.

أما إذا قدّرت القيادة التركية أنها تتعرض لعملية إلهاء تسعى فيها واشنطن لتغيير الموقف الاستراتيجي اليوناني ضد تركيا، حيث إن تركيا جربت سياسة الإلهاء الأمريكي في سوريا، فإن تركيا ستكون مضطرة إلى حسم موقفها والبحث عن تموضع يحافظ على توازن القوى لمصلحتها في شرق المتوسط، وما نستطيع قوله إنه على المدى القريب ستعطي أنقرة فرصة للاستقرار وللتعاون مع إدارة بايدن في مواجهة التحديات المشتركة، وسعياً لتحقيق مكاسب تمكّن حكومة تركيا من العمل براحة في المسرح الدولي وحتى على مستوى السياسة الداخلية.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي